الرأي

إكرام المحتاج

جاكسون يوكي

مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. (متى 5: 42)

في حي الخرطوم (2) بالقرب من محطة الوقود التي كانت لشركة (شل) قديما وتحولت فيما بعد لشركة (أوليبيا) حيث مطعم البوادي للجداد المشوي يجلس على بعد مترين تقريبا من باب المطعم رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة يبدو في العقد الثالث من عمره دائم الابتسامة يجذب ويشد بها انتباه الناس يسلم ويسأل عن أحوال الزبائن الداخلين ونادرا ما يطلب صدقة على الأقل في الأوقات التي أراه عندما أعبر الشارع أو عند توقفي متى ما توافق مروري حيث يجلس. برغم هدف وجوده في ذلك المكان غالبا ليستعطي إلا أنه يعطي الكثير من خلال ابتسامته وتفقده لأحوال المارة، بصرف النظر عن أهداف نثره للتحايا والابتسامة الدائمة فلا أحد يرفض التحية أو يقابل الابتسامة بتكشيرة، صحيح أنه يريد شد انتباه الآخرين ليظهروا له المودة والحب من خلال العطاء، بطريقة قد تكون مزعجة للذين يشد انتباههم النتائج الأخلاقية عن الاتكالية وحياة الطفيلية الاجتماعية، إلا أن القاعدة الأخلاقية لـ(بيتر سنجر)، الفيلسوف النفعي، الذي يرى “أنه من غير الأخلاقي عدم مساعدة الفقراء والمعوزين إذا كان المرء يعيش بوفرة ولديه وسائل المساعدة” صحيح هذه القاعدة قد تضعك في صراع ضد الطبيعة البشرية المانعة للعطاء عندما ترى الفرد المحتاج كأحد الظواهر السلبية في المجتمع، فبالتالي قد يحسم الصراع الوازع الديني أو التأثير العاطفي لما تراه في الحالة كفرد وليست كظاهرة. ثمة خطورة أخرى تضر بإنسانية المرء إذا كان دافع العطاء هو الشفقة والعطف. قال أحدهم بما معناه: “”ما لا يدركه البعض في كثير من الأحيان، هو أن عملية تقديم المساعدة يمكن أن تنتهي عن غير قصد، بتسليط الضوء أو حتى توسيع عدم المساواة، في هذه الحالة تكون النتيجة لها عواقب بالضرورة تؤثر في سلوك المستفيد” أي قد لا يساعده على تنمية امكانياته ليتحرر من حالة ضعف المتلقي إلى وضع الإنتاج بشخصية مثمرة.

لذا على الذين يركزون على الجانب الأخلاقي المضر بالمجتمع عليهم أن يعملوا من أجل تقليل حالة الحرمان الناجم عن الفقر، لأن صديقي صاحب (الابتسامة) ذاك هو شخص قد لا يملك الوسائل للحصول على الدخل اللازم، فهو إذا قد يحتاج لمن يرشده فكريا أو ماديا إلى عمل يناسب وضعه، وهذا يعتبر كرما لتسديد احتياجه. قول السيد المسيح عن العطاء في متى (5: 42): “مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ” يركز على حل مشكلة الذي يطلب المساعدة أي تسديد احتياجه إن كان في حالة دين أو في حاجة إلى قرض مال وبما ان الوضع إنساني لا يحق لمن يساعد أن يطالب بفائدة أو (الربا)، فعندما تعطي لشخص محتاج، لا ينبغي توقع أن يتم السداد على ما قمت به من كرم، ويجب عليك بالتأكيد ألا تتخذ قواعد وخطوات لفرض السداد. أيضا المحتاج من لا يملك، ولا يستطيع الاستدانة، فعلينا أن نقترب من المحتاج على افتراض حسن نيته، بدلا من الشك في صدقه. إلا أن النص لا يشير إلى الطفيلي الاجتماعي برغم أن المجتمع في ذلك الوقت لا يخلو من نماذج المتسولين، فلا يجب تشجيع الكسل أو الحفاظ على الخمول، ودعم الرذائل، الكحول، المخدرات والإدمان. لذا وجب التمييز بين العاطل والمحتال ليس لتجنبه إنما إرشاده لاحتياجه الحقيقي. أخيرا قد ينبذ المرء المستعطي، أو ينظر إليه بالدونية في الوقت الذي يسعى هو الآخر إلى نشر سمعة كرمه مما يكشف عن احتياجه لتقديم صورة تشرفه أمام نفسه، باستغلال القيم الإنسانية كما فعل الملوك قديما من خلال الشعر إن كان حقا أو باطلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى