الرأي

الأجهزة الأمنية بكسلا… تاريخ مخزٍ من انتهاكات حقوق الإنسان

عامر محمد صالح عثمان
أعادت حادثة المواطن إدريس أحمد همد الذي أصيب بالفشل الكلوي، عقب تعرضه للتعذيب من الأجهزة الأمنية بكسلا للأذهان سلسلةً طويلة من الممارسات السابقة المماثلة لهذه الأجهزة عبر سنوات من تاريخ المدينة.
تفاصيل القصة:
اعتقلت مباحث كسلا هذا المواطن في السوق الشعبي للمدينة بتهمة سرقة مسدس(رغم عدم وجود بلاغ رسمي مفتوح ضده) وقام أفرادها بنقله لمبانيها وتعذيبه تعذيباً وحشياً وتوجيه الإساءات اللفظية المهينة له، وتم الإفراج عنه بعد أيام من تعذيبه، وهو يتبول دما !
وقد ذكر المواطن بأنه تم ضربه إلى أن تورمت رجلاه، بجانب إصابات في الكلى والرأس، تم إثباتها في تقرير الطبيب بأورنيك ٨ وفتح بلاغ بذلك.
قصة مقتل الشاب جمال فقاريا .. ذكرى قديمة متجددة
قبل سنوات عديدة؛ كان جمال شاباً من شباب مدينة كسلا مشهوداً له بدماثة الخلق والتدين، وحين علم جمال بأن عددا من أفراد جهاز الأمن يمارسون بعض الأفعال اللاأخلاقية بأحد المنازل المجاورة لهم في الحي تتحدث معهم مقدماً لهم النصح، قاموا باعتقاله من منزله ليلاً وعذبوه حتى الموت ثم أنكروا معرفته.
لكن شهادة أحد المعتقلين المفرج عنهم أوضحت حقيقة ما حدث بعد ذلك، حيث ذكر الشاهد بأنه رأي جمال حين أتوا به إلى المعتقل وقد علق بحيث يتناوب اثنان من أفراد الأمن في تعذيبه..
وصعد والده القضية رغم تهديدات جهاز الأمن بكسلا له.. إلى أن أوصلها إلى النائب الأول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه حينها.. وتم تكوين لجنة تحقيق توصلت بعد لأي إلى إن جمال قتل في ظروف غامضة! ليس ذلك فحسب، بل إن جثته سلمت لذويه بشروط أهمها أن يتم تسليم الجثمان بصورة سرية.. وألا يتم تشييعه إلى مثواه إلاّ من قبل أفراد عائلته فقط.. ودون أي اضطرابات أمنية. نعتقد أن التعذيب الذي تعرض له المرحوم جمال تعذيب سببه خلفية عنصرية تتصل بمكونه الاثني ” بني عامر وحباب” للأسف تماما كما حدث هذه الأيام مع المواطن إدريس أحمد همد.
مقتل الأستاذ أحمد الخير
ولعل حادثة مقتل الأستاذ “الشهيد” أحمد خير هي أشهر فضائح الأجهزة الأمنية بكسلا .. ولاتحتاج مني كثير تفاصيل لبيانها، والتي تم الحكم فيها بإعدام ٢٩ عضوا بجهاز المخابرات اثنان منهم من خشم القربة والبقية من كسلا نفسها، إضافة للحكم بالحبس لعدد ١٣ متهما رغم أكاذيب مدير الشرطة ووالي كسلا وقتها في البداية بأنه الشهيد أحمد خير مات مسموما.. وافتضاح الأمر عقب تشريح الجثة بالقضارف.
الفتن القبلية في كسلا
عند اندلاع الفتن القبلية بكسلا عاشت المدينة حالة غير معهودة من السيولة الأمنية، وظلت تلك الأجهزة تشاهد ذلك دون أن تحرك ساكنا. بل وصل الأمر إلى أن تم اتهامها بالانحياز لأحد أطراف النزاع. وتزامن ذلك مع انتشار أخبار بفقدان الأسلحة والذخائر بمخازن شرطة كسلا وهروب واختفاء حارس المستودع، وتداول بيان في الوسائط (نسب إلى تجمع متقاعدي ضباط الشرطة) يدين ما يحدث بكسلا من إخفاقات أمنية.
ورغم تصريح مدير شرطة كسلا وقتها بأنهم كونوا لجنة للتحقيق في اختفاء الأسلحة ووعده بتوضيح الحقائق التي قد تسفر عنها إلآ إن مخرجات ذلك التحقيق لم ترى النور حتى الآن.
مجزرة ١٥ أكتوبر بكسلا
كانت مجزرة ١٥ أكتوبر بمدينة كسلا إحدى أبرز مؤشرات فشل الحكومة الانتقالي، بشقيها المدني والعسكري، في إحداث التغيير في سودان ما بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني؛ إذ استمرت عقلية الأجهزة الأمنية في انتهاج نفس ممارساتها السابقة؛ باستخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين المدنيين في ظل صمت رئيس مجلس وزراء حكومة الثورة على قتلهم وإصاباتهم بالذخيرة الحية، والتصريح غير المبرر لوزير إعلام الحكومة الانتقالية حول ممارسات الأجهزة الأمنية بكسلا التي قتلت شهداء مجزرة ١٥ أكتوبر، فقتلت من ثم الآمال العريضة في التغيير تماماً قبل أن تقتل وتصيب الضحايا بمدينة كسلا.
ماذا بعد؟
وجدت حادثة المواطن إدريس أحمد حظها من الانتشار والتعاطف، وتمت إدانتها من قبل المفوضية القومية لحقوق الإنسان، ومن تجمع محامي شرق السودان، وهيئة محامي دارفور، وعدد غير قليل من الأجسام السياسية والحقوقية والاجتماعية وهو أمر مبشر ومفرح بظهور عدالة ما ربما تظهر نتائجها خلال الشهور القادمة واصلاح الوضع السياسي في السودان. لكن الأمر الآن يحتاج تحويلا وترجمته الأقوال إلى أفعال تقي المواطنين من تكرار حدوث تلك المآسي لهم مستقبلا.
في تقديري؛ أن ما يجعل هذه الممارسات تتكرر باستمرار هو إن استنكارها ورفضها يأتي كرد فعل وتضامن لحظي عاطفي مع الضحايا دون وجود أفعال وخطوات أخرى من شأنها الحد من تلك الانتهاكات.
دون ووجود لضمير أخلاقي ووطني نزيه يرفض هذه الممارسات ابتداء، وليس حسب الموقف الشخصي من طرف المسؤول، ومن المجرم والضحية.
الأمر صعب للغاية بطبيعة الحال لكنه ممكن فالمستحيل هو ذلك الشئ الذي لم نستطيع تحقيقه.
قناعتي بأن هناك أدوار ومهام أخرى- بجانب التعاطف والتضامن- لابد للناشطين من إعلاميين وحقوقيين وغيرهم من القيام بها للحد من هذه الانتهاكات مستقبلا.
ويتصدر تلك المهام؛ العمل على توعية وتثقيف المواطنين البسطاء وتعريفهم بحقوقهم، وعدم صمتهم وتبليغهم عن أي ظلم أرتكب في حقهم وهذا ما يشكل حجر عثرة في مواجهة الظواهر المماثلة.
ويجب أن تلي ذلك مباشرة حملات التصعيد الإعلامي والرفض التام والتعرية لأفعال الجناة – لا شخص الجاني ..
ولا يكتمل أثر ما سبق بالتأكيد بدون شق حقوقي قانوني يكفل الملاحقة القانونية للجناة وإنصاف الضحايا..
وهي مهام وأدوار من شأنها أيضاً بث قدر من الخوف والتردد في نفوس الجناة قبل ارتكاب مثل هذه الجرائم- إن لم يكن التزاما بالقانون- فلتلافي ما يترتب عليها من عواقب ومشكلات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى