القيادة المكفوفة
فَأَجَابَ يَسُوعَ وَقَالَ"... اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ». (متى 15: 14)
العمى أمر غير محبب، رغم امتلاك الاعمى بصيرة ذهنية، إلا أنه يعجز عن اقتياد الاخرين، لا يستطيع أن يكون دليلا سياحيا. وهي أحدى اسباب قيود الشخص الأعمى، في عدم قدرته على الانغماس في مجتع الإنسانية بشكل عام. هذا يعني أن العمى ليس مجرد إعاقة جسدية بل هو إعاقة اجتماعية أيضا. طبعا هناك من يختلف في وجهة نظر أخر بما يختص بأهمية الحواس في اكتشاف الحقائق، إذ يعتبر الكاتب والرسام الأمريكي (هنري ميلر 1891- 1980) أن عدم الثقة في الحواس الخمسة واستبداله بالنقاد والمعلمين الفاشلين، كمرجعية عن كل شيء، يفقد الاستمتاع بالجديد والمختلف، باختصار النتيجة الأعمى يقود أعمى، يعتبر خبرتهم لا تؤدي إلى نتيجة نصوحة، والقائد الذي لا يعرف رعاياه أو أتباعه أعمى. اقتبس الدبلوماسي والأديب البريطاني(فيليب دورمر 1694- 1773) قول السيد المسيح عن “قيادة المكفوف” لتوصيل فكرة عن قدرات الشباب في الإرشاد قائلا: ” “الشباب يقود الشباب، مثل أعمى يقود أعمى؛ “كلاهما سوف يسقطان في الخندق.” مشيرا إلى خبرة الكبار عن معرفة السبل، فالدليل الوحيد المؤكد، هو من الذي سلك كثيرا الطرق التي تريد أن تسلكه كعديم للخبرة. فيستطرد (دورمر) مصرحا اسمحوا لي أن أكون هذا المرشد”؛ فأنا من الذين قطعوا كل الطرق، والذين يمكنهم بالتالي أن يشيروا إلى الطريق بشكل أفضل “.
في الأصل اليوناني وأيام السيد المسيح كلمة ” عُمْيَانٌ توفون τυφος (tuphos) ” تشير في الغالب إلى رؤية مجازية ضبابية. كانت الرؤية الضبابية، بدورها علامة على العمى البصري العادي. وهي في الأصل اليوناني وصف لمنظر ضبابي، دخانًا، توصف بها أحيانا حالة من الحمى، التي تسبب الهزيان والأوهام، مما يفقد المرء التواصل البصري مع محيطه، للكلمة معني أخر تشير إلى اللا معقول، والأبعاد العميقة، قد توصف بها المياه في عميق باطن الأرض. ولأصل الكلمة استخدامات باضافة لمرادفات أخرى مثل: العقل “الباطن أو العميق”، أو العقل الأسمى في الإشارة إلى عمق الفكر، لأن الأغريق كانوا يعتبرون كلمة عمق يعني البدائية وضعف الحدس، مما يعني أن العمق تشير إلى الفوضى والضوضاء والعاصفة. وحرفيا تشير “الحفرة” إلى الثقوب التي تم يتم حفرها في الحقول، من أجل تجميع المياه، وتكون بمثابة أحواض شرب للحيوانات، والشخص الذي يمر ليلا في الحقول دون دراية سيتخبط في تلك الأحواض المائية. من هنا يتضح ما قصده مثل السيد المسيح : «اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ» بمعنى أخر فوضى يقاد بفوضى عاصفة، النتيجة كارثة محققة، ثمة أمر مهم في هذه الفوضى هو أنهم لا يبالون بما يقال من حولهم أو الالتفات إلى إي تحذير، لذلك قال السيد: اُتْرُكُوهُمْ، أفيتي، ἄφετε من أصل الكلمة ( أفييمي ἀφίημι): حالة ميؤوس منها، لا إصلاح ممكن؛ على طريق الخراب، لذا غادرهم، ابتعد عنهم، دعهم وشأنهم، ما يحدث في هذه الحالة، نقطة الحتمية وهي الخراب. لأنهم يتسيجون بمكانتهم البارزة اجتماعياً، يمتلكون الحنكة، إلا أنهم عديمي الضمير منافقين، يعتبر المصلح جون كالفن أن محاولة تجنب هؤلاء يجعلك متميزا، لأنك بتجنبهم تنأى من الاساءات على نفسك والأخرين، فلا يجب أن تشعر بالقلق. في النهاية القائد الأعمى هو قائد بلا رؤية أو أجندة واضحة.