تقارير

السودان .. المسار السياسي وأثره على الاقتصاد

ترجمة – آلاء عبد الرحيم
أشار تقرير صادر عن برنامج تتبع الشفافية والسياسة في السودان، إلى أن الانتعاش الاقتصادي توقف بعد انقلاب 25 أكتوبر. فبعد أن بدأ الاقتصاد في التعافي خلال الفترة الانتقالية 2019-2021، وإدخال الحكومة الانتقالية مجموعة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي – برنامج دعم الأسرة السوداني (SFSP) ثمرات، وموارد المساعدات الخارجية، والمدفوعات المستحقة من مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرهما من المنظمات الدولية – إلا أن الانقلاب سبب ركوداً في الاقتصاد، وفاقم تكلفة المعيشة وارتفاع أسعار السلع.
ومع تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي الحالي بسبب الوضع الأمني الهش، وتعليق المساعدات الدولية، من المفترض إعطاء الأولوية للتسوية السياسية في ظل انعدام الأمن والاستقرار الاقتصادي.
إذ أدت العملية السياسية الجارية الآن إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة، فإن الحكومة المدنية هي التي ستعمل على وضع السياسات وادارة مؤسسات الدولة، ويمكن أن تتبع ذلك عودة الانتعاش الاقتصادي، ويبدأ السودان في استئناف برامج الإصلاح الاقتصادي التي توقفت بعد الانقلاب، واستعادة الانخراط الكامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشركاء التنمية والمانحين.

قادة الانقلاب-البرهان/ حميدتي

التأثير الكارثي لانقلاب 25 أكتوبر
يواجه السودان مخاطر اقتصادية كبيرة، وتمت إعادته إلى عزلة حكم البشير الاستبدادي. كان للانقلاب تأثير كارثي على المؤسسات الاقتصادية والشركات المملوكة للدولة، وفقدان الدعم المالي. علاوة على ذلك، سمح الانقلاب بسوء إدارة الموارد الطبيعية للبلاد، خاصة الذهب، وازدهر التهريب. وهذا ما حرم الدولة من قيمة كبيرة من أموال الضرائب وقلل قدرتها على تمويل الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، وخسر الجنيه السوداني حوالي (30٪؜) من قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022.
تجدر الإشارة إلى أن الدعم المالي الذي قدمه صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والجهات المانحة، كان يهدف إلى التقاط السودان انفاسه على أمل تنفيذ سياسات التكيف واستعادة الاقتصاد الكلي والاستقرار والنمو. في حين أن تنفيذ هذه السياسات صمم خصيصاً للسودان، فقطع الانقلاب المسار الصحيح، وتسبب في توقف تحقيق المكاسب الاقتصادية.
استعادة استقرار الاقتصاد في السودان
شجع السودان على توسع العمل في مجال معالجة ملايين الأطنان من النفايات المعدنية، التي خلفها عمال مناجم تعدين الذهب الأهلي التي تستخدم السيانيد. من المعروف أن الزئبق يستخرج حوالي (30٪) فقط من محتوى الذهب من الخام تاركًا وراءه (70٪) من جزيئات الذهب في النفايات المعدنية والتي يمكن استخراجها. لكن العديد من معالجي المخلفات يتجاهلون بروتوكولات الصناعة للتعامل مع السيانيد في عملياتهم، مع غياب الرقابة الحكومية.
يوضح التدهور الاقتصادي في البلاد، منذ الانقلاب، ضرورة إتمام التسوية السياسية لتجنب المزيد من الهشاشة، رغم العقبات التي تتمثل في الجيش والمقاومة الشعبية والاحتجاجات المستمرة التي تخلق ضغطًا قويًا. إن شعب السودان بحاجة لدعم دولي يضمن الانتقال الديمقراطي الذي لن يخدم فقط تطلعات الشعب السودان للديمقراطية، بل سيدفع إلى الاستقرار في المنطقة.
يقر المجتمع الدولي بأن الاستقرار الاقتصادي سيتطلب حلاً سياسياً، فمنذ الانقلاب أثبت الجانب العسكري أنه ضعيف ومنقسم. وفي حال تشكيل حكومة مدنية جديدة بدعم دولي، يجب التركيز على الحلول الشاملة للوضع الحالي المحفوف بالمخاطر، وبناء أنظمة حكم وعدالة قوية.
الإعفاء من ديون السودان من شأنه أن يساعد على انتقال السودان من دولة هشة إلى دولة نامية، والحصول على القروض الميسرة اللازمة للبنية التحتية والخدمات الأساسية. بذل السودان جهودًا كبيرة لحل هذه المشكلة، واتبع آليات تخفيف الديون والتعامل مع الدائنين، واعتمد استراتيجية للحد من الفقر. لذلك، ينبغي على الجهات الفاعلة الدولية أن تدعم استئناف هذه الجهود والتخفيف من عبء الديون، وتعمل على معالجة الصعوبات من خلال التنسيق بين المانحين والمستلمين.
خلال المرحلة الانتقالية الجديدة، تحتاج الحكومة إلى تحسين فعالية وجودة المساعدات الإنمائية لتحقيق تأثير تنموي أكبر في السودان، والعمل على إنشاء آليات حوكمة. في تجارب البلدان الأخرى في هذا الصدد، مثل تنزانيا، تم تطوير آلية مساءلة متبادلة تعتمد على عمل مجموعة مراقبة مستقلة، تجري مراجعات كل سنتين، وتقدم هذه المراجعات للمانحين والحكومة، وتجعل كلا الطرفين عرضة للمساءلة.
تحديات الحكومة المقبلة
أدى الارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تناقص الناتج المحلي الإجمالي للفرد السوداني. ستكون التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومة الانتقالية الجديدة تحديات داخلية، تتمثل في سياسات إحياء النشاط الاقتصادي، وتمكين مشاركة القطاع الخاص، ومعالجة أزمة غلاء المعيشة، وخلق فرص عمل للشباب، وزيادة مشاركة المرأة، وإعادة بناء وضمان الحوكمة الرشيدة في المؤسسات.
من المتوقع أن يوفر الاستقرار السياسي بيئة عمل مواتية للقطاع الخاص، لأن الحكم الرشيد يسهل الإصلاحات والاستثمارات. وتجدر الإشارة إلى أن الإصلاحات الاقتصادية لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية كبيرة، إلا إذا كان هناك قطاع خاص يعمل بشكل جيد. مع الوضع في الاعتبار، أنه لا يوجد تصميم للإصلاح يتسم بالكمال، ولكن يجب علي الحكومة المقبلة التركيز على مواجهة التحديات المستمرة، من خلال بناء هيكل حوافز اجتماعية، وتشجيع ريادة الأعمال والمشاركة في القطاع الخاص.
ومن المتوقع أن يسمح تشكيل حكومة انتقالية جديدة لصندوق النقد الدولي، باستئناف مساعدات تغطي مجموعة من المجالات، بما في ذلك: التعليم، الصحة، الزراعة، إدارة الموارد الطبيعية، تغير المناخ، وبناء السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى