الرأي

إبليس (مُندَس) ..!!

في بدايات انتصار الثورة، وربما إلى يومنا هذا، انبرى عددٌ كبير من الكيزان (المُتنكرين في ثياب الثوار) ومعهم رتلُ من المستفيدين من غياب دولة المؤسسات والقانون والتنمية الوطنية المستدامة، في كثيرِ من المنابر الإعلامية وهُم يجأرون بالشكوى كون الوسط الثوري يتهَّمهم بأنهم (كيزان مُندسين)، لا لشيء سوى أنهم ينتقدون حكومة قوى الحرية والتغيير الانتقالية برئاسة حمدوك ويختلفون معها. رغم أن عُقلاء وحُكماء الثورة من الداعين بصدق إلى تحوُّل السودان إلى بلد ديمقراطي من أمثال الأستاذ/ الحاج ورَّاق، والأستاذ المرحوم/ علي محمود حسنين، قد حذروا قوى الثورة (الحقيقية) مِنْ مخاطر (النقد والاعتراض والاختلاف في الزمان الخاطئ والمُلابسات غير الملائمة). من باب أن كل طفلٍ وليد هو في الحقيقة رقيق الجسد وسريع السقم وكثيراً ما يُخطئ ويُصيب، وهو أيضاً قابل بشدة للتأذَي من مخاطر عديدة، إن لم يتلق من أوليائه والقائمين عليه حداً أدنى من الرعاية في أقل تقديراته (الحماية من القسوة التي لا تراعي محدودية تجاربه)، والتي يبتدرها الذين لا يراعون طفولته وقلة حيلته، وما يواجهه من تحديات ومصاعب، بإصرارهم على معاملته معاملة الرجل الرشيد، فيُسقطون عليه اللوم والانتقاد ويُطالبون بمحاسبته ومعاقبته على أخطائه المُثبتة وغير المُثبتة، بغض النظر عن ما إن أدى ذلك إلى هلاكه وفنائه.

إصرار أولئك المندسين على مُحاصرة الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك، والتي لم يكن يخفى على أحدى تقدَّمها المذهل في إرساء دولة المؤسسات والعدالة ودحر معالم التمكين، بكل ما توفَّر من أدوات الهدم والإعاقة ومحاولات الإفشال المتواصل، ما هو إلا محاولات مُستميتة تستهدف الدفاع عن مصالح ذاتية مُهدَّدة لن ينقذها سوى وأد ذلك الطفل الوليد الذي بدأ يكبر وينمو ويشتدُ ساعدهُ حتى هابوا أن يصبح شاباً فتياً عتياً لا يمكن تكبيلهُ وكبح جماحهُ وتركيعهُ والقضاء عليه بمجرَّد النقد الهدّام والمؤامرات المٌغرضة، إلى أن وصل بهم الأمر بعد أن جرَّبوا كل أشكال الامتعاض والانتقاد والمكائد إلى تأجيج وإشعال الفتن القبلية والمذهبية لتحقيق آمالهم المُخجلة. وما إغلاق طريق الشرق في أخريات أيام حكومة حمدوك سوى دليل لا يقبل الشك على أن الأمر تجاوز حدود المعارضة العادية والنقد الهدَّام والمطالب الجهوية إلى مُستنقع ضحل وآسن يستهدف إخماد الثورة وتكبيل إرادة الشعب الحُرة، أولئك الذين كانوا يشتكون أنهم غير قادرين على انتقاد الحكومة الانتقالية ولا تصحيح مسارها حينما تحيد عن شعارات ومطالب الثورة، ويستنكرون اتهامهم بالكوزنة، عليهم أن يحمدوا الله على أن ما تم وصفهم به وقف عند حد مصطلح (كوز مندس)، فهم لعمري إن صح أنهم ليسوا كيزان يستحقون بلا جدال لقب (إبليس مُندس).

لقد كانوا يعلمون حينها أن كل التجربة الانتقالية بحكومتها وكافة هياكلها وترتيباتها وأدواتها الرسمية والشعبية، تُمثِّل طفلاً وليداً لكنه ينمو بحيوية وعُنفوانٍ وقوة وعزيمة لا تُخطئها عين، فخافوا أن يشُب الطفل عن الطوق فأعملوا فيه أدوات الهدم بكل ما أوتوا من قوة وجبروت ومؤامرات خبيثة. وعندما استمر صمود الحكومة الانتقالية عبر استمساكها بالصبر والحكمة التي كانت تفرضها متطلبات المصلحة الوطنية، وفي مُقدمتها حقن الدماء وتفويت الفرصة على الفلول للعودة من جديد، لم يجدوا بُداً غير أن يصنعوا انقلابهم المهزوم هذا، معتقدين أنهم سيحسمون به الأمر لصالح الطُغيان والباطل، متناسين أن سُنة الله في الكون لا تحيد أبداً في النهايات عن إشراق شمس الحق والحقيقة، وإن غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى