الرأي

المختصر المفيد في المسرح العربي الجديد .. المسرح في السودان

ميسون عبد الحميد

الأطروحة الأساسية والجوهرية في هذه المداخلة هي حول المسرح في السودان، وهي تنطلق من مفهوم أن المسرح في السودان قد تبنى مسرحا بديلًا ومقاومًا للمسرح الذي نفذته الدولة الاستعمارية.

وهنا نقصد بـ “المسرح البديل” أن المسرح في السودان تمسك بكل إيجابيات المسرح العالمي المرتبط بالغرب، وفي الوقت نفسه طرح رؤى شبه مستقلة تتجاوز سلبيات الحداثة الاستعمارية ليقدم مسرحا يتسم بخصوصيات محلية.
أبدأ هذه المداخلة بعرض مختصر لما أثاره الكتاب الصادر عن الهيئة العربية للمسرح ضمن سلسلة المسرح العربي. يذكر أن الكتاب (المختصر المفيد في المسرح العربي الجديد – المسرح في السودان) وهو من إعداد دكتور شمس الدين يونس ودكتور عبد الحفيظ على الله والدكتور فضل الله عبد الله.

تناول الكتاب محورًا أساسيًا مرتبطًا بسؤال التأصيل للمسرح في السودان منطلقًا من سؤال (مسرح سوداني أم مسرح في السودان). وهي قضية تنطلق من السؤال الذي ظل مطروحًا في إطار المسرح العربي لفترات طويلة ولاسيما في مرحلة التأسيس والتنظير لمسرح عربي حيث انقسم المسرحيون العرب إلى اتجاهات حيث ذهب أحدهم إلى أن المسرح اليوم عربي طالما أنه يناقش قضايا عربية، واستطاع أن يصل إلى الجماهير العربية بيما ذهب آخرون إلى أن هذا الشكل يعبر عن الثقافة العربية ولا يدخل ضمن فنون العرب.

والشاهد أن المسرحيين في السودان لم ينفصلوا عن هذا الجدل إذا تعددت الآراء أيضًا وتباينت حول نشاه نشأة المسرح في السودان وحول سؤال التأصيل للمسرح في السودان.

يقع الكتاب في 96 صفحة من القطع المتوسط، ويدرس تاريخ المسرح في السودان هو من الكتب القليلة -في تقديري- التي سعت للتعريف بالبداية الحقيقية لتاريخ المسرح في السودان وبتعدد رواياتها التاريخية المدونة وحتى الشفوية منها ليسهم مساهمة كبيرة في توثيق مهم لتاريخ المسرح في السودان.

اذ تجاوزت حركة المسرح في السودان ما يزيد على القرن من الزمان منذ اول اشارة لتاريخ المسرح 1880 وثم اشارة اخري لمعرفة السودانيين المسرح في العام 1899 مما يغرف بمسر التاتو والاشارة التي ورت بان تلاميذ مدرسة رفاعة قدموا ا رواية في ميدان المولد 1903 كل هذه الاشارات تجعلنا نلاحظ أن رصد وتوثيق النشاط المسرحي قد اتسم بالشفوية عدا كتابات قليلة متفرقة هنا وهناك في الصحف والمجلات، مما يصعب على الباحثين الحصول عليها حتى في المؤسسات الرسمية كالمسرح القومي والمؤسسات ا التعليمية الأخرى، بل حتى عند الفرق والجماعات المسرحية، ويرجح ذلك لأسباب تغيُّر سياسات إدارة المؤسسات الرسمية ونظرتها للتوثيق وإهمال الفرق المسرحية لهذا الاتجاه من الرصد والتوثيق.
في ظل انعدام المراجع التي توثق لتاريخ المسرح في السودان يعد هذا الكتاب بمثابة المرجع الأساسي مما يسهم في فتح الباب لحركة التوثيق والنقد لهذا التاريخ من المسرح في السودان.

يركز الكتاب على مرحلة مهمة من ذلك التاريخ المسرحي في السودان مثل نشأة وتطور المسرح في السودان -وبداية المسرح الشعري في السودان- والتجريب في النص المسرحي السوداني مرورًا بالمسرح الحديث وتطوره -ومسرح الأندية والجمعيات الأدبية- ومسرح معهد بخت الرضا الذي ارتبط بتجذير المسرح في بنية الثقافة السودانية، بل يفرد الكتاب مساحة لأهم الرواد، مثل إبراهيم العبادي وأحمد الطيب زين العابدين لدوره المهم في كتابة الدراماتورج كما يقدم الكتاب قراءة نقدية رصينة لانعكاس العرض المسرحي السوداني.

يخلص الكتاب الي ان العرض المسرحي السوداني ظل علي الدوام لايسعي الي الوصول الي نتائج محددة بالقدر الذي يحتفي به بالقدرة علي التحقق والارتجال والتحول والتجديد والتطور في ظل العمل المسرحي السوداني الواحد ولن يعد ذلك ايجابيا لم يربط بالدراسات الا الكاديمية والبحثية وحاضة اولئك الذين سعوا للاجابه عن سؤال الفرق بين مسرح سوداني ام مسرح في السودان ، عبر البحث في الطقوس والعادات والتقاليد والممارسات السلوكية والاجتماعية في السودان لاستخراج شكل واسلوب مسرحي له سماته الخصة والتي تتوافق مع انسان السودان.

والشاهد أن التأمل والاستقراء وخاصة في البعد الإخراجى لعناصر تكوين الصورة المشهدية يفضي إلى بروز أساليب فنية وإخراجية ذات طابع خاص تتقاطع في كثير من الأحيان مع الشروط الموضوعية لتكوين الصورة الفنيه المتعارف عليها اصطلاحًا، فهي أساليب مبتكرة، وإن صح التعبير هي أساليب مركبة أكثر من كونها ملتزمة بمخطط فكري جمالي موضوعي يستند على خصائص الدلالات اللغوية التشكيلية –البصرية والسمعية. وبالرغم من بعض الانعكاس السالب لبعض العروض فهو سمة أو خاصية فنية إخراجية مسرحية سودانية، أخرجت الفن المسرحي من نفق التبعية الغربية المطلقة إلى فضاءات الإبداع والابتكار والتجديد والتحديث، وإلى المواكبة العالمية بأسلوب فني ذي خصوصية ثقافية محلية تتوافق مع فروض الواقع الحياتي اليومي وتأثيراته. ومن أهم مرتكزاتها التعدد القبلي والتنوع الثقافي اللذين أفرزا تنوعًا وتعددًا في المفاهيم، وإن جاءت التجارب أغلب الأحيان تحمل نقيضها في ذاتها، ويتجلى ذلك في المزاج السوداني الذي يمزج حبه للحداثة بكرهه لها، وهو بذلك يقرن بين السلوك المدني والتمسك بالعادات والتقاليد الرعوية والزراعية القبيلة، وكان لذلك لهذه الازدواجية الأثر الأعظم على التكوين الفكري والجمالي للشخصية السودانية أو الإنسان السوداني، وبالتالي على المبدع المسرحي .

بالرغم من نجاح الدولة الاستعمارية في إجراء تغيرات هيكلية عميقة في المجتمع والاقتصاد والثقافة في السودان إلا أن تلك التغيرات أدت إلى ظهور فئات ومجتمعات جديدة تشبعت بروح الحداثة وانفتحت على أفكار العصر، وكان المسرح مصدر إلهام أساسي لقطاع كبير موثر من تلك القوى الحديثة، وهي التي شكلت الطلائع المقاومة في بلادنا، أهمها كتابات إبراهيم العبادي وخالد أبو الروس ومن بعده تيار الغابة والصحراء ومجموعة أبا دماك التي كان رموزها يوسف عايداني بمسرحية الشهيرة “حصان البياحة” ودعوته (لمسرح لعموم اهل السودان )وعبد الله علي إبراهيم في “الجرح والغرنوق” و”السكة حديد قربت المسافات وكثيرًا” ودعوة فنون الفرجة
ولكن هذه الاجتهادات الفكرية الابداعية لم يحالفها النجاح لتصبح تيارا واسلوبا فنيا يتطور في ذاته وتتوالد منه تيارات واساليب أخرى، إنما ظلت شاهدا ودليلا على الحاجة الملحة لوجود اسلوب فني مسرحي سوداني له خصائص وسمات متفردة تعينه على التكيف مع الواقع الحياتي وهموم انسانه السوداني وابعاده الجمالية والفكرية.

رغم هذه الإشكالية، إلا أن هناك العديد من الشواهد العملية المسرحية التي نجحت بدرجة ما في خلق اسلوب فني خاص وله قبوله الجماهيري العريض كالتجارب العملية في مسرح الفاضل سعيد وتجارب عروض معهد بخت الرضا وتجارب مسرح كوجاك والعروض التجريبية لعروض كلية الموسيقي والدراما وغيرها.

الا ان ضعف المقومات التنظيرية لتلك التجارب جعل التفكير التصوري لها ليس بالقدر الكافي الذي يجعلها تتخذ من الاساليب والتيارات الغربية الحديثة قياسا تتطلع للمماثلة معه بالرغم من انها تحمل في سماتها فنون ما بعد الحداثة فهي لا تلتزم بالشروط والنظريات وتستلهم من الطقوس او الاحتفاليات او الممارسات الفولكلورية الشعبية السودانية اضافة الي المرونة في هيكل بنائها الدرامي الذي يحتمل الاضافة والتغيير او التطوير اثناء تقديم العروض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى