الرأي

إرباك مُخِل وحِراك مُضاد..!

في محاولة جديدة لإزاحة الستار عن ما يُريد أن يُفصح عنه الحزب الشيوعي من (مُستهدفات) عبر مواقفهُ الغريبة في هذه المرحلة الحرجة من (حياة) ثورة ديسمبر المجيدة، سنخوضُ مرةً أخرى في تحليل تلك المواقف، مُستصحبين معنا التاريخ المُشرِّف للحزب العجوز في ملاحم النضال ضد الشموليات. غير أن مواقف الحزب المُتعنِّتة والمُتطرِّفة تجاه محاولات قوى الثورة الحيَّة الداعية إلى توحيد جبهة التصَّدي للانقلاب، قد أصابت الكثيرين بالعجز في (فهم وتوصيف) هويتها وأسبابها وأهدافها. ففي كل محاولة للتفسير لا يبدو في واقع الأمر شيء سوى (خِضم من المحاولات الحثيثة لتأخير مسار توحيد قوى الثورة، وبالتالي إطالة عُمر الانقلاب، وربما المساهمة في بناء شمولية جديدة لا تعترف -من حيث المبدأ- بمُخطَّط الانتقال الديمقراطي)، هذا على المستوى النظري.

مناوي واردول

أما على المستوى (الواقعي)، فإن الانقلاب وعرَّابيه من عسكريين ومدنيين قد وجدوا ضالته، وما كانوا ليحلموا به من دعم (شيوعي) يعمل يومياً على تثبيت أقدامهم، يعني بالدراجي الفصيح (وقعت ليهم في جرح). فقد احتاطوا قبل الانقلاب لكسر حوائط عزلتهم عبر صناعة حواضن (خسيسة) مدفوعة الأجر ومعلومة المصالح، في مقدمتها: فلول الإنقاذ البائدة، وثانيها الحركات المسلحة المصادقة على سلام جوبا، وثالثها النفعيون الجُدد من أمثال مبارك أردول والتوم هجو ومبارك الفاضل، وغيرهم من القوى (الذيلية) المساندة للأنظمة الشمولية في أي زمان ومكان، أما (الداعم الرابع) الذي لم يكن في حُسبان الطُغاة الانقلابيين (ووقع ليهم هدية من السما) ومن حيث لا يدرون ولا يعلمون، هو الحزب الشيوعي ومواقفه من أهم وأقوى الكُتل السياسية المناهضة للانقلاب والداعمة لخط الثورة ومطالب الشارع الثوري.

من أكثر الأوصاف التراجيدية التي أعجبتني في باب (بوهيمية) مواقف الحزب الشيوعي وتوجُّهاته بعد خروجه بفضل ثورة ديسمبر المجيدة من دائرة العمل التنظيمي السري (تحت الأرض) إلى العمل السياسي المُعلن والمُباشر، ما أوردهُ الناشط الإسفيري عبد السلام كسلا في بعض وسائل التواصل الاجتماعي كمحاولة لإيجاد تفسير لما يُحدثهُ الشيوعي من إرباك مُخِل بفاعلية المقاومة وحِراك مُضاد لإنهاء الانقلاب. يقول عبد السلام: “لا يوجد كيان سياسي أثار البلبلة والشتات كما الحزب الشيوعي، على قدر ما كُنا نحفظ لهُ قدرهُ كونهُ الأنشط والأقدر على العمل في الظلام، إلا أنهُ فُجعنا حين استحق الأمر العمل تحت الأضواء. فالحزب أصبح خفاشاً لا يحيا إلا في الظلام، وأصبح يظن كل تحرك في الأضواء هو خيانة أو مشروع غدر. ولم يجد الحزب بأساً من مُنازلة رفاق الثورة والزنازين، رفض الجلوس معهم فى مكان واحد، فى حين لم ير عيباً في مشاركة اللصوص والانقلابيين والدواعش في الندوات والنقاشات التي تسعى لعرقلة ثورة الشعب. احترنا وتحيَّرنا، ولكن فهمنا أن هذا الحزب يُظهر خلاف ما يُبطن، وليس المنجل سوى سكين تطعنُ في خاصرة الثورة”.

ما قالهُ الأستاذ عبد السلام كسلا في السطور السابقة هو بعض ما يمكن أن (يحصدهُ) الحزب الشيوعي من (انطباعات) لدى الرأي العام والشارع الثوري. فالقواعد الجماهيرية الثورية تتجاوز الحدود (المرئية) و(المنظورة) بأعين الحزب العجوز، وهناك الملايين الذين اقتربوا من تجاوز حد (الضجر) ليصلوا حد (العداء) و(المناوءة) لكل العوائق التي تقف في طريق الثورة، وتحول دون استئناف مسيرة التحوُّل الديمقراطي حتى لو كان مصدرها حزبٌ عريق في النضال.

في الختام، أرجو من الآلة الإعلامية الشيوعية ألا تصف ما سبق بذلهُ من (نصائح) بأنه دعوة للتخاذُل و(الهبوط الناعم)، هذا المُصطلح الذي أصبح فزَّاعة للشيوعيين إذا لم تتطابق رؤاك مع رؤاهم حول إنهاء الأزمة، مثلهم مثل الانقلابي مبارك أردول وبعض قادة الحركات المُسلحة الذين باتوا يصفون -باستمرار- من يخالفونهم الرأي بـ (العُنصرية) ومُعاداة أصحاب البشرة السوداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى