الرأي

#التمكين

#جقور_الكباري

اسعد التاي
سياسة التمكين هي: (تمكين المنتمين لتنظيم الحركة الاسلامية من السيطرة على مفاصل البلد الادارية والاقتصادية والامنية)، والهدف من التمكين هو ضمان تنفيذ رؤية الحركة الاسلامية لإدارة الدولة بواسطة الموالين لها، وضمان منع غير الموالين من العمل ضدها.
 الولاء للحركة الاسلامية كان هو المعيار الاول للاختيار ان لم يكن الوحيد، اما معايير قياس هذا الولاء فتراوحت بين قديم الانتماء المعروف للحركة أو التزكية من احد القدامى، كما لعب المظهر دورا في تحديد الولاء وقياس حجمه، مثل اللحية (دعوني اعيش)، ارتياد المساجد (حمامة مسجد)، او المشاركة في القتال (اخونا المجاهد فلان)، ولم تكن معايير اخرى مثل القبلية والمناطقية وعلاقات الرحم والمصاهرة غيابا عن المشهد، (ومن هذه الابواب تحديدا تسلل اصحاب المصلحة).
 على مذبح التمكين تم نحر الكفاءة والمهنية والحرص على مصلحة الوطن، ولم يقتصر التمكين على الوظائف القيادية او الوسيطة في مؤسسات بعينها في البلد، بل طال كل شيء، كل شئ، لدرجة اننا كنا نحرص على ان يتولى اخواننا في الله امر لجنة الطعام بداخلية مدرسة الكاملين الثانوية، فما بالك باتحاد الطلاب والجمعيات الطلابية.
 المدخل الاوسع للفوز بمقاعد التمكين كان المشاركة في القتال في الجنوب (الجهاد)، فتم تمكين البروفيسور الذي يعتمر العصابة الحمراء من كرسي ادارة الجامعة لأنه سيستجيب لهتافات اخوانه في الله (يا بروف الجامعة اوف)، واصبح المجاهد فلان مديرا لمؤسسة السكر لأنه سيدفع المليارات لتجهيز المتحركات وتمويل الاستنفارات، واصبح المجاهد علان مديرا للمصرف الفلاني لأنه سيقوم بتيسير اخراج التمويلات والتحويلات و التسهيلات.
 لنركز هنا على وزارة الشئون الهندسية وعموم قطاع الانشاءات لنعرف دور التمكين في ما حدث وسيحدث من هجمات لجحافل الجقور على الكباري.
 يعتبر قطاع الانشاءات من اكبر الانشطة التجارية التي تدر اموالاً- خاصة عقودات المشروعات الحكومية-، لذا كان لزاما تمكين اصحاب الولاء ليكونوا على راس المؤسسات التي تطرح هذه المشاريع، ومن المؤكد ان التبرير هو ان الاخوان سيكونون امينين اكثر من غيرهم على اموال البلاد والعباد و سيديرونها بما يرضي الله، و لكن الهدف الحقيقي غير المعلن كان ضمان ذهاب هذه الاموال لجيب التنظيم، و جيب التنظيم لم يكن الا مجموعة جيوب افراد.
 كان نصيب وزارة الشئون الهندسية من الاخوان (المجاهدين) مجموعة من المهندسين اليافعين حديثي التخرج، تم تمهيد الطريق امامهم بإزالة كل من سبقهم من اصحاب الخبرة والتجربة، وفي مؤسسة تعتمد بصورة اساسية على المهنية والعلمية في اعمالها اصبح الولاء التنظيمي هو الأساس، وعلو الكعب في التنظيم هو المحدد للدرجة الوظيفية، فاصبح لقب (مولانا) بدلا عن لقب (الباشمهندس) من الاشياء المعتادة في ردهات الوزارة.
 زيادة على قلة التجربة وضعف التأهيل لعبت التقاطعات السياسية والتنظيمية دورا في رسم خط السير للممكنين لتأتي قراراتهم الادارية- بل والفنية- ملبية لرغبات التنظيم الذي تحول الى ساتر تتخفى من خلفه مافيا المصالح الذاتية وكارتيلات الجريمة المنظمة، فغابت ثقافة طرح العطاءات في الصحف، واصبحت الشفافية شيئا من الماضي، فلم يكن اسناد مشروع بمئات الملايين يحتاج لمستندات تأهيل اكثر من وريقة صغيرة من احد الشيوخ مكتوبا عليها:((الاخ الكريم فلان
بطرفكم اخونا في الله علان صاحب شركة …..
كريم عنايتكم)).
 ترافقت مع سياسة التمكين سياسة التحرير و ما صاحبها من خصخصة، فتم تمكين اخوانهم في الله (الصغار) من الشركات التي قامت على انقاض المؤسسات العامة التي تم خصخصتها، وبظهور البترول و تدفق مليارات الجنيهات كان المجاهدين الزاهدين قد تمكنوا وتفتحت اعينهم، وشهيتهم، وجيوبهم، فتمددوا داخل الشركات حملة اسهم ومؤسسين وشركاء، مع المحافظة على مواقعهم (التمكينية) داخل مؤسسات الدولة، فاصبح شغلهم الشاغل التنافس فيما بينهم على الفوز بالمشاريع، فلا توجد شركة صغيرة او كبيرة الا ولديها داعم من داخل مؤسسات الدولة يقوم (بتزبيط اللعب) من الداخل و(تسليك الامور)،والذي لم تسعفه مؤهلاته التمكينية (ليس له لحية ولا تجربة جهادية) انشغل بالتقاط فتات موائد القطط السمان بالجري خلف نثريات الاجتماعات الداخلية، علاوة على الرحلات الخارجية- بسبب او بدون سبب- على حساب المقاولين الاجانب والمحليين، حتى ان احدهم نال لقب (المهندس الطائرFlying Engineer)، فقد كان يحرص على حمل جوازه في جيبه الامامي بصورة ظاهرة في كل اجتماع، وما ان تسنح فرصة لاقتراح سفرة خارجية حتى يسارع بطرح جوازه على طاولة الاجتماع معلنا عن استعداده لتكبد مشاق السفر عاجلا من اجل حل الاشكال العويص الذي طرأ- والذي غالباً ما يكون هو المتسبب فيه.
 هذه البيئة المتعفنة كانت ملائمة جداً لتوالد (الجقور) في ثنايا المشروعات التنموية الوهمية التي حرصوا على وصمها بصفة (انجاز واعجاز) لإقناع القيادة السياسية بان تغدق عليهم بتوزيع نجوم الانجاز عند احتفالات الافتتاح، وما يصاحب ذلك من مكافئات و ترقيات.
 ولم تكن هذه البيئة صالحة لعيش القلة القليلة من اصحاب الكفاءة الذين حاولوا ان يقوموا بأداء ادوارهم بمهنية، ولكن المتمكنين كانوا لهم بالمرصاد، فنفدوا بجلدهم ايثاراً للسلامة، فخرج مهندس المرور حامل الماجستير من هولندا ليتم تمكين حامل دبلوم السنتين في الهندسة -مصحوبا بدورة تدريبية في المرور لمدة ثلاثة اشهر- ليبرطع بنظرياته في شوارع العاصمة تخطيطا وتنفيذا، وبالطبع كانت الشركات التي يساهم فيها من وراء حجاب حاضرة، بل وصل الامر لدرجة ان تم تمكين مراقب من ادارة قسم يضم عددا من المهندسين، هذا عدا عن تمكين حامل دبلوم من الجلوس على كرسي ادارة الادارة العامة للطرق والجسور ليكون تحت إمرته عدد من حملة الدكتوراه في الهندسة، ومؤهله فقط انه كان من المقربين للرجل الاول في الولاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى