الرأي

الراى العام في مأزق الحرب الاعلامية

د. وجدي كامل
بدخول اليوم الخامس للمعارك الدائرة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، ومع تضارب الانباء عن حقيقة الاوضاع على ارض المعركة بالعاصمة الخرطوم يتاكد ان الحرب الاعلامية قد دخلت خطوط القتال جنبا الى جنب مع القوات المتحاربة. يستولى الجيش على مبنى الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون بعد فشل الدعم السريع في استغلال هيمنته عليهما لثلاثة ايام متتالية وفشله في تشغيل قناتى السودان والنيل الازرق والاذاعة السودانية. وضع الجيش يده وهيمنته على المنافذ الاعلامية الهامة من شانه اصبح التاثير على مجريات المعركة بتوفره على سلاح اضافي ينفذ به الى الراى العام المحلي والاقليمي والعالمي. فالنوافذ الثلاثة من الان وصاعدا لا تصبح سلاحا فحسب بيد الجيش ولكن مصدرا معتمدا للاعلام الاقليمي والدولي للحصول على الاخبار. واعلام القوات المسلحة وقبل عثوره على الكنز الاعلامي المتمثل في النوافذ الثلاثة كان قد فقد عنصرا هاما من عناصر صدقية الخبر بنتيجة عمل وحدة التحقق من الصور بقناة الجزيرة مباشر والتي كشفت عن وجود عدد من الفيديوهات المفبركة المرسلة لها من عنوان اعلام القوات المسلحة مما يرسل رسالة مفادها ضرورة توخي الحذر عند التعاطي مع الفيديوهات المسربة من عنوان اعلام القوات المسلحة التى ومن الواضح انها قد اقترفت الخطأ الجسيم باستهانة تقنية التحقق لدى قناة كالجزيرة. وازاء وضع كهذا يقع الراى العام السوداني والاقليمي المشاهد للقناة السودانية في وضع التشكيك لما يصدر من اخبار وصور. الشاهد على ذلك ان القيادة الاعلامية العسكرية للقوات المسلحة ومنذ يوم امس كتاريخ للاستيلاء على النوافذ الثلاثة ارسلت عددا من الرسائل التي كذبتها احداث اليوم التالي. وفي مقدمة تلك الرسائل واهمها كانت رسالة توقعاتها بعودة الاحوال الى طبيعتها والتركيز على اعادة تدوير احداث شاهدها الناس قبلا في قناتي الجزيرة مباشر والحدث بالاضافة على سياسة بث اغاني الحماسة المستمدة من تقاليد ماضي الحرب مع الجنوب والمتماهية مع بناء برنامج ساحات الفداء مما يدعم فرضية سيطرة عقل أعلامي قديم على منتجها المرسل.
وبالنظر الى بيان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة فان البيان كان قد خلى من تاكيدات الانتصار وركز على المناشدات وتكذيب المعلومات الواردة من جهة اعلام الدعم السريع بعدم سيطرتها على المواقع التي اشارت الى السيطرة عليها. ويصبح ان من اهم وسائل الاقناع الاعلامي في مثل ظروف كالظرف الحزبي القائم هو تنظيم المؤتمرات الصحفية والتي تغيب باسباب عدم استتابة الامن وصعوبة الحركة للصحفيين مما يتطلب كان خلق ممرات امنة لهم ولغيرهم حتى تكتمل صورة المعلومة. امام اوضاع كهذه يصعب اضفاء اي صدقية للاخبار المرسلة من طرف واحد مما يصعب من جهته مهام الاعلام الوظيفي المتخصص كالاعلام العسكري في ظروف الحرب.
من الجهة الاخرى يرسل اعلام قوات الدعم السريع رسائل واخبارا لا توجد الدلائل والاسانيد القاطعة لحقيقتها بسبب سيولة الأوضاع على ارض المعركة وكمثال خبر الاستيلاء على مبنى القيادة العامة والاذاعة والتلفزيون اللذان كذبتهما الوقائع بعد اقل من يوم. من هنا ومما سبق ذكره يبدا استهلاك الراى العام لما تعرف بالانباء الزائفة والاكاذيب الاعلامية وهو ما يدفع وبيساعد في جعل الراى العام مضللا وفاقدا للحقيقة. واقع الاعلام الحربي للطرفين المتقاتلين حاليا ومن دون شك هو واقع الايلولة المطلقة لتكتيكات الدعاية والحرب النفسية كتكتيكات مجربة تقتضي ضرورة البحث عن الانتصار الركون لها واستخدامها بكثافة لافتة لهزيمة العدو.
ورغم ذلك الوضع المختل والمخاتل بالمعلومات تبقى هنالك اخبارا صحيحة ومؤكدة لا تجد طريقها لاعلام الطرفين.
ومن اهم تلك الاخبار ان المعارك مستمرة دون ان تؤكد فوز طرف على اخر، وان الحرب الدائرة حرب سجال وان امدها قد يطول باسباب كثيرة يتعلق بعضها بالتاكتيكات المستخدمة في ادارة المعارك بالخرطوم والاخر يتصل بهيمنة الدعم السريع على مقرات عسكرية للجيش السوداني بعدد من الولايات وخاصة الغربية منهن مما يثير سؤالا عن زمنية توقعات استردادها وتفاعلات ذلك مع بقية الازمات القائمة بتلك المناطق.
اما الاخبار الاشد تاكيدا والتي تغيب ايضا عن اعلام الطرفين فهى ان معاناة الشعب تزداد كل دقيقة، وان المنظومات الصحية والخدمية العامة تتمزق بنحو سريع ومتفاقم، وان الراى العام المتخم بالاشاعات المتضاربة ينادي بالقاء السلاح والجلوس الى التفاوض واعادة الحياة الى طبيعتها دونما تاخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى