حوارات

أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة لونغ آيلاند بنيويورك د. بكري الجاك لـ (الديمقراطي):

المواجهة بين قادة الانقلاب ستقود إلى حرب مجتمعية

الاستقرار الأمني والتحسن الاقتصادي مفاتيح التأييد الشعبي

حوار – القسم السياسي
دخلت العملية السياسية مراحلها النهائية، مما أدى إلى كثير من التعقيدات في المشهد السياسي السوداني، فأصبحت هنالك العديد من التساؤلات حولها.. في المساحة التالية “الديمقراطي” تسلط الضوء على مستقبلها من خلال هذا الحوار الذي أجراه القسم السياسي بالصحيفة مع الدكتور بكري الجاك المدني، أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة “لونغ آيلاند” بالولايات المتحدة الأمريكية.. إليكم تفاصيله.
*ما هي المكاسب التي يمكن أن تحققها العملية السياسية للأطراف الموقعة من المدنيين حالياً؟
هنالك مستويان من المكاسب يمكن أن تحققهما العملية السياسية الجارية بالنسبة للأطراف المدنية، المستوى الأول مثالي إذا استطاع المدنيون إخراج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية عبر تأسيسهم لنظام سياسي ناجح يستطيع إدارة الدولة والاقتصاد، إلى جانب وضع لبنات تأسيسية لدستور دائم يجعل العملية واضحة للوصول إلى مرحلة الانتخابات، مما يساعد على إخراج البلاد من حالة توازن الضعف، ويحدث تغييراً في “الميكانزم والديناميك” لدى القوى السياسية في معسكري الانقلاب والقوى المدنية يؤدي إلى فتح الأفق للعملية سياسية. أما المستوى الثاني فهو أن العملية يمكن أن تكون مجرد “شكة” تقود البلاد إلى مربع الشمولية والتسلط، إذا ظل كل شيء في وضعية الركود وعدم القدرة على إحداث تأثير.
*ما هي فرص المواجهة العسكرية بين البرهان وحميدتي؟
البرهان عبارة عن واجهة لتيار الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، المواجهة ليست بينه وبين حميدتي بقدر ما هي صراع قائم بين الإسلاميين الذين يعتقدون أن حميدتي خذلهم في الدفاع عن نظامهم، وبين الإسلاميين في جوهر البرهان الذي أصبح ضلعاً أساسياً في المعادلة، معتقداً أنه إذا لعب على مستوى التناقضات بشكل جيد قد يعطي تطمينات للإسلاميين على أنه مستعد بالذهاب معهم في أي خطوة، لهذا يعمل على مغازلة الجميع من أجل كسب الوقت، خصوصاً أن لديه طموح في الحكم والسلطة، وأن معادلات توازن الضعف بالنسبة له قد تتخلل القدرة على المبادرة، فبات أكثر شخص يخسر في العملية السياسية لبعده عن فكرة أنه يمثلُ مَن. المواجهة بين قادة الانقلاب يمكن أن تحدث، ولكن من المؤسف أن مَن يتحدثون عن الدعم السريع لا يريدون فهمه لأنه تجاوز مفهوم المليشيا التقليدية، وإذا حدثت المواجهة فمن المخيف أن تنطلق في إطار الطموحات السياسية والسلطوية، ومن ثم قد تتحول إلى حرب أهلية. كما أنه ليست هنالك ضمانات بأن الجيش سوف يحارب في خندق واحد، لأن تسيس القبيلة وقبلنة السياسة أصبح جزءاً من الواقع السياسي في البلاد، لذلك المواجهة ليست بين الجنرالين بقدر ما هي مواجهة مجتمعية كاملة تعيد البلاد إلى القرن السابع الميلادي.

ملف السلام يتطلب حواراً جاداً لتحقيقه

*كيف ترى مستقبل حزبي البعث والشيوعي، من العملية السياسية عقب الفراغ منها؟
معارضة حزبي “البعث والشيوعي” للعملية السياسية أمر طبيعي، لأن أفضل تأثير بالنسبة لهما يمكن أن يفعلاه في هذا التوقيت هو موقف المعارضة، ويحتمل أن يوظف الحزبان المواقف المتعددة المتناقضة في وسط الشارع تجاه فكرة عدم إكمال أهداف الثورة، لذلك لا أعتقد أن الحزبين لديهما القدرة على إحداث تأثير في السلطة مستقبلاً، وحتى إذا جاءت عملية انتخابات فلن يكون لديهما تأثير في أي حكم سياسي في البلاد. هذا الموقف قد يكون استراتيجياً بالنسبة لهما لأنهما ينظران إلى أن هذا هو الوقت الجيد للتأثير عبر الخطاب السياسي بمساراته المختلفة، حتى إذا قامت سلطة وعارضاها، هذا لا يتوقف على معارضتهما أو نجاحهما في ذلك. موقف الحزبين سيتحدد إذا أنتج الاتفاق النهائي شكلاً من أشكال السلطة التي لديها قدرة على التحرك وإحداث تغيير فيما يتعلق بحياة الناس، من خلال الاستقرار الأمني وفك الاحتقان، إلى جانب فتح أفق للبلاد للانخراط في عملية إصلاح، وإذا حدث ذلك، فالغالبية العظمى من الشعب سوف تقف إلى جانب هذا المشروع.

*كيف تنظر إلى مستقبل اتفاق جوبا لسلام السودان عقب نهاية العملية السياسية؟
العملية التفاوضية التي أنتجت اتفاق جوبا لسلام السودان لم تتم بشفافية ومصداقية، بل تم اختراق الوثيقة الدستورية. كان من المفترض أن يكون رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية على رأس وفد التفاوض وهذا لم يحدث، بل تمت مصادرة العملية عن طريق حميدتي وبعض المدنيين. الموقف السياسي الصحيح الذي يفترض أن يقال، إن هنالك قضايا عادلة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ولكن السؤال: هل الذين وقعوا على الاتفاق نيابة عن جماهير تلك المناطق يتحدثون عن تلك القضايا؟ أما بالنسبة لموقفي جبريل ومناوي، فأنا لست معنياً بشخصيهما لأنهما أفراد، لكنني معني بالقبائل والمجموعات التي يتحدثون نيابة عنها. وليس من المفترض أن يختلف الناس مع هذين الشخصين لأنهما انتهازيان، ويعتقدون أن قضايا أهل دارفور ليست عادلة أو ليست حقيقية. في دارفور مازال الناس يعانون، ومنهم مازال موجوداً في معسكرات النزوح، عندما تتم مهاجمة القضايا في شخصي “جبريل ومناوي”، سيعتقد أهلنا في دارفور أنه تتم مهاجمتهم بأنهم ليس لديهم حق مشروع في الحياة الكريمة والفرص في مواطنة متساوية، لذلك التغيير المنطقي المطلوب أن يتم حوار جاد حول كيفية تحقيق السلام حتى إذا تطلب الأمر التفاوض على بعض الملفات الأساسية المتعلقة بالاتفاق.

موقف البعث والشيوعي طبيعي

*كيف ترى مستقبل لجان المقاومة عقب إنهاء الانقلاب وبعد نجاح العملية السياسية؟
لجان المقاومة قبل العملية السياسية لم يكن لديها موقف واحد، لذلك ركزت الحرية والتغيير الآن على العمل في الأقاليم، لاعتقادها أن لديها قدرة على التأثير هنالك، وأن طبيعة اللجان في الأقاليم عبارة عن أحزاب سياسية بحسب ما توصلت إليه في ورقتي الأكاديمية. أما عن لجان المقاومة في الخرطوم، فيوجد بها تأثير حزبي لأن الغالبية منهم سياسيون وعندهم رأي ولكن ليسوا حزبيين. وعندما يكون الحديث عن لجان المقاومة ليس المقصود الحديث عن جسم موحد، وهي واحدة من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس. القاسم المشترك بين اللجان هو أنهم عارضوا النظام وقاوموه، وليس هنالك شيء يجمعهم سوى المحاولات الكثيرة التي أوصلت الناس إلى توافقات حول مواثيق أنتجت خلافات أكثر. هنالك جزء كبير من لجان المقاومة سيواصل في رفضه للعملية السياسية، وهنالك جزء آخر ينخرط في العملية السياسية، يتحقق هذا إذا استطاعت الحكومة القادمة أن تنجز شيئاً متعلقاً بإعطاء مؤشرات أنها في الاتجاه الصحيح لتحقيق بعض أهداف الثورة، يحتاج إلى قيادة سياسية لديها القدرة على الخروج والحديث عن أن القضايا ليس عليها خلاف، ويجب أن يكون هناك حوار جاد حول كيفية تحقيقها ولو بعد “100” عام وليس الصمت.

جانب من مواكب الثورة السودانية

*ما هي خيارات عناصر النظام المعزول تجاه عرقلة العملية السياسية؟
فلول النظام المحلول تتمثل خياراتهم في ألا يتحسن الوضع في البلاد لأنه فشل في استعادة الحكم، لذلك يبحث عن وضعية إحداث فوضى تمكنه من المواصلة في نشاطه حتى يعطيهم ذلك الفرصة في السيطرة على الدولة بالشكل الأخطبوطي تبع المؤسسات العسكرية لإفشال العملية السياسية.
*ما هي فرص نجاح العملية السياسية وما يمكن أن تحققه لبناء دولة مدنية ديمقراطية؟
هنالك عدد من العوامل التي تحدد مدى فرص نجاح أو فشل العملية السياسية، منها، إلى أي مدى المجتمع الدولي لديه الاستعداد لممارسة الضغط الدبلوماسي على بعض الدول المؤثرة في الإقليم التي تدعم بشكل مباشر تحريك بعض المجموعات لإعاقة العملية السياسية، وإذا تم تحييد بعض التدخلات الإقليمية في العملية السياسية، وأصبح الفاعلون السياسيون في السودان يحتكمون لقواعد اللعبة الداخلية المتعلقة بتطلعات الشعب، سيكون هنالك مشروع دولة حديثة من وجدان وتطلعات الغالبية العظمى من السودانيين، ولن يكون هنالك اهتمام دولي بما يحدث. ولا نتحدث عن نجاح العملية السياسية بفرص نسبية، ولكن إذا تم استخدام منطق الاقتصاد السياسي من خلال معرفة مدى سيطرة المؤسسات العسكرية على المال والاقتصاد والحياة العامة، ليس هنالك فرصة لنجاح العملية، لأن أي حكومة مقبلة لديها قدرة على أن تستخدم ما يسمى بالسياسة المالية أو المادية، ولكن يمكن للاقتصاد السياسي أن يتغير إذا أصبحت هنالك إرادة دولية مع توظيف الجبهة الداخلية على أن تعمل بالضغط، وهذه كله يتوقف على ماذا سيحدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى