الحقوق الثقافية: من الهوية إلى الاختلاف ..خالد سليكي
خالد سليكي..
لقد ظهر مفهوم الحقوق الثقافية في المواثيق الدولية التي تعود إلى الأربعينيات من القرن الماضي، في النصوص التي لها صلة بحقوق الإنسان، وبالأخص المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948؛ كما تم تناوله في نصوص عالمية أخرى أهمها تلك التي ظهرت في 2 نوفمبر 2001 والتي وقع فيها تبني إعلان اليونسكو العالمي للتنوع الثقافي، وفيه تم التأكيد على أن حقوق الإنسان لا تقبل الفصل ولا التجزئة. وقد كان يهدف بالأساس إلى تطوير طلائع الحقوق الثقافية التي أقرتها المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ذلك أن التنوع لكي يكون خلاقا ومنَمِّياً، ينبغي أن ينشأ على قاعدة القبول بالآخر وثقافته والتحاور معه، وقد شدد هذا الإعلان على ضرورة الاعتراف بالغير بمختلف أشكاله، بل وبتعدد ذاتيات هذا الآخر في ظل مجتمعات تتسم أصلا بالتعددية.
وإن الإعلان العالمي حول التنوع الثقافي، يعتبر خطوة هامة على الطريق السوي الذي يدعونا إلى أن نتطور في اتجاهه وأن نتقدم ونحن ندرك أن موضوع الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وهو ما يدفعنا إلى البحث بعمق في التنوع والحقوق الثقافية.
إن الفكرة السائدة في الخطابين السياسي والثقافي الرسميين هي الوحدة أي وحدة الهوية والتماثل وحين يتم التفكير في الخطاب السياسي من زاوية الآخر من حيث هو اختلاف فإنه دائما يعود به إلى التماثل وإلى الوحدة والهوية.
ومن هنا يأتي الإقصاء والإبادة ومحاولة احتواء وتدجين كل ما هو مناقض ومختلف، وكل ما من شأنه أن يعارض مبدأ الهوية بالمفهوم الشوفيني والرسمي السياسوي، وهذا هو ما يكون منطلقا لإضفاء المشروعية على كل مظاهر وأشكال العنف التي تصاحب عملية إرجاع الاختلاف والتناقض إلى داخل إطار الوحدة والهوية، وهو ما يشكل الخلفية الفكرية والفلسفية للأنظمة اللاديمقراطية والشمولية التي تقصي وتنفي وتحاول أن تخضع تلك الوجوه الثقافية التي تراها مخالفة بكل ما أوتيت من آليات القمع والتهميش. لكن السؤال الذي يظل مطروحا، هو إلى أي حد يمكن للخطابات السياسية والثقافية الرسمية أن تنظم وتضبط وتسيج تلك الانفلاتات؟
نعرف أن كل المجتمعات، وعلى مر التاريخ، كانت تشهد حركات تسير ضد الخطابات الرسمية، ونقصد ضد التوجهات الفلسفية والمعرفية التي يتبناها الخط الرسمي، والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخنا العربي. وإذا كنا نحن العرب لم نكتب هذا التاريخ الهامشي الذي ظل ينمو على الهامش وظل دائما يهدد ويخترق في صمت الخطابات السائدة والمهيمنة، فإننا مع ذلك يمكننا أن نتتبع هذا الهامشي من خلال ما أوردته الكتابات الرسمية وما كانت تنتجه أثناء عملية الرد على تلك الحركات أو الثورات الفكرية. وما يهمنا من هذه السيرورة التي تعرف توازيا بين الهامشي والرسمي، والصراعات الصامتة التي تشتغل على الخرق والاختراق، والسعي نحو الاحتواء، هو أن كل محاولات التوحيد والتَّهْوِيَة identification التي تسود الفكر تشهد دائما انفلاتات من الصعب ضبطها. فعلى الرغم من كل أشكال الضبط والمراقبة التي تفرضها سلطة فكرية أو اجتماعية أو سياسية فإن ذلك الآخر “المختلف” يخترق وينفذ إلى عمق الخطاب ويبدأ بالاشتغال من داخل الخطاب الرسمي، بل ويحدث داخله أوجها للصراعات مما (قد) يؤدي إلى انتصاره في بعض الأحيان، أو أن يتخذ أشكالا مغايرة ومختلفة قد تنتج خطابا له خصائص مختلفة ومغايرة عن الخطابين، أي تؤدي إلى إنتاج مركز مغاير مناقض للهامشي والمركزي السابقين… وهكذا تظل الصيرورة تشتغل. لذا فقد اهتم العديد من المفكرين والفلاسفة، خاصة في فرنسا، بتأسيس فلسفة تقوم على الاختلاف وكل همها رصد المختلف، والمغاير، والمتعدد، والقبض على المختلف في اليومي والمحلي والجزئي والهامشي. وهكذا كان دريدا شغوفا بالبحث عن هذا المختلف في الكتابة الإبداعية، وكان دولوز يحاول القبض عليه في التيه، في حين كان فوكو يبحث عنه في الاختبال والجنون )عبد العزيز بن عرفة، فكر واختلاف، مجلة كتابات معاصرة – العدد 24 بيروت 1995 – ص.6-10(.
إذن، تلك هي الخلفية الفلسفية لمفهوم الاختلاف. أما إذا عرَّجنا على المدلول السياسي المباشر فإن “حق الاختلاف” يظل هو الأساس النظري البعيد لكل النزعات التمييزية التي تتخذ عدة أشكال، فهي إما تكون باسم الثقافة أو باسم العرق أو اللغة، أو التراث/التاريخ، ومن ثم يصبح حق الاختلاف في أحد تمظهراته وجها للحق في التميز وبالتالي الانفصال.
وعليه فإن مجموع ما سبق أن أشرنا إليه يقودنا إلى الأسئلة الكبرى التي باتت تطرح قضايا إشكالية وفلسفية وسياسية عميقة، خصوصا في ظل التحولات التي يعيشها المجتمع الدولي، والتي تتراوح بين ثقافة الهيمنة واقتصاديات السوق وتدفق التقنيات المتطورة وما تحمله معها من فكر وثقافة ونمط في التفكير والعيش، والعلاقات مع العالم ومع الأفراد.
العولمة والهوية الثقافية
جاء في ملاحظة لجاك بيرك، في مقدمته لكتاب برنار بوتيفو، حول التشريع الإسلامي والقانون في المجتمعات العربي أن “المطالبة التي استعارت لغة اليسار انطلقت من الآن في اتجاه يبدو معاكسا. واستعاضوا عن التلويح بالحجة الاجتماعية والاقتصادية بالحرص على الخصوصية الثقافية… فالهوية التي كانت من قبل موضع شك أضحت الذريعة الأساسية لكل معترك”، ومن ثم فإن المطالبة المتزايدة ب “الهويات الثقافية” من حيث هي تعدد للهوية، ليست سوى محاولة لإثبات الهويات الثقافية التي تتساوق مع النقد، ونقصد هنا ذلك النقد المتأسس على السياق والتاريخانية، آخذا بعين الاعتبار المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وغاياتها.
لكن قبل ذلك كله ما علاقة العولمة بالخصوصيات الثقافية والهوية، ثم ما هي العولمة بالتحديد؟
هناك تأكيد واسع الانتشار يفيد أننا نعيش في حقبة يتحدد فيها الشطر الأعظم من الحياة الاجتماعية بفعل صيرورات كونية تذوب فيها الثقافات القومية، والاقتصاديات القومية والحدود القومية. وهكذا أضحى كل شيء يتجاوز حدود الاختصاص الوطني ليتم تدويله بما في ذلك حقوق الإنسان. ومن ثم أمكن اعتبار العولمة الثقافية نتيجة لعلاقة العولمة بالحقوق الثقافية، فما هي حدود العلاقة بين العولمة والحقوق الثقافية؟
بين العالمية والعولمة، ثمة مسافة كبرى هي ذاتها المسافة الفاصلة بين التواصل والحوار فيما بين الحضارات، والجدير بالذكر أن ثقافة العولمة ليست هي ثقافة الغرب -تحديدا- بالمعنى النخبوي العالِم، وإنما هي ثقافة استهلاكية موجهة إلى الاستهلاك، أو بالأحرى هي الوجه الآخر لنمط من الثقافة التي تمثل نمط حياة معينا وتعويضا لصراع اجتماعي حاد بين الطبقات الاحتكارية المحظوظة وبين طبقات مسحوقة. ذلك أن الثقافة المصدرة هي مطبوعة بالسوقية التي تسعى إلى تكريس وعي مسطح لدى الشعوب والمجتمعات التي يُراد لها أن تستهلك هذا المنتوج الثقافي. وهذا بالضبط ما تحمله العولمة التي تهدف إلى تشجيع الدعوة إلى صراع الحضارات القائم على التحطيم والإلغاء وليس إلى تعايش يقوم على الحوار والتكامل، حيث إن الوجه الذي بدأت تظهر به العولمة هو وجه “عولمة إمبراطورية” تحاول ابتلاع كل ما تجده في طريقها على كل المستويات، لأن العولمة هي أكبر من مفهوم اقتصادي، فهي نسق فلسفي، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح قضية التنوع باعتباره مسألة حيوية، وهو ما دفع إلى اعتبار الوهم الفوكويامي قد انتهى بعد مرحلة زمنية لنجد أنفسنا أمام التهويس/الهوس الهنتنغتوني (نسبة إلى هنتنغتون) الذي طرح القضية الثقافية طرحا مغايرا محاولا تجاوز”فلسفة النهايات” التي نضجت في كتابات فوكو، وهي التي تقضي بحتمية النموذج الليبرالي كمصير للشعوب الذي يجد آخر صور تطوره في”صدام الحضارات” باعتباره حلقة نهائية في مسار تطور الصراع، ويعني، بالنسبة إليه، أن الصراع الحقيقي لن يختفي وإنما سيعمل كل واحد على تغيير مصادره وسبله كما سيعمل على تغيير أشكاله وآلياته من خلال التحول من صراع الدول والصراع الطبقي والمجتمعي إلى صراع ثقافات، سينتهي بظهور حالة إنسانية عالمية. وهذا ما يدفع إلى الدخول في نقاش جنوني محموم حول مفهومين خطيرين لهما انعكاسات ودلالات فلسفية وفكرية خطرة. فقد بدأنا اليوم ندرك أن العملية أكثر تعقيدا من مجرد الاختيار بين تفسير هذه العولمة، إما على أنها قمع ثقافي وإما على أنها قرية كونية.
فالعولمة لا تتطور وفق خط مستو أو محايد، مفرغا من الحمولة الاجتماعية والافتراضات السياسية. وهو ما يتجلى بوضوح حينما يتم وصف العالم الذي يظل متسما بإصرار بمركزية غربية. فكل إنسان، مثلا، يعرف تعبير “الشرق الأوسط”، لكن قليلون هم أولئك الذين يتذكرون معناه الأصلي ، بوصفه المنطقة الآسيوية الواقعة في منتصف الرحلة التي كان يقطعها البريطانيون إلى إمبراطوريتهم الهندية. وقد كان تعبير”الشرق الأقصى” الذي يستخدم حتى الآن، يشيرعندئذ إلى المنطقة الواقعة فيما وراء الهند. فلغة أهل “الحكم ليست مجرد حدث تاريخي، لأن التسمية تستحضر القوة عبر فرض الأجنبي/الآخر لنظرته إلى العالم على هذا المتواجد في المنطقة، وهذا الاهتمام بعلاقات القوة/المعرفة مستقى مما كتبه فوكو، الذي أثر بشكل واسع في مجال الجيوبوليتيكا النقدية. وقد سبق لإدوار سعيد أن أوضح كيف أن الشرق لم يكتشفه الشرقيون، بل بناه الأوربيون لكي يعرفوه بوصفه عالما شرقيا. أي إن الكتاب الأوروبيين الذين اهتموا بشؤون آسيا عرفوا هذا العالم الشرقي بوصفه نقيضا لعالمهم المتقدم، أو هو “آخر” أوروبا. وفي هذه العملية تم إسباغ صفات سلبية على آسيا، من قبيل الاستبداد، والجمود، واللاعقلانية، والقسوة، لكي تمثل المقابل للصورة الأوروبية للذات بوصفها دستورية ودينامية وعقلانية ومستنيرة. (بيتر تيلور و كولن فلنت. الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحاق عبيد. عالم المعرفة. يونيو 2002. ص.247)
وإذا كانت، العولمة كما يرى بيتر تيلور وكولن فلنت، تتحدد في ثمانية أبعاد: العولمة المالية، والتكنولوجية، والاقتصادية، والسياسية، والبيئية، والجغرافية، والسوسيولوجية، والثقافية، فإن هذه الأخيرة (العولمة الثقافية) تشير إلي استهلاك “النتاجات الكونية” عبر العالم، وتعني ضمنيا في أكثر الأحيان التأثير المهيمن كما في تعبير”الكوكلة” و”عالم الماك”.
بعد ميثولوجيا الهيمنة أو بالأحرى الامتصاص الثقافي جاء “صدام الحضارات” الذي بشر بأنه بعد نهاية الصراع الأيديولوجي بانهيار الاتحاد السوفياتي سيتحول الصراع إلى عراك بين الحضارات المختلفة. نجد في مواجهة العولمة جواب الكونية في الدفاع عن التنوع الثقافي. وبعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية اتخذت العولمة شكلا جديدا ومحتوى ليبراليا أكثر بروزا، فالتسليع والتفاوت والتنميط المتولد عن الكل-المتنافس هي التي أصبحت تهدد الثقافة كما تهدد الاقتصادي والاجتماعي. ومن ثم فإن العالم كله أصيب بصرعات عميقة وبإيقاع زمني متزايد السرعة، وبدأنا نرى أن العديد من المكتسبات والحقوق أصبحت محل مراجعات وإعادة النظر، وبدأنا نلحظ مسارات تطوُّر تُصَادَرُ وتأخذ اتجاها معاكسا، كما شهدت ثقافات تشوها من خلال الأضواء المتقاطعة التي تصدر عن “شركة العالم” و”انتظام العالم” و “ثقافة العالم” (جان بيير دوبوا، العولمة والكونية والحقوق الثقافية، التنوع الثقافي والحقوق الثقافية؛ المنظمة الدولية للفرنكوفونية/المعهد العربي لحقوق الإنسان2003.(
هكذا أصبحت العولمة المهيمنة تهدد كل شيء، ويبقى التنوع الثقافي هو المعقل الوحيد الذي تخترقه وتهدمه سهام هذا الشبح/الغول. فهي (العولمة) مثلها مثل بروكست، قاطع الطريق الأسطوري الذي كان يتفنن في قطع أو تمطيط سيقان ضحاياه حتى تكون على مقاس سريره. فالعولمة اتخذت المنهج البروكستي، ببتر الحضارات ومسخ الطبائع. وهذه الانقلابات التي تمس كينونة الإنسان، وتضرب جذوره وهويته تؤدي حتما إلى ردود فعل تبلغ أقصى درجات العنف السياسي وهو ما يتمظهر في الغالب، اليوم، في الخطاب الديني المتطرف في بعض مجتمعات العالم الثالث، لأن سرعة هذه التحولات والخطر الناجم عنها يدفعان إلى الرجوع، بشكل عفوي، إلى القيم القديمة. وبهذا المعنى فإن الحركات الأصولية المتطرفة، لا تأتي من الدين فقط، وإنما بصورة أعمق تأتي من معارضة جذرية لتطورات يشعر الناس إزاءها بأنها غير محتملة (المصدر السابق، ص 79(.
إن الوعي الجديد بالتنوع الثقافي أصبح يشكل، من هذا المنطلق، إحدى العوامل الحاسمة في النمو الديمقراطي، بحيث يمثل منعرجا أساسيا يسمح بتصور طرق تعامل أكثر تكاملا وشمولا مع الديمقراطية. فالتنوع الثقافي مفهوم غني يدفعنا إلى إعادة وضع التعقد في صميم السياسي في كل أبعاده، والعلاقة التي تطرح بين التنوع والحقوق، هنا، باعتبارها طريقة لتأويل الثراء الثقافي الذي ينبغي المطالبة بفهمه واحترامه وتطويره، وبالإمكان إظهار باقي الاختلافات الثقافية، كما تُظهر البعد الثقافي لوجوه الاختلاف الأخرى، كما تُظهر مختلف الحقوق الثقافية إظهارنا للأبعاد الثقافية لبقية الحقوق الإنسانية.
فهل نهاية التاريخ التي أعلنت أن نهاية الإيديولوجيا هي نهاية لتاريخ كل البشرية أم هي نهاية للتاريخ الغربي؟ وهل نعيش حقا “نهاية التاريخ” و”صراع الحضارات” و “مرحلة مابعد البشرية”، التي هي بمثابة مدخل للجنون الذي ينتجه التقدم اللامنضبط السريع والخطير للبيوتكنولوجيا الجديدة التي تهدد بولادة المسوخ؟! أم إن العالم مازال فيه متسع من الأمل لإنقاذ البشرية وتوسيع مساحات التنوع والاختلاف من أجل نشر ثقافة تقوم على مبادئ القيم الإنسانية المثلى، تؤمن بالتنوع والاختلاف، وتجعل من العولمة عولمة تقوم على التعايش والتفاعل والاعتراف بالآخر؟
إن التنوع والاختلاف لا يشكلان حقا، بقدر ما يشكلان ضرورة ومدخلا لتجاوز العديد من الصدامات، ومن ثم فإن الاستمرار في الإقصاء لن يؤدي إلا إلى إنتاج الإقصاء، وتعطل التنمية البشرية في كل العالم. وفي هذا السياق يقول ألبي ساكس “وإذا كانت هناك قضية مركزية واحدة من شأنها توحيد مختلف نبوءاتي، فهي إقامة الجسور لمواجهة الانفصال التاريخي بين حقوق الإنسان والتنمية البشرية”، في حين أردف إيميل كنتسنتسكو بأنه بإمكاننا تمثل أشد التكنولوجيات تعقدا في بضعة أشهر، وبإمكاننا كذلك، أن نحفظ علما فعالا في التصرف الاقتصادي والاجتماعي في بضع سنوات، بينما تحتاج الثقافات، لتولد وتبلغ النضج، إلى قرون.
مع أن هذا العامل الثقافي، لاسيما تعدد الثقافات، هو الذي يستطيع، بحق، من وجهة نظرنا، تحديد النجاح الاقتصادي والسياسي الذي ستحصل عليه بعض المناطق التي لن تضبطها رواسم ولا تحدها حدود. ومن ثم تصبح العولمة -كما يرى روبيرتسون – مفهوما يشير إلى شيئين معا: انكماش العالم وازدياد الوعي به ككل. “ذلك أن المتاح اليوم لأية ثقافة ليس خصوصية مميزة ومميزة، وإنما كيفيات خاصة وطرق نوعية للمساهمة في الثقافة الكونية والانخراط في المعاصرة وإقامة ثقافة حوارية تستثمر الأصول وتعيد إنتاجها فتنعش الفكر وتشق له دروبا أخرى وتفتح له آفاقا مغايرة” (عبد السلام بنعبد العالي، ضد الراهن. دار توبقال. الطبعة الأولى 2005. ص.3)، وتلك هي الحداثة بما هي محاورة دائمة مع الثقافة الموروثة والثقافات المتعددة المختلفة والمتنوعة.