قضايا فكرية

المنهج التفكيكي والاختلاف… دريدا نموذجاً … أحمد عقلة العنزي

عمد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا إلى استخدام استراتيجية التفكيك التي لا تعترف بسلطة المعنى والأنا ومركزية الحقيقة في النص، بل بالاختلاف والغيرية وتصدّع المعنى وتعدّديته.

«كتابة، اختلاف، غيرية، تقويض الميتافيزيقا وتفكيك سلطة المعنى»… تشكّل هذه المفردات مفاتيح في فلسفة دريدا النقدية.

ظلّ دريدا يتحرّك داخل تلك المفاهيم طوال مسيرته الفلسفية وأعطته شهرة ونجومية منقطعة النظير حتى قبل وفاته وهي شهرة فاقت شهرة سارتر وفوكو وتشومسكي وكارل بوبر.
تعود نجومية دريدا، الفيلسوف الفرنسي من أصول جزائرية، إلى أنه عمل على إنقاذ التفكير الفلسفي من ورطة فلسفة الالتزام التي حاكتها بعناية وعبر تاريخها الميتافيزيقا الغربية، هذه الميتافيزيقا التي تقوم على وهم التناقضات بين الروح والجسد، العقل واللاعقل، الكلام والكتابة، المعنى واللامعنى، الشعور واللاشعور، والميتافيزيقا بهذا الشكل تفترض مسبقاً سلطة للمعنى، وهذه السلطة تنبع من فرضية وجود المعنى كأصل أي من الحضور الأنطولوجي للمعنى في النسق والنص الفلسفي أو الأدبي أو الفني…الخ. أي كما يقول أفلاطون – الأب الروحي للميتافيزيقا- بأن لكل «مثال» شبيهاً له في عالم الواقع، هنا نتذكر هايدغر الذي يعتبر بأنه سواء قلنا مثالية أو أفلاطونية أو ميتافيزيقا فإننا نقول الشيء نفسه.

أما دريدا فقد كرّس كتابه الرائع «الكتابة والاختلاف» (l’écriture et la différence) لتقويض هذه الثنائيات في الفكر الفلسفي والعمل بلا كلل على تقويض أساسها الميتافيزيقي مستخدماً بذلك المنهج التفكيكي. ما هو التفكيك؟ وما هي استراتيجيته؟
التحليل النقدي في تفكيك دريدا يقوم على فرضية أن ثمة وحدة متماسكة ومتجانسة للمعنى بحيث تنزع هذه الوحدة نحو التمركز حول العقل، أي إضفاء المعقولية على كل شيء أو أي نص يمكن تحليله فلسفياً، فنفترض دائماً وبشكل مسبق بأن ثمة معنى أو ماهية لها حضور أولي في النص. وهذا بلا شك منحى ميتافيزيقي للتحليل الفلسفي دأب دريدا على تجاوزه وتقويضه في غالبية أعماله حول اللغة والأدب والنتاج الفلسفي.

استراتيجيّة التفكيك
عمل دريدا على استخدام استراتيجية التفكيك التي لا تعترف بسلطة المعنى والأنا ومركزية الحقيقة في النص، بل بالاختلاف والغيرية وتصدع المعنى وتعدديته. لقد سعى صاحبنا إلى الكشف عن المختلف في الأنا، أي وبمعنى آخر، من خلال استراتيجية التفكيك وضع دريدا الخطاب السياسي الفرنسي موضع تحليل وبيّن بحرفية الفيلسوف ومهنيته أننا نجد في أشد الخطابات السياسية يسارية، يمينية «تعشعش» داخلها وهذا يتّضح من خلال لعبة الإقصاء التي يمارسها اليساريون عند أول تجربة لهم في ممارسة الحكم. بكلمة أخرى، تفكيك دريدا يبحث عن السري في العلني، وعن المرغوب في غير المرغوب، وعن المفكر في اللامفكر فيه. وهنا في هذه النقطة، يختلف التفكيك عن النقد المتداول حيث يتوهّم الناقد الكلاسيكي بامتلاكه لتلابيب الحقيقة وشفرتها ويعتقد بأنه يرى في النص أو أي خطاب ما لم يرَه صاحبه، وهذا هو النقد الذي أفرزه الإرث الفلسفي الميتافيزيقي.

هنا تصبح الكتابة وفعل القراءة هما ما يجعل النص / الميتافيزيقا ممكناً من الناحية المادية، باعتبار أن الكتابة هي تحويل للمعنى وتجسيد له، حيث تأتي بأدواتها كالورق والحروف والأثر لتحفظ ما يتم تحويله وتحفظ للمعنى استمراريته وديمومته من عبث الزمان.

قوى متنافرة
في هذا السياق، تصبح الكتابة قيداً وسياجاً للمعنى، هذا هو المفهوم النمطي (الملتزم) الذي يعطيه دريدا لمفهوم الكتابة، لكن الكتابة التي تستخدم استراتيجية التفكيك تتموضع في بنية النص غير المتجانسة، فتقف على التوترات – وليس التناقضات – الداخلية التي يقرأ النص من خلالها نفسه ويفكّك ذاته. ففي النص، كما يؤكد صاحبنا دريدا، قوى متنافرة تساهم في تقويضه، وتصبح بالتالي مهمة التفكيك العمل على هذه التوترات. إنها لعبة الاختلاف في النص، أي لعبة استدعاء الغياب – وليس الحضور- الغياب /اللامعنى وليس المعنى، باختصار استدعاء الآخر في النص، وهنا تكمن أزمة الكتابة كما حددها دريدا وهي أن الكاتب يفترض دائماً الآخر، هذا الآخر قد يكون القارئ أو المؤول أو اللامعنى الشارد في ذهن المؤلف أو الكاتب. وبمجرد أن يفترض الكاتب أو المؤلف الآخر الذي يتوجه إليه بكتاباته، يقع المؤلف في أغلال الكتابة النمطية ويدخل في لعبة التحايل على المعنى وسلطته، هذا ما يعنيه دريدا بـ{أزمة»، أزمة الكتابة بمعناها الواسع حيث يظل المبدع أو الكاتب رهيناً بسلسلة من القيود التي يفرضها المجتمع، ما يضطره الى القبول بإرث المجتمع على حساب الإبداع والكتابة الحقيقيين.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقال مفيد لأن اعمال الفيلسوف دريدا فى غاية الاهمية وقد قصد كاتب المقال بنقد الثنائيات نقد الحداثة نفسها وربما كان سيكون مفيدا لو اضاف ثنائية اخرى وهى انطولوجية الذات والموضوع ، وهذه الثنائيات يمكن وصفها ايضا اطلق بالنظرة الديكارتية الى الحياة ، وهى تعنى كذلك فلسفة الادراك التى شيدت على اساسها الحداثة مشروعها باستيعاب ما قبلها بشكل غير نقدى .
    مشروع دريدا وتفكيكاته تقوم على استخدام لغة الحداثة (باعتبار ان اللغة كنظام علامات تمثل مركز اى نظام ثقافى ) من اجل نقدها وتجاوزها .
    فى السودان فان الحداثة تعيش ازمة عميقة يعبر عنها فى تقديرى وتقدير اى انسان منصف انتقال نصوصها من الاعلام ومؤسسات المجتمع الذى يقوم بعملية الصياغة الاجتماعية ، الى اضابير (الصوارمى) مما يؤكد مدى الضعف الذى اصاب سلطة تلك النصوص التى تحاول دون جدوى الان الاستمرار فى ادراة ميتافيزيقيا الخير والشر واعادة انتاجها بالقول ان الوسط الخير يعمل على اعادة النظام ودحر المتمردين من ابناء وبنات الانقسنا والنوبة ودارفور (التعددية الاثنية والثقافية) مع اخفاء منتج النص وهم نخب الشمال النيلى فى السودان ،
    وإذا استخدمنا مفردات دريدا فاننا سوف نجد انه فى السودان قد تجاوزت المسألة توترات النص الى الواقع وهو واقع مكلف جدا وذو طابع انفجارى حاد اذا استعرض الذهن فقط الاطفال الذين فقدو اطرافهم نتيجة للقصف الذى يمارسه البشير وعبد الرحيم وهى تمثل جزء من شهادات كلونى امام الكونجرس !!

  2. مقال مفيد لأن اعمال الفيلسوف دريدا فى غاية الاهمية وقد قصد كاتب المقال بنقد الثنائيات نقد الحداثة نفسها وربما كان سيكون مفيدا لو اضاف ثنائية اخرى وهى انطولوجية الذات والموضوع ، وهذه الثنائيات يمكن وصفها ايضا بالنظرة الديكارتية الى الحياة ، وهى تعنى كذلك فلسفة الادراك التى شيدت على اساسها الحداثة مشروعها باستيعاب ما قبلها بشكل غير نقدى .
    مشروع دريدا وتفكيكاته يقوم على استخدام لغة الحداثة من اجل نقدها وتجاوزها .
    أما فى السودان فان الحداثة تعيش ازمة عميقة يعبر عنها فى تقديرى وتقدير اى انسان منصف انتقال نصوص الثقافة المهيمنة فى الاعلام ومؤسسات المجتمع الذى يقوم بعملية الصياغة الاجتماعية ، إنتقالها الى اضابير (الصوارمى) مما يؤكد أزمة تلك النصوص و مدى الضعف الذى اصاب سلطتها التى ظلت تحاول دون جدوى الاستمرار فى صياغة معانى ومضامين من خلال ميتافيزيقيا ثنائية الخير والشر واعادة انتاجها بحملات عسكرية تمارس عمليا التطهير العرقى فى مناطق الانقسنا وجبال النوبة ودارفور (اى قمع التعددية الاثنية والثقافية) مع اخفاء منتج النص وهم نخب الشمال النيلى فى السودان بعد ان اوصل الاسلام السياسى ايديولوجيا الاستعلاء والنقاء العرقى الى نهاياتها المنطقية!
    وإذا استخدمنا مفردات دريدا فاننا سوف نجد انه فى السودان قد تجاوزت المسألة توترات النص الى الواقع وهو واقع مكلف جدا وذو طابع انفجارى حاد اذا استعرض الذهن فقط الاطفال الذين فقدو اطرافهم نتيجة للقصف الذى يمارسه البشير وعبد الرحيم وهى تفاصيل مؤلمة مثلت جزء من شهادات كلونى امام الكونجرس !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى