تحقيقات

الثوار في خط النار .. معاناة وموت واختفاء

تزايد حالات الانتهاكات

محامو الطوارئ: ظاهرة تصوير الثوار غير قانونية وتسعى لاستهدافهم

الديمقراطي – لبنى عبدالله

عادة، عقب كل موكب تكون هنالك إصابات ووفيات واعتقالات، العديد من القصص والحكايات حكاها أشقاء وأولياء أمور الثوار الذين تقع في حقهم الانتهاكات المختلفة: إصابات بالرصاص، وضرب بالسياط للأطفال، وسرقة مقتنيات الثوار بواسطة النظاميين وتركهم حفاة عراة، كافة أساليب الإذلال والإرهاب استخدمتها السلطات للحد من حراك الشارع والثوار، لكنها لم تفلح، بل كانت تزيد إصرارهم على الخروج، وبعضهم مازال يرقد طريح العناية المكثفة لا يعي ما يدور حوله منذ الانقلاب المشؤوم..

(الديمقراطي) في المساحة التالية تعكس صوراً لتلك الانتهاكات.

إصابة بالرصاص:

مهند عيسى

مهند بابكر عيسى، (20) عاماً يسكن أمبدة الحارة التاسعة، طالب يدرس اللغة الصينية بمعهد تابع لجامعة الخرطوم، كان ينوي إجادتها بهدف الهجرة لمساعدة الأسرة. عمل في كشك قرب البيت لبيع الاحتياجات المكتبية من أجل توفير منصرفات الدراسة ومساعدة أسرته. تمت إصابته برصاصة في الرأس في موكب 17 نوفمبر عقب الانقلاب، في منطقة تقاطع التجاني الماحي مع القسم الأوسط أمدرمان، مما أدخله في غيبوبة وأفقدته الوعي. يقول شقيقه (موكا) في تصريح لـ (الديمقراطي)، إن شقيقه قاربت إصابته أن تدخل عامها الثاني، وهو يعاني وكذلك أسرته بسبب غلاء العلاج، مؤكداً أنه يحتاج يومياً لحقنة سيولة بمبلغ (10) آلاف جنيه، ويحتاج لعدد حقنتين، لكن -ونسبة للظروف المادية- استبدل الأطباء الحقنة بحبوب، وأصبح يحتاج لحقنة يومياً بدلاً عن اثنتين.

يضيف (موكا) أن منظمة “حاضرين” كانت تساهم في العلاج، لكنها ومنذ شهر توقف دعمها. وقال: “بالرغم من وجود 12 توصية من الأطباء المختصين بالسفر لعلاج مهند بالخارج، إلا أن الداعمين غضوا الطرف عن مهند، لجهة أنه لم يجد الاهتمام من قبل الإعلام والناشطين، وهو بين الحياة والموت”. وردد: “يبدو أن الاهتمام يكون لأصحاب التأثير الأكبر عبر الوسائط”. منتقداً اهتمام بعض المنظمات بأصحاب الإصابات الأقل خطورة، مثل الإصابات في العين والصدر وخلافها. وتابع: “هنالك ثوار بصحة جيدة يشاركون معنا في المواكب علمنا أنهم سافروا، بالرغم من أن حالتهم باردة … لكنها إرادة الله”.

رسالة أخيرة:

يقول (موكا): “أنا لا أتحدث عن شقيقي، ولكن بحكم تواجدي في الشارع ووسط اللجان، أرى ألا أحداً من أصحاب السلطة العسكرية أو المدنية يكترثون للشباب الذين ضحوا من أجل وضع إنساني واقتصادي في وطن يوفر الحد الأدنى من الخدمات، بل يهتمون بكراسي السلطة، وغاب عنهم الاهتمام بحياة وكرامة الإنسان، اتضح ذلك من خلال إهمال المصابين”. وأضاف بصوت حزين: “شقيقي يعاني من تقرحات في الظهر، لا يتكلم، لا يتحرك، أجريت له 12 عملية دون جدوى، وكل من يراه يتمنى له الراحة حتى إن كانت في الموت”. وانتقد الناشطون والإعلام لاهتمامهم بمجموعة معينة من الثوار يروّجون لهم، وقال: “حاضرين وعدتنا بأنه ستعمل على مساعدتنا للعلاج بالخارج لكنها وعود كذابة، فشقيقي طريح الفراش منذ عام”. وردد: “أنا شاهد على أنهم اهتموا بإصابات أقل خطورة، بالرغم من أن شقيقي أكثر حاجة.. أرجو ألا تقودوني للحد الذي يمكن أن يفضح ويضر عمل المنظمات”.

أسرة الثائر مهند عيسى: ابننا فاقد للوعي ونعاني من تكاليف العلاج

انتهاكات الأطفال:

تقول والدة الطفل مصطفى (14) عاماً، وحسن جودة (13) عاماً، إن ابنيها كانا من ضمن المشاركين في المواكب التي خرجت عقب الانقلاب، تم ضربهما بالسياط ضرباً مبرحاً في ظهورهما، وإهانتهما إهانات بالغة بوضعهم في الحراسة مع المجرمين، تسببت في أذيتهما نفسياً وجسدياً، مازالا يعانيان منها. ورغماً عن ذلك يشاركان في المواكب، وطالبت بضرورة تشكيل حكومة مدنية لمحاسبة كل من شارك في الانتهاكات.

ظل محامو الطوارئ خط الدفاع الأول عن الثوار، ولكنهم لم يسلموا من المضايقات بسبب دفاعهم عن الثورة والثوار.

الاعتقال قبل الموكب:

كشفت عضو محامي الطوارئ، إشراقة سلطان، أن الاعتقالات أصبحت ممنهجة وتتم قبل انطلاق المواكب، تتم من منازل الثوار، عبر مداهمات في أوقات متأخرة من الليل، أو الساعات الأولى من الصباح، (2) صباحاً، مما يعد ترويعاً للأسر قبل المواكب، وأيضاً أثناء المواكب، وهذه يتم فيها تجريد كامل لمقتنيات الثوار. ويتم خلع ملابسهم وتركهم عراة وحفاة مما تعد إهانة للكرامة الإنسانية، وضربهم ضرباً شديداً حتى تتمزق ملابسهم، ويتم حلق رؤوسهم بطريقة مهينة بغرض التشويه، وعندما نذهب للأقسام نجدهم جردوا من هواتفهم ومحافظ نقودهم قبل دخولهم للأقسام، كل المعتقلين في كل محليات الخرطوم يحدث معهم ذلك.

مثال حي:

تواصل عضو محامي الطوارئ، إشراقة سلطان، وتقول، إن الشهيد غيمة كان حافياً وملابسه ممزقة وهاتفه مفقود، وذكرت أن هذا العمل ممنهج بغرض إرهاب الثوار للحد من الحراك، وأن السلطات جربت معهم كل الأساليب القمعية بغرض تخويفهم، وقالت إن الاستهداف ممنهج ويكون للأصدقاء أيضاً.

شاهد على ذلك:

الشهيد محمد نوري، منطقة الفتيحاب، عقب استشهاده ونعي أصدقائه له عبر صفحاتهم، استشهد صديقه المقرب ورفيقه بالمواكب، فنعاهما صديقهما الثالث ليلحق بهما، وهكذا. ورددت سلطان: “كافة الذين تم استهدافهم بالعودة لصفحاتهم تجد شهيداً ينعي صديقه، وبعدها صديق ثالث ينعي ذات أصدقائه المشتركين، هذا الاستهداف كان مركزاً على منطقة أم درمان، إذ بلغ عدد الشهداء 116 شهيداً، والنسبة المقدرة من العدد الكلي لشهداء منطقة أمدرمان يقدر بنسبة 45%”.

أسر المعتقلين:

وذكرت إشراقة أن النظاميين في الأقسام يضللون أسر المعتقلين ويتعاملون معهم بتعنت، خاصة بالقسم الشمالي أمدرمان، يذكرون لهم أن أبناءهم غير موجودين في القسم، في الوقت الذي تجدهم داخل الحراسات. واستشهدت بالاعتقالات التي تمت بمستشفى (تقى) عقب اعتقال أحد المصابين ذكروا لهم أنه غير موجود بالقسم، في الوقت الذي كان موجوداً، وعند ما اكتشفت أسرته وجوده رمت باللوم على محامي الطوارئ بأنهم يعطونهم معلومات غير صحيحة. ورددت: “هذا الأمر مقصود حتى تخلق السلطات عدم ثقة بين الأسر ومحامي الطوارئ، وهذا نموذج حي للاستهدافات”.

تهديد المحامين:

وقالت إشراقة سلطان، إن المضايقات والتهديدات وصلت للمحامين، ومثلت لذلك بقولها: “الزميل صالح بشرى المحامي، هو الذي فتح البلاغ عن قتل واستهداف الشهيد غيمة، وكانت هنالك حاجة لأورنيك 8، أسرته وقتها لم تكن حاضرة. بلغ عن الحادثة، وتم استدعاؤه مرتين للتحقيق معه في الكمندانية، مع العلم أن البلاغ غير مدون في الكمندانية، ولا علاقة لها بالبلاغ، وليس هي جهة الاختصاص، وعندما نتساءل عن أسباب الاستدعاء يبررون ذلك بأن هنالك معلومات ناقصة وغير مكتملة يريدون إكمالها أثناء الاعتقال، وعندما نسأل عن الاستدعاء: هل هو اعتقال؟! يجيبنا النظاميون بقولهم: حاجة زي كدا”.

الضمان العادي:

تواصل إشراقة بقولها: “نعاني في تصديق الضمانات، الطبيعي عقب الضمانات العادية الخاصة ببلاغات الإزعاج العام والإخلال بالأمن والسلامة وإثارة الشغب تتم بالضمان العادي، يأتي ضامن من دائرة الاختصاص بإثبات الشخصية، يقوم بضمانة الثوار وينتهي الأمر. لكن هنالك ظاهرة جديدة في أقسام الشرطة، أصبحوا يلجؤون لفتح بلاغات ومواد جديدة كمثال المادة 182 الإتلاف الجنائي، والمادة 139 الأذى الجسيم”. ورددت: “في الإتلاف الجنائي، يتم تقدير الإتلاف والخراب، إذا حدث بعدها يتم تصديق الكفالة المالية نتفاجأ في محامي الطوارئ بمبالغ خرافية”. وأوضحت بقولها إن محلية أمدرمان كانت مطالبة بتعويض (10) مليار، تم تقديره بواسطة المحلية، وتقدموا بطعن في الكيفية التي تمت بها تقديرات التلف، والمفترض أن يتم تكوين لجنة محايدة لتقديرات التلف، ووفقاً لذلك يتم تقدير التعويضات المالية.

مثال:

بلاغ الثائر سيف الإسلام، إتلاف جنائي لعربة شرطة، أتوا بتقديرات مالية ورفضوا إطلاق سراح الثوار، وتم تحويلهم إلى المحكمة. في الجلسة الثالثة، تم شطب البلاغ لعدم وجود بينة، استمعت المحكمة، ولم تكن هنالك بينة واضحة، فتم إطلاق سراح الثوار، ولم توجه لهم تهمة. تواصل إشراقة أنه، وبموجب قانون الطوارئ، وعبر محاكمة صورية للثوار، تتم بموجب استمارة من والي الخرطوم، وهو رئيس اللجنة الأمنية بالولاية، عقب البحث عبر الأقسام، يتفاجؤون بأن الثوار موزعون على السجون المختلفة، الأمر الذي دعاهم لكتابة مذكرة خاطبوا عبرها رئيس القضاء، وذكر لهم في رده أنه لا علم له بوجود الثوار في السجون، وأنه لا يعلم شيئاً عن وجود معتقلين في السجون بدون محاكمات. وعلى ضوء ذلك قام رئيس القضاء بتشكيل لجنة، وتم إطلاق سراح الثوار، ومن السجون بالنيل الأبيض وبورتسودان. ساهم في إطلاق سراحهم الضغط الإعلامي والقانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى