الرأي

إخوان جبريل

لا تزال حركتا (جبريل) و(مناوي) تواصلا الضغط من أجل جعل الفلول – أعداء الانتقال – كجزء من المشهد الانتقالي، تعتمد على المساومة بتوقيعهما على الاتفاق النهائي في مقابل (إغراق) الانتقال بفلول النظام البائد عبر (كتلتهم الديمقراطية). وهي خطوة (مُتقدمة) – شيئاً ما – على الماضي القريب، حيث درج قادة الحركتين على التهديد بالعودة للحرب كملاذ وحيد للإجابة عن أسئلة الانتقال المشروعة، كلما لاح في الأفق واجب الانحناء لإرادة الشعب في ديسمبر المجيد القاضية بإسقاط نظام الحركة الإسلامية وتفكيك مؤسساته.
قد يجد المتأمل في هذا المشهد (المُلغز) العذر لـ (حركة العدل والمساواة) باعتبار قيادتها الإخوانية المعادية – بطبيعتها – للانتقال المدني الديمقراطي، لكنه لا يكاد يجد سبباً معقولاً لحرص (مناوي) الشديد على عودة فلول النظام السابق إلى المشهد من جديد عبر (كتلتهم الديمقراطية).
أما رئيس حركة العدل والمساواة، (جبريل إبراهيم)، فقد دعا في تصريحات صحافية له لـ (توافق وطني) من أجل تشكيل (حكومة تصل بالبلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة، يختار خلالها الشعب من يثق فيه لقيادة البلاد). وقال جبريل خلال مخاطبته الثلاثاء إفطاراً نظمته حركته، إن توقيعهم على الاتفاق النهائي سيكون لـ (الكتلة) بكل مكوناتها، لافتاً النظر إلى أن التفاوض على الاتفاق النهائي (يجب) أن يكون بصورة (متكافئة) بين (الكتلة الديمقراطية) و(قوى الحرية والتغيير).

جبريل-ومناوي

يثابر (جبريل) في محاولة إغراق الانتقال بأعدائه في دأب عجيب، يظن أن معركته الأولى والأخيرة مع تحالف (قوى الحرية والتغيير)، غافلاً حتى عن استحقاقات المواطنين الذين يتحدث باسمهم وأولوية قضاياهم. يتناسى واقع ثورة ديسمبر الماثل، وما أتاح من وعي، وما كشفت الثورة عنه من غيوب. جبريل يتغافل عما دفعه السودانيون خلال ثورتهم هذه ثمناً للكرامة والعدالة، ويحاول جاهداً إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حتى بعد أن أذن الأذان – كما قال هاشم صديق – وصلى السودانيون صبح الخلاص من ربقة نظام الإخوان الفاشي، كما قال شاعرهم، في ديسمبر المجيد.
ولسوء حظ جبريل، فهو يستعين في عداوته للثورة بعدو حفظه الشعب عن ظهر غُصة، بعد أن أذاقه الأمرين لثلاث عقود. وهم فلول الإخوان الذين أحالوا صباحات السودان المشرقة إلى ليال حالكة السواد في سجون الحركة الإسلامية، المُعلن منها والخفي. وحالكة السواد أيضاً خارج السجون، حينما أكل السودانيون الرغيف المُغمس بذُل الإخوان.
يظن (جبريل) أن النص على (تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين ومحاربة الفساد) في الوثيقة الدستورية الأولى، والنص عليه كذلك في (الاتفاق الإطاري) الذي يحكم العملية السياسية الجارية حالياً كان أمراً من قبيل الصدفة، أو شيئاً ثانوياً يستطيع (جبريل) أو غيره الوقوف في وجهه، سواءً عبر (حركته الإسلامية) أو تلك (المسلحة).
يتعامى جبريل عن واقع الثورة التي رفعت شعار إسقاط نظام الحركة الإسلامية وتفكيك مؤسساته، منذ اندلاعها في ديسمبر المجيد. فأرغمت (الجميع) على الاستماع، بمن فيهم (جبريل) نفسه، حينما رأى شعاراتها، وشهد اعتصامها عبر الشاشات، وكان أول قصيدته الإساءة للاعتصام في السر وحمده – تقية – في العلن. لكن شاء الله أن يفضح سره حينها، وعلم الناس ما كان يُضمر في نفسه من معاداة لمعتصمي القيادة العامة من الثوار.
خسر جبريل معركة محاولة (التلبيس) على كتلته الإخوانية بإضفاء اسم (الحرية والتغيير) عليها، فلم تعد تعرف اليوم سوى بـ (الكتلة الديمقراطية)، دون إضفاء عبارة (الحرية والتغيير) عليها. وفشل في محاولة إضفاء غطاء سياسي على انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، عبر اعتصام كتلته المشهود المعروف بـ (اعتصام الموز) والمدعوم من العسكر حينها. إذ سرعان ما انكشف أمره للقاصي والداني، وصار مما تتندر به الفضائيات.
فشل جبريل كذلك في محاولة شرعنة الانقلاب بعد حدوثه، ثم فشل في الإبقاء عى الوضع الانقلابي. واليوم يفشل في محاولة عرقلة (الاتفاق الإطاري)، فيتم التوقيع عليه في الخامس من ديسمبر الماضي، ويفشل كذلك في مساعيه لتعطيل العملية السياسية الحالي، وعرقلتها. فها هي تجري أمامه على قدم وساق، على الرغم من معارضته الدؤوبة لها، لأنها ببساطة إرادة الشعب السواني، مُفجر ثورة ديسمبر التي رفعت العدالة شعاراً، وسمت تفكيك تمكين (الحركة الإسلامية) واجباً لا بد منه.
يعرف جبريل جيداً أنه، وبعد أن فسدت محاولات ابتزازه للقوى المدنية بتهديدها بالعودة إلى الحرب، ولم يعد أحد يعبأ بها، أنه لم يتبق له سوى المساومة بإغراق الانتقال بالفلول، لعله لا يعلم شيئاً عن إرادة الشعب الغلابة التي يحاول اختبارها.
حفظ الله السودان وشعب السودان..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى