الرأي

استمرار عنف الأجهزة النظامية وقمع استرداد الحقوق

خالد عمر يوسف*
حدثان كبيران شغلا الرأي العام السوداني في الأيام الماضية، وأثارا تساؤلات موضوعية حول جدوى العملية السياسية الجارية الآن، وهما حادثة اغتيال الشهيد إبراهيم مجذوب على يد أحد ضباط الشرطة غدراً وجوراً، والأنباء المتزايدة عن ارتفاع حدة التوتر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
كلا الحدثين يجب ألا نتعامل معهما بتهاون وتساهل، فحادثة استشهاد الشاب إبراهيم مجذوب تأتي في سياق استمرار عنف الأجهزة النظامية ضد العزل، وقمع الأصوات المقاومة التي تنهض لاسترداد حقوقها، أمر لا يمكن السكوت عنه والتعايش معه. هذه الحوادث ليست حوادث فردية بل تعبر عن خلل عميق في المنظومة الأمنية والعدلية التي تتهاون عن أقدس واجباتها وهي حماية النفس البشرية وصون حرمتها. إن أي عملية سياسية لا تنجح في إيجاد معالجات عميقة وجادة لهذه الاختلالات الهيكلية لا يعول عليها ولا طائل منها.
القضية الثانية أيضاً قضية مفصلية تحدد بقاء الدولة السودانية من عدمه، وهي قضية الإصلاح الأمني والعسكري الذي يضمن الوصول لجيش واحد مهني وقومي لا يتدخل في السياسة ولا تدخل السياسة في أوساط قادته وجنوده. فالقضية الحالية ليست قضية خاصة بين طرفين، بل هي قضية موضوعية تهم كل شعب السودان وتحدد مصيره ومستقبله.

الضابط الذي أطلق النار على الشهيد إبراهيم مجذوب.. 28 فبراير 2023

في هذا السياق يثار تساؤل في وجه القوى التي تبنت العملية السياسية كأداة لإنهاء الوضعية الانقلابية الحالية ومعالجة ما تواجهه البلاد من أزمات مصيرية، السؤال هو: لماذا تستمرون في هذه العملية السياسية؟ نقول بملء الفم: إننا مستمرون في هذه العملية السياسية لمعالجة هذه القضايا تحديداً، وإن تزايد وتيرة الكوارث والأزمات الآن يمثل دافعاً إضافياً لأن نسرع فيها الخطى لا أن نتراجع عنها، وإن التراجع عنها الآن خدمة مجانية لن نقدمها لعناصر النظام البائد الذين يريدون استدامة الوضع الذي خلقه انقلاب ٢٥ أكتوبر وإعادة سيطرتهم على مفاصل الدولة ورقاب أهلها.
تضع العملية السياسية على عاتقها معالجة هذه القضايا بصورة شاملة وعميقة، فقضية تعدد الجيوش في السودان، وعنف الأجهزة الأمنية ضد العزل، قضايا مرتبطة ببعضها البعض، وقد وضع الاتفاق الإطاري أساساً صحيحاً لمعالجتها، فقد نص على مبدأ وحدة الجيش السوداني، ونأيه عن السياسة والنشاط الاقتصادي وإصلاح المنظومة الأمنية والعدلية، وخضوع المؤسسة العسكرية والأمنية للسلطة المدنية الشرعية.
هذه المبادئ نعمل الآن على تحويلها لاتفاق تفصيلي يبدأ بالجوانب السياسية منها، ومن ثم يدلف إلى القضايا الفنية التفصيلية، ويثور حوار عميق حول السبل الأمثل لذلك.
يثير عناصر النظام البائد هذه الأيام –باستمرار- قضية قوات الدعم السريع، ويحاولون الوقيعة بينها والقوات المسلحة، ودفع البلاد لحرب ضروس تفتت وحدتها وتماسكها، قيادة قوات الدعم السريع وقعت على الاتفاق الإطاري على مبدأ دمجها في القوات المسلحة ضمن حزمة شاملة من الإصلاحات في القطاع الأمني والعسكري، وكررت غير مرة التزامها بذلك.
عليه، فإن الطريق لإنهاء أي قضايا مرتبطة بتعدد الجيوش الآن يمر عبر الوصول لاتفاق سياسي نهائي يكمل ما تم التوافق عليه في الاتفاق الإطاري، وليس بدق طبول الحرب، أو التعامل بتبسيط مع قضايا معقدة تحتاج لحلول عميقة ومفصلة. جوهر الاتفاق الإطاري هو ارتباط قضية التحول الديمقراطي بقضايا الإصلاح الأمني والعسكري ووحدة الجيش ونأيه عن السياسة ومعالجة قضايا العدالة بصورة منصفة وشاملة.
ختاماً، أقول إننا ننظر للعملية السياسية كأداة من أدوات مقاومة الوضع الحالي وتغييره وتحقيق غايات الثورة الرئيسية، ولن يقودنا أي طريق إلى غير هذه المقاصد. كما أننا نتوقع ونعلم بأنه في هذا التوقيت تحديداً ومع اقتراب العملية السياسية من خواتيمها، ستتصاعد خطوات قوى الردة لتفجير الأوضاع، وتصدينا لهم سيكون بإسراع الخطى نحو الوصول لصيغة سياسية ودستورية تنشأ بموجبها سلطة مدنية كاملة تعبر عن قوى الثورة وغاياتها، وتنهي الوضع الحالي الذي تزهق فيه الأرواح ويتهاوى كيان الدولة، وتزداد فيه المعاناة الاقتصادية والأمنية يوماً بعد يوم.
*الناطق الرسمي باسم العملية السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى