الرأي

الطفل الذي أغضب والي غرب دارفور

أسماء محمد جمعة
قبل أيام شاهدت مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، يظهر فيه والي غرب دارفور، يشكو للحضور في مناسبة (لا أدري ما هي)، قال إنه كلما مر بعربته ورأى أطفالاً في الشارع يقوم بإنزال الزجاج ويسلم عليهم.
لكنه تفاجأ هذه المرة بأحد الأطفال يرد عليه بحركة مسيئة، قام هو نفسه بتقليدها بكل جدية أمام الحضور الذين انفجروا ضاحكين. ثم تساءل: هل لهذا الطفل: “أم وأبو؟”، طبعاً هو يقصد أنه لم يجد من يربيه.
حقيقة ما قاله الوالي، وتقليده للحركة يجعلنا نحن أيضاً نتساءل: هل هذا وال مسؤول، وله حاكم ورئيس؟ لهو  أمر غريب أن يكون في هذا المنصب ويغضب من طفل مظلوم، رد عليه بحركة لم تعجبه، ويسأل إن كان له أم وأب، ويجعل من الأمر مثاراً للنقاش.
ليس هناك أحد ليس له (أم وأبو)، لكن الظروف تكون أحياناً أقوى منهما. هذا الطفل أكيد له أم وأب، لكن ربما فقدهما، قتلتهما الحركات أو إحدى المليشيات المنتشرة هناك، فوجد نفسه وحيداً في الشارع.
وقد يكونا موجودين، لكنهما يعملان ليل نهار من أجل الحصول على طعام يبقي أطفالهم على قيد الحياة،  والاحتمالات كثيرة. خاصة أنهم يعيشون في ظل دولة لا ترحم، يأخذ المسؤولون حقوق الناس من أفواههم، ولا يجدون الأمن والأمان.
هذا  الطفل مهما كان عمره فهو بلا شك لم يعش لحظة في مناخ يناسبه، فغرب دارفور منذ سنوات تعيش في حالة حرب وصراعات. وتلك الحركة من المؤكد تعلمها من الشارع، وليس من روضة، ولا مدرسة، ولا غيرها من مؤسسات توفر للأطفال الظروف المناسبة ليعيشوا طفولة طبيعية.
كل الولاة الذين مروا على الولاية لم يهتموا بالأطفال، لذلك أصبح الشارع هو المكان الوحيد الذي يسعهم. الشارع الذي ينتظرون فيه مستقبلهم المظلم، فيمر عليهم الوالي بسيارته الفارهة، ولا يمكنه فعل شيء غير إنزال زجاجها المظلل، وإلقاء التحية عليهم من بعيد، وكأنهم مصابون بمرض معد.
لو حدثت هذه الحادثة لأي شخص سليم النفس والضمير لسكت خجلاً، وفهم لماذا رد عليه الطفل بتلك الحركة، وقرر أن يعالج المشكلة، فحياة الشارع لا تعرف الذوق والأدب والإتيكيت.
السيد خميس لا يريد أن يفهم، لأنه يعاني من انفصام شخصية، شأنه شأن كل المنتمين للحركات المسلحة، لا يشعرون بأنهم سبب تعاسة المواطنين، وهمهم الوحيد هو تولي المناصب التي تشعرهم بأنهم فوق الجميع، المناصب التي نسوا شعاراتها التي ادعوا أنهم خرجوا من أجلها.
بالمناسبة، هو لم يقم بإنزال الزجاج لتحية الأطفال المساكين تواضعاً منه، بل لأن تلك الحركة تشعره بالعظمة. فهو يعرف أن الناس يتفرجون على موكبه الذي لو تواضع وتنازل عن تكلفته لغير حال كل أطفال غرب دارفور، ولما وجد طفلاً يرد عليه بحركة مسيئة أو حتى نظرة عتاب.
على السيد خميس أبكر أن يعلم أن الأطفال حتى وإن كانوا في الشوارع، فهم على وعي بأن أي مسؤول حكومي إنما يمثل حكومة العصابات الحالية، التي هي سبب حرمانهم من أن يعيشوا طفولتهم كما ينبغي. ويعلمون أن الشعب السوداني كله يناضل من أجل  التخلص منها، فهم رغم صغر سنهم شهود على الفساد الذي يتم جهراً، وأمام أعين الجميع، وتحت حماية العسكر.
عموماً، والي غرب دارفور إنما يوضح مأساتنا مع منسوبي الحركات الذين يؤكدون لنا كل يوم أنهم أشخاص غير أسوياء، وغير مؤهلين لتحمل أي مسؤولية من أي نوع، ويسقطون في أبسط المواقف والامتحانات، حتى أمام الأطفال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى