الرأي

عسكرة الحزب الشيّوعي السُوداني..

 نضال عبدالوهاب

ظلت كوادر الحزب الشيّوعي السّوداني والمُتحالفين معه في الجبهة الديمُقراطية والطُلاب وحركات النساء وقطاعات العمل والأحياء يمثلون خط أساسي من خطوط الشارع الثوري وقواه الحيّة والمُصادمة والتي برز دورها في ثورة ديسمبر مع الآخرين من الشباب ولجان المقاومة وقواعد الأحزاب الأخري خاصة في قطاعات الطُلاب والمهنيين.. ظلت مُعظم هذه الكوار حضور دائم في المواكب والتعبئية والتنسيق لها، خاصة في مراحل الثورة الأولي، وهذا لطبيعة طُغيان الحماس الثوري في أغلب هذه الكوادر، ولكن وبعد تشتت شمل التحالف الذي قاد الثورة والإنشقاقات التي حدثت والتي أدت لخروج الحزب الشيّوعي من تحالفي الإجماع الوطني والحرية والتغيير، ونسبة للتباينات الكبيرة والخلافات حول برنامج الفترة الإنتقالية وحكومتها، وتمسك الحزب الشيّوعي بأجندة خطه السياسي كحزب تراجع دور الحزب الشيّوعي في الشارع علي عكس ماتعتقد قيادته وذلك لتعارض طريقة تفكير قيادة الحزب وما تتخذه من قرارات وما تصدره من بيانات مع أغلب الخط الجماهيري الثوري، وظهر هذا عندما كانت تدعوا قيادة الحزب لإسقاط النظام قاصدة به حكومة الفترة الإنتقالية بدلاً عن إصلاحها وتصحيحها فلم تجد إستجابة من الشارع الثوري والذي كان وقتها يُطالب بالإصلاح وإتفاق القوي المدنية وعدم الإسراف في الخلافات وتقديم الأجندة الحزبية وكل هذا كان يمضي لصالح العساكر والكيزان إلى أن وقع إنقلاب ٢٥ أُكتوبر، وفي الوقت الذي توقع فيه الجميع تغيير في طريقة تفكير الحزب الشيّوعي وقيادته للقضاء على الإنقلاب وعودة الديمُقراطية وإرسال رسالة أننا جميعاً متوحدون ضد العسكر والكيزان وتمكينهم ووجودهم في الحُكم والسُلطة وموضع القوة، إلا أنه حدث العكس، حيث قام الحزب بتصعيد خطاب التخوين والتجريم وبث الكراهية والعداء ضد خصومه في قوي الحرية والتغيير وبشكل غريب، للدرجة التي كانت بياناته الجماهيرية وتصريحاته خاصة لسكرتارية اللجنة المركزية والمكتب السياسي تتناول وبشكل دائم خصومهم في قوى الحرية والتغيير أكثر ما تركز على العسكر الإنقلابيون أنفسهم والكيزان وحلفاء العسكر من الفلول والمدنيين الإنتهازيين، وأغلقوا أي مساحة للحوار مابينهم وما بين الحرية والتغيير أحد الأجسام السياسية الفاعلة سواء أُتفق أو أختلف حولها، وظلت تصدر من بعض قيادتهم التي “نُكب” بها الحزب تصريحات “مُشاترة” و”فوضوية” و”غير مسؤولة” بل و”طفولية” كانت تزيد من شقة الخلافات ليس فقط مابينهم وبين خصومهم في الحرية والتغيير وإنما حتى على مستوى الشارع وشبابه ولجان المقاومة أنفسهم، كل هذا أثّر لا شك في وحدة الشارع الثوري وفي تراجع المد الثوري نفسه، وإنسداد للأفق، خاصة بعد تبنيهم لتحالف التغيير الجذري الذي ولد ميتاً لعدم مُلامسته لواقع الإنقلاب الحالي وتبنّي الحزب الشيوعي لبرنامجه السياسي للفترة الإنتقالية، في مُقابل خط التسوية الذي تتبناه الحرية والتغيير وبعض حلفاؤها والذي يحتاج لكي يُهزم وضوح وتوحد لقوى الثورة الحقيقية ورؤية موحدة تهزم وتسقط الإنقلاب بإتباع وسائل المقاومة و علي رأسها الإضراب السياسي والعصيان المدني والمواكب المركزية وكلها تحتاج للعمل والتنسيق المشترك، خاصة وإن روح الإتفاق والوحدة تتمدد لكل الشعب الرافض للإنقلاب ولوجود العسكر في السُلطة ولسُلطة الكيزان التي أسقطها شعبنا بثورة ديسمبر ..

مواقف الحزب الشيوعي السوداني أسهمت في تقديرنا وتقدير الكثيرين في سوء الوضع الحالي وتمدد حالة “الفرزعة” والإنشقاقات بين القوي المدنية وحتى قوي الشارع وبعض لجان المقاومة، لإصرار الحزب علي سياسة التشدد في المواقف والتعنت وعدم قراءة الواقع بشكل صحيح وعدم إستخدام أي قدر من المرونة يقود لحلول جماعية للصف الثوري الوطني.. كل ذلك قاد للتشكيك في دوافع قيادة الحزب وصلت لحد إتهامه بالإختراق من قبل الأجهزة الأمنية الكيزانية والعسكرية والمخابرات الإقليمية لقوي الثورة المضادة، وذلك لسبب بسيط وهو إنسجام تلك المواقف مع أهداف الثورة المضادة في شق القوى المدنية وتوسعة الخلافات حتى داخل قوى الثورة الحية ولجان المقاومة.. فليس هنالك عاقل يرفض التنسيق ضد السُلطة الإنقلابية بدعاوي عدم الجلوس والإتفاق مع كتلة ويقصدون بها قوى الحرية والتغيير، وليس هنالك عاقل يرفض كل المبادرات بما فيها مبادرات تنسيقيات مهمة في لجان المقاومة للحوار مابينهم وبين القوى الثورية الأخرى ومن ضمنها الحرية والتغيير، هذا الوضع أدى لعزل الحزب فعلياً، ويساهم في إفشال تنظيم الجماهير نفسها من الشعب السُوداني ضد الإنقلابيين سواء عبر المواكب أو الجبهة النقابية والمهنية وصولاً للإضراب السياسي..

مواقف قيادة الحزب الشيوعي المُتعنتة هذه ساهمت في تكبيل عضوية الحزب نفسه بظاهرة أقرب لعسكرة الحزب في إتباعها فقط لقرارات قيادتها دون المقدرة على تخطيها أو تغييرها أو حتى نقاشها بينهم بشكل علني وديمُقراطي أمام الشعب السُوداني، كذلك عسكرة الحزب الشيوعي السوداني تتضح في إغلاق عقله الجماعي “المُفكر” وإتباعه لسياسة أقرب لتلقي الأوامر والتقليد والترديد “البغبغائي” ودون وعي دونما دراسة حقيقية للواقع الحالي المأزوم في البلد وبفعل الإنقلاب وسيطرة العسكر والمليشيات والكيزان على الدولة في ظل التردئ الكبير وشبح الإنهيار الكامل للبلد في أي شئ وخطر الفوضي الشاملة…

عودة الحزب للخط الثوري الصحيح والمقدرة مع الآخرين في تنظيم الجماهير وهزيمة خط التسوية وإسقاط الإنقلاب لن تتم إلا بإيقاف فوري لعملية “عسكرة” الحزب الشيوعي وتحوله “لثكنة” خاصة بقيادة الحزب ولبعض المتنفذين فيها..

ختاماً ولعضوية الحزب الشيوعي فليكن شعاركم للمؤتمر السابع الذي نتمنى قيامه قريباً هو عودة حزبكم لخط الجماهير ولفك عزلة الحزب بالتخلص “ديمُقراطياً” من أضعف وأفشل قيادة مرت على تاريخ الحزب ولإنفتاحه على الآخرين من القوى المدنية السياسية وحتى من يختلف معكم في طريقة إدارة الفترة الإنتقالية وبرنامجها و”إستبدال” القيادة بعناصر أكثر مرونة وعقلانية وثورية وديمُقراطية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى