تحقيقات

الدواء وضع كارثي .. ومرضى على شفا الموت

شعبة الصيدليات الخاصة: الانقلاب تسبب في الكارثة

كشفت جولة لـ(الديمقراطي) على عدد من الصيدليات والمستشفيات بولاية الخرطوم، عن انعدام تام لأدوية الأمراض المزمنة مع ارتفاع أسعارها في حال توفرت، وشكت مجموعة من المواطنين الذين تم استطلاعهم، عن عدم توفر الأدوية المهمة مثل أدوية السكري والضغط والصرع والأمراض النفسية، مما عمل على زيادة الضغوط الاقتصادية عليهم. وعزا رئيس شعبة الصيدليات الخاصة انعدام أدوية الأمراض المزمنة، لعدم التزام بنك السودان بتوفير دولار الدواء المدعوم، خاصة عقب الانقلاب الذي زاد من تردي أوضاع الأدوية وانعدامها، مطالباً الدولة بتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية تجاه الموضوع لأهميته، وقال: “نأسف أن تكون الزيادة بنسبة 300%”.

تحقيق – نسيبة فرحان

مرضى: نعاني من انعدام أدوية السكري والضغط

كشفت جولة (الديمقراطي) في بحثها عن سبب الأزمة الدوائية واستبيان حال الناس عن انعدام بعض أدوية الأمراض المزمنة وارتفاع أسعارها، أن الوضع ازداد سوءاً وأصبح كارثياً، وشكا المواطن “أيمن” من ارتفاع أسعار الأدوية وانعدامها، وأوضح أنه يعاني من أمراض الضغط، وأصبح العلاج غير متوفر مع ارتفاع سعره بصورة كبيرة. وقال: “أقضي يومي كله متجولاً بين الصيدليات بحثاً عن علاج الضغط المتمثل في حبوب تسمى (أتاكاند بلس) هو علاج يوصف لتنظيم الضغط”، وأضاف: “هنالك ندرة واضحة في عدد من أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر”، وشكا كذلك من ارتفاع أسعار الأدوية بقوله: “كنت أشتري الحبوب المذكورة أعلاه بمبلغ 5 آلاف جنيه، ونسبة لمحدودية دخلي والأوضاع الاقتصادية الضاغطة أضطر لشراء شريط واحد لحين تدبير مبلغ لإكمال الجرعة، ورغماً عن ذلك أصبح الدواء غير متوفر، مما زاد المعاناة وربما مضاعفات المرض. وحالياً بعد انقطاع توفر صنف من صناعة محلية سودانية، أصبح منعدماً حتى في الإمدادات الطبية المسؤولة عن توفير أدوية الأمراض المزمنة، بمعنى أن العلاج المحلي والمستورد في ندرة”.

شكاوى متعددة

وفي جولة (الديمقراطي) بصيدلية الإمدادات الطبية بمنطقة السجانة، كانت تقف إحدى السيدات على عتبات مدخل الصيدلية شاحبة الملامح، تهمهم بعبارات غير مفهومة، وعند سؤالها عن أسعار الأدوية وتوفرها، أجابت بصوت راجف: (هي وينها الأدوية! ما في.. وكان في غالية، بقينا نشيل هم من سعر البندول). وذكرت أنها تبحث عن بخاخ للأزمة ولم تجده، على الرغم من ارتفاع سعره، إذ وصل سعر بخاخ (السمبكورت) (60) جرعة (8) آلاف جنيه، ونوع آخر ذكرت أنها لا تعرف اسمه، سعره (25) ألف جنيه عبارة حبوب توضع للاستنشاق.

ومن جهتها، اشتكت المواطنة سوسن كمال من عدم توفر علاج السكري (الأنسولين) بالصيدليات، وصيدلية الإمدادات الطبية على وجه الخصوص، مع ارتفاع سعره بصورة كبيرة تفوق مقدرة المواطنين من أصحاب الدخل المحدود، وكانت تهم بشراء دواء أثناء جولة (الديمقراطي) فقالت: “الواحد بقى يشيل هم لو أصيب بصداع”، نسبة للظروف الاقتصادية الضاغطة ومحدودية دخل المواطن السوداني. وذكرت أن سعر البندول وصل مبلغ (5) آلاف جنيه للصندوق الواحد، وأنها تعاني من مرض السكري، واشتكت كذلك من ارتفاع أسعار “دوائه” بصورة كبيرة، حيث وصل سعر الحقن الخاصة بجرعة (الأنسولين) (1100) جنيه بدلاً من (500) جنيه، وبلغ سعر أنبولة (الأنسولين) (1000) وحدة مبلغ (5700) بدلاً من (3800) جنيه في الصيدليات التجارية، مع عدم توفر علاج (الأنسولين) بالإمدادات الطبية.

الصيدليات الخاصة: أسعار الدواء زادت بنسبة (300%)

الدواء خارج تغطية التأمين

عبارة يرددها العاملون في الصيدليات للمواطنين أثناء تقديمهم لبطاقات التأمين الصحي: “الدواء دا خارج نطاق تغطية التأمين الصحي”. واشتكت مجموعة من المواطنين من عدم إدراج أدوية الأمراض المزمنة ببطاقة التأمين الصحي، مع معاناة المواطن من الغلاء الطاحن. “قد توجد بعض الأدوية في الصيدليات الداخلية للمستشفيات من الأنواع رخيصة السعر، لكن أدوية الأمراض المزمنة لا تدخل جميعها في التأمين، فما فائدة التأمين إذاً؟!”، والحديث لأحد المواطنين.

مستشفى جعفر بن عوف للأطفال

في غرفة العناية المكثفة بمستشفى جعفر بن عوف للأطفال، كان عبدالله (10) أعوام يرقد طريح الفراش، إلتصق جسده الهزيل ببطنه، ووالده يجلس بقربه وينظر إليه بنظرة حانية. وفي خارج غرفة العناية ذكر لـ (الديمقراطي) أن ابنه عبدالله يعاني من مرض اليرقان، وأكثر ما يحزنه أن العلاج غير متوفر في الصيدليات، وأرسل لجلبه من “مصر”، وقال: “أتمنى أن يأتي سريعاً قبل أن نفقد عبدالله”، وفاضت عيناه بالدموع.

شعبة الصيدليات الخاصة

كشف رئيس شعبة الصيدليات الخاصة، دكتور نصري مرقص، في تصريح لـ(الديمقراطي) عن ندرة وانعدام الأدوية المنقذة للحياة في فترة الأربعة أشهر المنصرمة وحتى تاريخه، قال: “هنالك انعدام تام لأدوية الصرع وبعض الأصناف من أدوية الأمراض النفسية، وكذلك أدوية السكري والضغط. أدخلتنا ندرة الأدوية كصيادلة في حرج مع المواطن، والتي وصلت لانعدام البندول من الصيدليات”، موضحاً أن السبب الرئيسي لانعدام الأدوية وندرتها عدم إيفاء بنك السودان بالتزامه في توفير النقد الأجنبي للشركات العاملة في مجال استيراد الدواء، والمصانع العاملة في صناعة الدواء محلياً، والتي تستورد الخام بالعملة الصعبة وتوفر العلاج للمواطن بأسعار معقولة تناسب دخله.

وأوضح: “اجتمعنا مع اتحاد مستوردي الأدوية والمجلس القومي للأدوية والسموم وإدارة الصيدليات، وتوصلنا لخيار صعب أو خيار (مُر)، هو أن تلتزم شركات الأدوية بتوفير الدواء عن طريق الحصول على النقد الأجنبي من السوق الموازي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة 300% للأدوية المحلية والمستوردة. اضطررنا لهذا الحل حتى تتوفر الأدوية في أرفف الصيدليات، ورغماً عن ذلك هو شبه معدوم نسبة لارتفاع أسعاره التي تفوق مقدرة المواطن”. وأضاف: “كأنما الدواء أصبح سلعة رفاهية يتوفر للمقتدرين فقط، والطبقات الفقيرة من العمال متوسطي الدخل هي الأكثر حاجة للدواء، حقيقة إن الوضع مؤسف جداً وكارثي”.

وطالب الدولة بتوفير دولار مدعوم لحل أزمة الدواء للشركات العاملة في مجال استيراد الأدوية، وأن تتحمل فارق السعر للدولار، لجهة أن الدواء سلعة ضرورية، وحتى تتوفر أدوية الأطفال وعلاجات الأمراض المزمنة. وأضاف أن دولاب وعجلة العمل اقتصادياً تعتمد على العمال من الطبقات الأكثر حاجة للدواء، مما يؤثر سلباً على سير العمل والإنتاج في حال لم يتوفر الدواء. وقال إن عدد الصيدليات الخاصة والفاعلة يقدر بحوالي (1200) صيدلية، وعدد الصيدليات بولاية الخرطوم يبلغ ما بين (300 – 400) صيدلية.

وكشف عن تردي أوضاع الشركات المستوردة للأدوية بسبب الانقلاب وارتفاع سعر الدولار، مما أدى لتراجع وانخفاض كمية الأدوية المستوردة بنسبة (70%) وزيادة الأسعار بنسبة (300%) مع وجود شح وندرة في الأدوية. وقال: “كافة المواطنين المرضى من أصحاب بطاقات التأمين لا يحصلون على الأدوية بالتأمين لعدم توفرها، مع توفر بعضها في الصيدليات الخاصة بأسعار عالية”، وطالب الدولة بالقيام بواجبها، موضحاً أن توفير الدواء التزام أخلاقي وإنساني.

المرضى النفسيون الأكثر تأزماً من انعدام الأدوية

جولة في الصيدليات

وفي جولة (الديمقراطي) على الصيدليات، وضح خلو أرففها من العلاجات الضرورية لبعض الأمراض المزمنة مثل أدوية (الضغط السكري والأزمة والصرع والأمراض النفسية)، وأفادت إحدى العاملات في صيدلية بشارع الحوادث- فضلت حجب اسمها- أن انعدام الأدوية وارتفاع أسعارها يفتح الباب للتهريب، والذي يأتي بأدوية غير مطابقة للمواصفات، ومثلت لذلك بلجوء بعض أصحاب الأمراض النفسية لبعض أنواع المخدرات كبديل للعلاج، وهنا تكمن الخطورة. مطالبة الدولة بأن تتحمل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه المواطن السوداني، مشيرة إلى انعدام بعض (الفيتامينات)، وقالت إنها من الأساسيات في ظل وضع غذائي سيئ، ورغم أهميتها إلا أن أسعارها باهظة لا يستطيع المواطن البسيط شراءها. وناشدت الجهات المختصة بدعم شركات الأدوية بالدولار والعملة الحرة لسد فجوة نقص الأدوية، خاصة الأدوية المنقذة للحياة وصناعتها محلياً، مثل أدوية: الأزمة، السكري، الضغط وعلاجات الأمراض العصبية.

سماسرة الدواء

قال أحد الصيادلة الذين تحدثوا لـ (الديمقراطي): “زيادة أسعار الأدوية فاقت قدرة المواطن البسيط صاحب الدخل المحدود، مع انعدام أصناف كثيرة بشكل تام”. وحمل مسؤولية هذا الوضع الذي وصفه بـ (الكارثي) لعدم تحملها دعم دولار الدواء، مؤكداً أن هذا الوضع عمل على بيع أدوية الأمراض النفسية خارج الإطار القانوني المنظم لتداولها، ورفع أسعارها بصورة كبيرة للمواطن البسيط. قال: “زيادة أسعار الأدوية التي تأتي بالتهريب تقدر بنسبة 200%، وهي أدوية غير موثوق فيها وفي فعاليتها من حيث التراكيب الكيميائية، هو عمل تجاري مبني على الربح”، محذراً من مغبة استخدام الأدوية المهربة التي تنشط في مثل هذه الظروف، ومطالباً بضرورة تشديد المراقبة على المداخل وبعض الصيدليات لمنع الأدوية المهربة، لأنها تمثل خطراً حقيقياً على المواطن، وقال إن هنالك سماسرة ينشطون في هذا المجال متواجدين بالقرب من المستشفيات.

صيدليات التأمين الصحي

وأكد صيدلاني يعمل في إحدى صيدليات التأمين الصحي أن هنالك أزمة في توفر الدواء بصورة عامة، مؤكداً انعدام الأدوية المنقذة للحياة بشكل تام. وقال: “بعضها متوفر منه البديل بأسعار تمثل أربعة أضعاف الدواء الأصلي”، ومثل لذلك بعلاج السكري (الأنسولين) الأنبولة (1000) وحدة، إذ أصبح نادراً وبسعر (4200). أما البدائل المتاحة من (الأنسولين الأقلام) فهي بسعر (25) ألفاً. وقال الصيدلاني إن المفارقة في الأسعار كبيرة، ولا يستطيع المواطن البسيط الحصول على دواء دائم بهذا السعر الكبير. وفي السياق، أضاف أحد مرضى الفشل الكلوي أن أدوية غسيل الكلى تحت مظلة التأمين الصحي، لكن تكمن المشكلة في عدم توفر كميات تناسب حاجة المرضى، وهنا يضطرون للبحث عن الصيدليات الاقتصادية لتغطية الحاجة من الأدوية غير المتوفرة في الصيدليات.

النفسية والعصبية

شكت مجموعة من ذوي المرضى للحالات النفسية، الذين إلتقتهم (الديمقراطي) من تراجع أوضاع أبنائهم بسبب عدم توفر العلاج ودخولهم في نوبات هياج، مما اضطر بعضهم لترك أشغالهم والبقاء مع مرضاهم.

برج الأمل لأطفال السرطان

وكشف زيارة (الديمقراطي) لـ (برج الأمل) لمرضى السرطان من شريحة الأطفال بشارع المستشفى، عن تعطل المصعد (الأسانسير) لأكثر من شهر دون اهتمام المسؤولين بإصلاحه. مع ملاحظة أن بعض المرضى من الأطفال يقيمون في الطابق (12) مما يشكل معاناة لأسرهم في حملهم، وحاجتهم للنزول لإجراء الفحوصات وجلب العلاجات التي أصبحت غالية الثمن وغير متوفرة، وبعض العاملين منعوا مندوبة (الديمقراطي) من التحدث للمرضى أو مقابلتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى