الرأي

إنه ليس تصرفاً فردياً يا شرطتنا

في موكب 28 فبراير، قام ضابط شرطة بقتل الشاب الصغير إبراهيم مجذوب رمياً بالرصاص بشكل غير إنساني غريب هز ضمير الإنسانية، لكنه ليس غريباً على الشرطة، بل عادي.
الجريمة أثارت موجة غضب شديدة بين الشعب السوداني والعالم، أدانتها جهات دولية كثيرة وأصبحت موضوع الفضائيات، ووجدت مساحة عظيمة من النقاش والتحليل الذي يعتبر عاراً على الشرطة السودانية صاحبة السجل الحافل بالقتل والانتهاكات البشعة، كما قال المحللون.
الشرطة كالعادة خرجت ببيانين، في الأول حاولت أن تدافع عن نفسها وتبرر، فقالت إن المتظاهرين استخدموا العنف المفرط في مواجهة القوات العاملة في تأمين محلية شرق النيل بإطلاق الغاز المسيل للدموع والحجارة والملتوف الحارق والزجاج والنبال والدروع، مما أدى لحرق ثلاث من آليات الشرطة وإصابة عدد من عناصرها.
وكالعادة أيضاً امتلأت وسائل التواصل بالفيديوهات التي تؤكد عدم صحة تبريرها وتثبت انتهاكاتها الجسمية، ومن ضمنها فيديو مقتل إبراهيم الذي لم تجد طريقة لإنكاره، فأصدرت بياناً ثانياً قالت فيه إنه تم وضع منسوبها المتهم بإطلاق النار على الشاب في الإيقاف وتشكيل مجلس تحقيق في مواجهته.
لم تجد الشرطة ما تقوله غير أن ما قام به الضابط تصرف فردي، لكن الحقيقة والأدلة والبراهين تقول إنه ليس تصرفاً فردياً بل هو سلوك عادي جداً بين منسوبي الشرطة الذين يتعاملون مع المتظاهرين الشباب بحقد ويقتلونهم كأنهم لا يرونهم.
كيف يكون ما قام به هذا الضابط تصرف فردي وهناك إصابات كثيرة وحالة وفاة أخرى لطفل أصيب بذات طريقة الضرب المباشر؟ كما أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها منسوبو الشرطة العنف الشديد مع المتظاهرين. فحسب بيانات لجنة الأطباء، فإن الإصابات تكون دائماً في الرأس والصدر، ومنذ أن سقط البشر وحتى الآن هناك المئات من القتلى وآلاف المصابين الذين أصبحوا معاقين إعاقات دائمة.
هذا غير أن الشرطة شاركت الجيش والدعم السريع وكتائب الظل في فض الاعتصام الذي يشبه جرائم اليهود، مع فارق أن اليهود محتلون (وديل) يقتلون بني جلدتهم شباب وأطفال وطنهم .

الضابط الذي أطلق النار على الشهيد إبراهيم مجذوب.. 28 فبراير 2023

إنه ليس تصرفاً فردياً، بل هو عدم مهنية سافر ظلت تتعامل به الشرطة مع المظاهرات والمواكب السلمية منذ سقوط نظام البشير الفاسد، وقد سبق أن كتبت من قبل عن هذا الأمر كثيراً، آخره عمود تحت عنوان (مهنية الشرطة على المحك)، كشاهدة على تعاملها العنيف مع المتظاهرين في كثير من المواكب. ولكن قادة الشرطة مثل قادة الجيش، هم أبناء الحركة الإسلامية التي جعلت من الشرطة والجيش ملكاً خاصاً يدافع عن مصالحها وكوادرها، ولا يوجد أحد ينتهك القوانين والقيم والإنسانية بلا ضمير في هذه البلد مثل ما يفعل منسوبو الشرطة والجيش الذين سخروا ليحموا الظالمين على سدة الحكم .
ما قام به هذا الضابط ليس تصرفاً فردياً يا شرطتنا السودانية المننا وفينا للأسف، ولو حصرنا الانتهاكات التي ارتكبت منذ بداية الثورة وحتى الآن ونوعها وطريقة ارتكابها بأيادي منسوبيها فإنها تكفي لتكون عينة عشوائية لدراسة علمية تثبت أن الشرطة السودانية تتعامل بعدم مهنية مع المواطنين، وإن كثيراً من منسوبيها لا يصلحون للعمل في الشرطة ولا في أي مجال له صلة بالتعامل مع الناس، وهم أنفسهم يحتاجون إلى إعادة تأهيل نفسي لكي يستطيعوا العيش مع أنفسهم بشكل طبيعي ومع من حولهم بسلام .
طبعاً لن نطالب الحكومة بإعادة النظر في أمر الشرطة وإصلاحها، لأن الحكومة نفسها لها تتكون من مجموعات لها ماض طويل في سفك الدماء والقتل والنهب، فاقد الشيء لا يعطيه، والإصلاح لن يتحقق بوجود قادة الجيش والشرطة على رأس هذين الجهازين، فهم أبناء الحركة الإسلامية وتربيتها، وهي حركة تحترف العنف والكراهية وانتمى إليها اسوأ من أنجبهم السودان .
عموماً قتل إبراهيم إن حدث في دولة محترمة لا تحكمها جيوش وعصابات وفلول، لاستقال وزير الداخلية ومدير عام الشرطة على الأقل. وللمفارقة المنصبان يتقلدهما شخص واحد هو عنان الذي كرمه البرهان قبل أيام ومنحه نجمة الإنجاز، مع أن تاريخه خال من الإنجازات التي تستحق التكريم.
حسبنا الله عليهم جميعاً…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى