السودان .. أي طريق يمضي؟ (1-2)
محمد عبدالله إبراهيم
المتأمل في الراهن السياسي السوداني يتملكه الإحباط وينتابه الشعور بالحزن والأسى، لما يشاهد من صراعات بين مكونات سياسية وحزبية تسودها الضغائن والأحقاد بين بعضها البعض، والمطامع والتسلط، ويدعي كل طرف التمسك والدفاع عن القضية الوطنية، وقضايا السودانيين العاديين في الريف والحضر.
ولكن في الحقيقة، هذا مجرد خداع للناس، وادعاء يكذبه الواقع المعاش. الكل مهتم بقضاياه الشخصية والحزبية، ولا أحد يأبه بالقضية الوطنية ومعاش الناس، كما يتردد إلى مسامعنا كثيراً في الآونة الاخيرة. إذ يوجد عشرات الكيانات من الأحزاب والتنظيمات السياسية، والمحصلة السياسية التي تسمح بتكوين وعي تاريخي قادر – من خلال تراكم الخبرات – أن يتجاوز الأخطاء صفر كبير.
والملاحظ أيضاً بعد كل حين، يتم الكشف عن حزب أو تنظيم أو مسمى تحالف سياسي جديد. ولم يتمكن السياسيون من الاتفاق حول رؤية سياسية تُحظى بتأييد أكبر قدر من السودانيين ومكوناتهم السياسية والاجتماعية، وتسهم في خلق مشروع وطني يتفق حوله غالبية السودانيين.
ولا شك أن وجود هذا الكم الهائل من الأحزاب والجماعات السياسية في أي دولة يعبر بجلاء عن وجود أزمة سياسية واجتماعية عميقة، كما هو الحال في السودان. والمؤسف جداً أن التاريخ السياسي السوداني شهد العديد من التحالفات السياسية التي لم يكتب لها الاستمرار منذ ما قبل الاستقلال بين القوى الاتحادية التي كانت تعمل من أجل الوحدة مع مصر، والقوى الاستقلالية التي تتعامل مع الحكومة البريطانية.
كافة تلك المكونات تاريخياً لم تستطع الصبر على بعضها البعض في تحالف سياسي واحد، يمكنها من تحقيق الممكنات من القضايا الوطنية المشتركة.٩ وترتبط التحالفات السياسية في السودان بالتكتيك السياسي والانتهازية داخل التحالف الواحد، وبين المنظومات السياسية بعضها البعض.
اتسمت الممارسة السياسية في البلاد بمثل هذا النهج والسلوك على مر التاريخ السياسي، وهذا النموذج العقيم يعتبر معضلة حقيقة متجزرة في الممارسة السياسية لدى السياسيين والأحزاب، وهو ما لا يمكن أن يبني دولة، ولا يصلح للعمل السياسي في بلد لم تنهض فيه العملية السياسية على مبادئ دستورية متفق عليها.
السبب الرئيسي في تفكيك التحالفات السياسية، هو عدم استنادها على مبادئ فكرية صلبة، وإنما تنبني في الغالب على تأثيرات قوى خارجية، وترتبط بمواقف براغماتية سرعان ما تنفض، ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم، وهكذا دواليك.
هذه الصيغة من التحالفات تعتبر أخطر مهدد لمصير السودان ووحدة شعبه وأراضيه، من قبل الأعداء، والمخاطر التي تأتي من خارج الحدود، لا سيما في مثل هذه الظروف السياسية المعقدة، والمنعطف الخطير الذي يمر به السودان الآن، وهو أكبر محفز للقوى الخارجية أن تتدخل في الشأن السوداني، كما يحدث اليوم على مرأى ومسمع الجميع، حيث تحاول كل قوى أن تؤثر في صناعة ورسم الخارطة السياسية التي تتسق مع مصالحها وأهدافها.
نواصل..
