الرأي

الحزب الشيوعي السوداني: الهروب من الواقع نحو الشعار

أحمد محمود احمد(كاليفورنيا)

مدخل ضروري: ان هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان تتطلب تضافر جهود كافة القوي السياسية خارج منظومة الإسلاميين وعسكر السلطة من اجل خوض المعركة الاخيرة لتحقيق شعارات ثورة ديسمبر، والتي يبدي فيها شباب وشابات هذه الثورة قدرة عالية على التضحية.. وكنا نتطلع ان يلعب الحزب الشيوعي السوداني دورا قياديا عبر هذه المرحلة المعقدة متضافرا جهده مع القوى السياسية الاخرى من اجل تثبيت وتحقيق شعارات ثورة ديسمبر عبر وحدة كافة القوى التي تقف ضد خندق العسكر والإسلاميين، ولكنه ونتيجة لتعمق حالة التفرد والنزعة الذاتية اصبح هذا الحزب يخدم خط الثورة المضادة وذلك من خلال تشتيت الجهد الموحد والغرق في الشعارات والهتافات التي لا تغير في مجرى الواقع من شيء. وقد كان من المفترض توجيه النقد عبر هذه المرحلة لقوى الردة، ولكن نمط وتفكير الحزب الشيوعي السوداني يدفعنا الى التصدي للخط الذي يطرحه لأنه خط عكسي يضرب وحدة المعارضة في مقتل، ولهذا تقتضي الضرورة كشفه.. الحزب الشيوعي ونتيجة لتصلب المواقف وعدم ديناميكية الفكر يهرب من مواجهة الواقع ضمن ما هو مطلوب تحليله وتشريحه واتخاذ الموقف الصحيح منه، بدلا عن ذلك يلجأ الى الشعارات وهذه طبيعة يكاد أن يتساوى فيها مع تيار الإسلام السياسي في طرح الشعارات هروبا من الواقع، اذ يتساوى شعار الاسلام هو الحل مع شعار التغيير الجذري نتيجة لأنعدام صلتهما بالواقع الذي نعيشه في السودان حاليا، وكذلك انعدام آليات تحقيق أي منهما، مع الفارق بين الحزب الشيوعي والاحزاب الدينية في المنطلقات والمواقف.. وهذا ما يطرح سؤال لماذا هذا الشعار وفي هذا الوقت بالذات.. وفي تقديري ما يؤدي الى ذلك بالاضافة للتعنت الفكري هو السعي للكسب عبر الشعار والتمايز عن الأخرين وفق التصور الأحادي.. كما انه مغازلة مكشوفة للقوى الرافعة للسلاح والرافضة لسلام جوبا والساعية ضمن نهجها العام لهدم السودان القديم بكل بنياته واقامة سودان جديد، وهذا ملمح من التغيير الحذري الذي يدعو له الحزب الشيوعي السوداني ضمنا.. الحزب الشيوعي السوداني دوما يراهن على قوى (الهامش) الحاملة للسلاح وهذا حقه، ولكن اعتقد أن الرهان الحقيقي اليوم يرتبط بالنضال السلمي الجماهيري، دون الإقلال من حمل السلاح عبر بعض المراحل ضمن وعي ثوري بدور البندقية..

◾شعار التغيير الجذري كشعار الأسلام هو الحل، لأنه بلا اَليات..

النقد عبر هذه المرحلة

كما ذكرت سابقا وأرجو تأكيده هنا مرة أخرى، فان المواجهة عبر هذه المرحلة ليست مع الحزب الشيوعي، بل هي مع عناصر الثورة المضادة وعسكر السلطة، ولكن لأن الحزب الشيوعي اتخذ موقفا يعزز من قوة هذه العناصر بشكل غير مباشر، ولهذا يتخذ النقد تجاه الحزب الشيوعي مبدأ المسائلة والسؤال: اذ لمصلحة من يجنح الحزب الشيوعي للطرح الذي يتبناه راهنا وما هي الفئات المستفيدة من هذا الطرح؟ وما هو الاطار الذي يخدم فيه القضية الوطنية عبر هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان؟.. ولماذا يتعصب الحزب الشيوعي لأطروحاته ضمن مرحلة تحتاج الى التوافق؟ أين يكمن الخلل في كل هذا، هل في الرؤية المتعالية أم في ضياع الرؤية أصلا؟ هل الحزب الشيوعي يقع الآن في خط اليسار ام يسار اليسار أم يمينه؟ هذه الاسئلة ومعها أسئلة اخرى يمكن ان يجيب عليها الحزب الشيوعي، ولكن وضمن المحصلة النهائية كنا نأمل أن يكون الحزب الشيوعي على رأس قيادة هذه المرحلة وذلك عبر الوعي بضرورياتها، لكنه أختار أن يكون في الوسط وهو وسط العجز عن الفعل نحو التغيير ومحاولة تجيير المرحلة لصالحه دون الأمساك بخيوطها الأساسية.. اننا نتفق حول حرية أي حزب ان يتخذ ما يراه مناسبا لخطه السياسي، لكن مع ضرورة الوعي بطبيعة التحديات وكذلك ضرورة ترسيخ مبدأ الوحدة الوطنية في ظل وطن تسوده النزعات القبلية والجهوية، وهذا لن يتم في إطار حزبي فردي انما في وحدة القوى السياسية كلها وهي نقطة خلافنا مع الحزب الشيوعي السوداني في الوقت الراهن.. ولهذا فأن طبيعة النقد ترتبط بهذا الاتجاه وتؤكد عليه..

الحزب الشيوعي السوداني حزب عريق لكنه تقليدي..

طبيعة النقد

ان طبيعة الحركة الثورية ترتبط وبشكل أساسي بقدرتها على الوعي بطبيعة المرحلة التي تمر بها أوطانها، وكذلك طبيعة القرارات التي يمكن أن تساعد في الانتقال المدرك للمخاطر التي يمكن أن تحدث والسعي لتجنبها، كما ان الحركة الثورية يجب ان تدرك قوة الحركة الجماهيرية والسعي لتوحيدها من اجل تحقيق أهداف الثورة، والأهم في طبيعة الحركة الثورية هي وضوح النظرية الثورية ومعها المرونة الثورية، والتي تشتغل على الفهم لطبيعة المراحل والتعبير عن المرحلة حسب متطلباتها وعدم القفز فوق المراحل.. بهذا المعنى فأن الرؤية التي تتبناها الأحزاب الشيوعية عموما وضمن الحتمية الماركسية هي أنتصار البرولتاريا كطبقة يتحدد معها مسار تاريخ البشرية، وهذا ضمن التنظير في واقع المجتمعات الرأسمالية. ولكن لعدم تحقق هذا الشرط في بعض المجتمعات، فإن الأحزاب الشيوعية تستخدم مفهوم المرونة الثورية والوعي بطبيعة المرحلة وتبحث عن تنظير للواقع الجديد، كما فعل لينين في الأتحاد السوفيتي من خلال تنظيره حول آليات التغيير وعبر الطليعة الثورية والتي أوكل لها بث الوعي وسط العمال، اذ بات الوعي في هذه الحالة والتي يشخصها لينين يأتي من الخارج وليس من داخل ما ينتجه الصراع الطبقي وذلك عبر دور الطليعة، وغيرها من التجارب داخل اوربا وانخراط الاحزاب الشيوعية ضمن التجربة البرلمانية.. الحزب الشيوعي السوداني يبدو أنه وفي هذه المرحلة بالذات يفتقد تلك المرونة الثورية ويقفز دون مقدمات الى شعارات لا تتماشى مع المرحلة الحالية في البلاد ومنها شعار التغيير الجذري.. اذن لماذا يفعل الحزب الشيوعي هذا وما هي النتائج التي يريد الوصول اليها؟ و ما هي طبيعة التفكير التي دعته الى ذلك..

◾خيار المرحلة يرتبط بوحدة كافة القوي السياسية من اجل تثبيت الديمقراطية..

طبيعة التفكير

طبيعة التفكير والتي قادت الحزب الشيوعي لطرح مفهوم التغيير الجذري ترتبط بعدم تطور هذا الحزب، وبالتالي العودة الى مرحلة الخمسينيات في الطرح، اذ ان التغيير الجذري يعني وحسب مفهوم علم الاجتماع ذلك التغيير الذي يبدأ من الصفر او بمعني أخر هو التغيير الذي يقوم بهدم كل ما هو موجود والاتيان ببديل جديد وعلى مستوى ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي.. وهو يأتي عكسا للتغيير التدريجي والذي يرتبط بالتخطيط المتأني من أجل الوصول لنتائج دقيقة (راجع جميل استور) … اذن لماذا طرح الحزب الشيوعي هذا الشعار وعبر هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان؟ ولماذا لم يطرحه اثناء معارضته لنظام البشير منفردا وارتضي ان يكون ضمن التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة الطائفية؟ وما هو الفرق بين التغيير الجذري وشعار السودان الجديد الذي طرحته الحركة الشعبية والقائم على نسف السودان القديم وتأسيس سودان جديد على أنقاضه؟ هل سيحمل الحزب الشيوعي السلاح لتحقيق ذلك، ام كيف يتم التغيير الجذري والذي يهتم بالجذور؟ هذه أسئلة مهمة والأهم ما هي قوى التغيير الجذري وما هي الأدوات؟ هذا الطرح لدى الحزب الشيوعي والذي لا يأتي متسقا مع اطروحاته السابقة وممارساته على أرض الواقع، يعبر عن أزمة في تاريخ هذا الحزب الذي قبل باللعبة البرلمانية وخاض انتخابات مختلفة من أجل الوصول الى السلطة.. هذا التحول في الطرح يعبر عن تقليدية لا ينوي الحزب الشيوعي الخروج منها، ولهذا يقول رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الآتي عن الحزب الشيوعي السوداني، (الحزب الشيوعي السوداني يمثل أحد أبرز هذه الأحزاب التقليدية القديمة وأكثرها تشددا، لذلك فان آفاق التطور لديه مسدوده حتى وان أحدث مئة أنتفاضة وعشرات من الثورات الأخرى ولم تهدأ براكينه الثورية أبدا) (٢).. كما يقول وفي نفس السياق (بأعتقادي ان معظم تلك الاحزاب القديمة بما فيها الحزب الشيوعي السوداني راحلة وخارجة من التاريخ بغير رجعة واما البقاء فهو للأصلح، البقاء هو لمن تعلم الحرية وتحمل قدرة التكيف وحسن من ادائه ومن هيكله ورؤيته وصورته ونقطة ارتكازه الإجتماعية..) (٣)…

ماركس

ماذا يريد الحزب الشيوعي

السؤال المركزي هنا ماذا يريد الحزب الشيوعي؟ في تقديري وضمن التصور العام فأن الحزب الشيوعي يسعى للوصول الى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، وهذه المرحلة تتطلب قيادة الشارع قيادة صحيحة عبر تحقيق اهداف الثورة والتي بدأت منذ عام ٢٠١٨ وما زالت مستمرة، والوصول الى الديمقراطية كممارسة شعبية لا مجال للوقوف ضدها او استبدالها وهي المطلب الذي عبرت عنه كل الثورات التي حدثت في السودان.. وكل من يحاول القفز فوق هذا الأتجاه والمرتبط بالتغيير ضمن ادواته السلمية والمفضية لترسيخ الديمقراطية، فأنه يقف امام حركة التاريخ.. وعليه أقول بأن فترة الانتقال لم تكن من غير اخطاء وان الشراكة مع العسكر لديها مخاطرها، لكن كل هذا يمكن تغييره لو تمسكنا بالتغيير السلمي والذي حتما سيقودنا للديمقراطية وعبرها يمكن ان نحدث التغيير الشامل ولكن ضمن مفهوم التغيير التدريجي المحكم وليس عبر التغيير الجذري المطروح شعارا دون ادوات تحقيقه…

لينين

خاتمة

ان الكتابة عن الحزب الشيوعي راهنا ومهما اختلفنا معه، فاننا وضمن الرؤية المستقبلية ننظر إليه كفاعل أساسي في عملية التغيير الاجتماعي والمرتبطة بقضايا المرأة والجندر، كما انه ينظر اليه وعبر رؤية موضوعية كلاعب اساسي ضمن آخرين في قضية الدين والسياسة وترسيخ مبدا العلمانية في الساحة السودانية.. كما انه وتاريخيا وعبر هذه المرحلة امتلك الحزب الشيوعي رؤية مستقرة فيما يتصل بالصراع العربي- الاسرائيلي من خلال رفضه لعملية التطبيع، لكن مع كل هذا فان هذه المرحلة التي يمر بها السودان تحتاج الى وعي يتأسس على قاعدة الحفاظ على تماسكه وابعاد العسكر عن السلطة وبالتالي ترسيخ الديمقراطية وهذا لا يرتبط الا بوحدة قوى الثورة وتفويتها فرصة الاختراق من قبل قوى الردة والعناصر المضادة للثورة، ونقطة الاختراق الوحيدة هي تشتت قوى الثورة والخروج عن خط التغيير السلمي، ولهذا نتطلع ان يراجع الحزب الشيوعي اطروحاته الاخيرة وان يخرج من دائرة العقل الوثوقي نحو دائرة العقل الخلاق الى يراجع ولا يتراجع عن الاهداف الكبيرة…

*منقول-الراكوبة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ولكن السؤال الأهم ..هل الهدف من الثورة -اي ثورة- هو التصالح مع ما ثارت عليه من واقع(تبرير ذلك بمقولة التدرج أعلاه) ام تغييره؟وهل التغيير سيتم بالعملية السياسية(كما السلف الكاتب)ام بالعملية الثورية؟واذا سيتم التغيير سياسيا لماذا تقوم الثورة اساسا؟..أعتقد أن اي تساهل وتماهي مع أي وضعية فيها مجرد ملامح من النظام القديم (وبالاخص علي مستوي السلطة السياسية)لن يؤدي إلي نتائج جيدة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى