حوارات

بروفيسور منتصر الطيب لـ(الديمقراطي):

مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم.. أسبابها ومغزاها!

(الحلقة الشريرة) ليست من الخيارات المطروحة

في حال فشل الانتقال السلمي ربما يتفتت السودان إلى دويلات

هذه أهم المعوقات لعملية التحول الديمقراطي

الدول التي تعاني من الاستقرار فشلت فيها النخب بالتوصل لمشروع وطني

لهذه الأسباب عمر الديمقراطية يكون قصيراً.. ولكن!

حاورته- ماجدة عدلان

*هل نحلم بعد مضي عقود من الأزمان بأن يصبح التداول السلمي للسلطة، منارة سياسية توضح مدى استيعابنا لدورة التاريخ ومآلات التحول الديمقراطي، الذي ظل حلماً عصياً على التحقق ربما لأن الحلقة الشريرة كانت هي الغالبة، فدوماً ما كان يقفز العسكر في ظروف مشابهة ومواتية!

السؤال الذي يفرض نفسه متى يكون التحول الديمقراطي ممكناً وقادراً على المشي بساقيه وسط أحلامنا التي وئدت بفضل الفشل السياسي الذريع في إيجاد صيغ للمشروع الوطني الجامع الذي يوحد بلا شك رؤية السودانيين نحو مستقبل واعد، ولعل مبادرة جامعة الخرطوم بما جاءت به من تدابير محكمة وصيغ سياسية؛ لعلها قطرات تساعد في الوصول إلى ذلك الحلم.. التحول الديمقراطي المنشود.

*د. منتصر الطيب.. رئيس مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، نريدك أن تلقي لنا بؤرة ضوء حول هذه المبادرة وما هي أسبابها وما هو المغزى من ورائها؟

نعم هذه المبادرة نشأت مع نشوء الثورة في ديسمبر بجهود من شباب وأساتذة مجمع الوسط ثم من بعد ذلك التحق بها أساتذة من الكهول والرعيل الذي عاصر انتفاضة مارس – أبريل الذين سكبوا عصارة خبرتهم في مقترح الانتقال السلمي للسلطة الذي تقدمت به المبادرة في يناير.

*د.الطيب برأيك ما هي أهم التحديات التي تواجه الانتقال نحو التحول الديمقراطي؟

السودان متعدد الثقافات والتوجهات السياسية وهو زاخر بالتعدد الإثني والثقافي لذلك لابد من اتباع الإرادة السودانية حول رؤية محددة للانتقال ما بين التجارب السابقة، ربما نواجه بعض  الصعوبات لأن فترات الانتقال عادة ما تكون فترة قصيرة انتقالية (سنة أو أقل) وقد ثبت أن هذه الفترات القصيرة لا تكفي لتأسيس ديمقراطية راسخة ونظام سياسي مستقر.

*إذا افترضنا أن الحلقة الجهنمية (عسكرية، انقلاب، فترة انتقالية) هي الغالبة، فكيف الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر؟

القصة الأساسية أنه في أعقاب نظم شمولية قابضة ذات مركز واحد للسلطة تأتي الفترة الانتقالية بواقع جديد بتعدد الفاعلين السياسيين وبتباين الرؤى بين المكونات المختلفة حول مآلات الانتقال.

أما سؤالك عن الحلقة الجهنمية فهي ليست إحدى الخيارات المطروحة لما أصاب جهاز الدولة السودانية من تصدع بما في ذلك القوات المسلحة، ففي الماضي كان الجيش في حالة استيلائه على السلطة يقوم بتوظيف موارد ضخمة تملكها الدولة السودانية، وفي الواقع أن ديكتاتورية نميري كان تمثل حكماً فردياً، أدار به نميري الدولة السودانية المتماسكة حتى ذلك الزمن، الإنقاذ خلال ثلاثة عقود بذلت كل ما في وسعها لإضعاف وتدمير الدولة السودانية ومقدراتها وهو أحد أسباب الصعوبات التي تواجهها الحكومة الانتقالية الآن، ما أود أن أقوله أن الحلقة الشريرة (انقلاب – ديمقراطية)، ربما لا تكون هي الخيار المتاح.. في حالة فشل الانتقال ربما تفتت السودان إلى دويلات!

*إذن متى يكون التحول الديمقراطي، وكيف يمكن أن نجعل هذا التحول ثابتاً؟

قدمت مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم مقترحها للانتقال السلمي الذي يقوم على المرتكزات الآتية:

– ثلاثة مستويات للسلطة يتم تمثيل الأقاليم الستة بالإضافة إلى المنطقتين في مجلس السيادة، كما يتم تمثيل الجيش بقيام سلطة تشريعية أسميناها المنبر الدستوري لأن صلاحياته هي الإعداد للإنتخابات والدستور من خلال مفوضيات، بالإضافة إلى قيام سلطة تنفيذية من حكومة كفاءات متفق عليها تقوم بتنفيذ برنامج إعلان الحرية والتغيير.

*إذن لماذا حكومة كفاءات؟

إن وعي السياسيين السودانيين في جوهره نتاج تاريخها السياسي، لكن السياسة واختلافات السياسيين يمكن أيضاً أن تكون اللعنة التي تحول دون وجود ديمقراطية ذات أساس ثابت ومتوافق عليه لذلك أخذنا في الاعتبار التجارب المريرة لفترات الانتقال السابقة وكان التصور أن تبتعد القوى السياسية بكافة أشكالها وألوانها عن ممارسة السلطة خلال الانتقال وأن ينصب جهدها في عمليات الإصلاح السياسي المؤسسي لأحزابها إلى قيام الانتخابات.

*برأيك ما هي أهم المعوقات التي تقف في وجه التحول الديمقراطي! شكله السياسي وبشكل متوافق عليه؟

من أهم المعوقات الأساسية هي غياب الإرادة السياسية الموحدة للسودانيين حيث نرى عدم القدرة على تكوين المجلس التشريعي وغيرها من مؤسسات السلطة الانتقالية، بالإضافة إلى تغليب الاختلافات الثانوية على القضايا الرئيسة التي توحد الناس الأمر الذي ينعكس على الأداء الاقتصادي للدولة التي هي أصلاً دولة قد نخرها سوس الفساد وأصابها الإفلاس نتاج النصب المنظم من خلال نظام الإنقاذ.

*إذن متى يكون الانتقال الديمقراطي متوافقاً عليه؟ ومتى يكون مغضوباً عليه؟ ومتى يكون مستحيلاً؟

الانتقال الديمقراطي يكون مستحيلاً في غياب المشروع الوطني الذي يوحد السودانيين، الذي عجزنا أن نأتي به منذ الاستقلال ويكون ممكناً بالاتفاق على هذا المشروع وهو بالأساس مشروع تأسيس الدولة الوطنية السودانية التي تسع الجميع.

إذن هل هنالك تجارب سياسية لدول تشابه ظروف السودان السياسية في أفريقيا، مثلا دول عانت من الحكم العسكري طويلاً وتعشق الديمقراطية وتحكم بها؟

السودان لا يشبه أي دولة في العالم، ولا حتى في أفريقيا، لأن السودان هو اجتراح لنموذج سوداني يراعي الخصوصية والتفرد لهذا الكيان القديم بثقافاته وبشعوبه وتجربته السياسية المتفردة أيضاً سلبياتها وايجابياتها لأن هنالك دول مثل  البرازيل، البرتغال، وغيرها مرت بها تحولات ديمقراطية ناجحة لكن هنالك القليل من الأمور المشتركة بين السودان وبين هذه الدول.

أضف إلى ذلك أن المشروع الوطني المزمع قيامه لابد أن يتجاوز الأجسام الإضافية والوظيفية في قضية (العسكر والمدنيين) وتستغلها بعض القوى السياسية للقفز للسلطة باستغلال الجيش الذي انتابه التوتر من غياب الإرادة السياسية والتوافق الوطني، فقد قامت الجبهة الإسلامية في الديمقراطية السابقة باستغلال ذلك بوجود الحرب في الجنوب للقيام بانقلابها الذي هو في الواقع حكم لحزب سياسي معين باسم القوات المسلحة خلال السنتين الأوائل من الانقلاب ومن بعدها أصبح الجيش أول ضحايا ذلك النظام بتصفية خيرة الضباط ثم تمت تصفية الخدمة المدنية،  أضف إلى ذلك أن المشروع الوطني السوداني تلعب فيه القوات النظامية دورها المنشود في حماية وحدة السودان.

*إذن متى يقفز العسكر لاستلام السلطة وما هي المبررات الكافية لذلك؟ وما هي محاسن الديمقراطية وما هي مساوئها؟

نعم الديمقراطية في تنزانيا والهند وغيرها ديمقراطية راسخة لكن الدول التي تعاني من عدم استقرار منظومتها السياسية هي الدول التي فشلت النخب فيها في التوصل إلى مشروع وطني يجمع شتات تلك الدول ويضمن استقرارها.

* السؤال قائم.. ما هي المسوغات التي تؤدي لاستلام العسكر للسلطة.. ولماذا؟

في السودان الحكم العسكري الوحيد الذي أعلمه هو حكم المجلس العسكري لعبود لأن نظام نميري كان يمثل حكم الفرد وقد تداولت السلطة فيه مجموعات مختلفة تحالفت مع نميري لزمن بسيط أو طويل، أما الإنقاذ فهي حكم الحركة الإسلامية منذ اليوم الأول وأعتقد أن كثيرين قد تابعوا حلقات العربية (المميزة)، فالسؤال ليس هو حكم  عسكري أم مدني لأنه يمكن أن يكون هنالك نظام مدني شمولي يعتمد على سلطة المخابرات وبطشها كما في دول عدة وما يحدث الآن هي مجرد (التفافية) استعملها أهل الإنقاذ خلال الديمقراطية الثالثة ويودون استعمالها الآن.

*يقول المراقب السياسي أن السودان له موارد ضخمة جداً.. وإمكانيات لا حدود لها لكنه لا يستطيع أن يدير البلاد ويوجهها نحو مرافئ الاستقرار السياسي المنشود؟

نعم لقد استطعنا أن ندير السودان بنجاح حتى السبعينيات وقد أدرناها بنجاح بخدمة مدنية ممتازة واقتصاد متماسك ومشاريع ناجحة حينها مثل السكة حديد، ومشروع الجزيرة، المشكلة بدأت في التسعينيات بالخضوع لبرامج اقتصادية مفروضة وفشل السودانيون في إدارة خلافاتهم وهو كما ذكرنا فشل ناتج عن غياب المشروع الوطني وليس كما قال الشاعر: (ليس المطالب بالتمني) وأستطيع أن أقول إن الحلقة الغائبة في الديمقراطية السودانية هي الحكم المحلي، لأنه في أي ديمقراطية في العالم لابد  أن يمارس المواطنون سلطات مباشرة في أمر معاشهم.

*ربما يلاحظ أن السودانيين أداروا – كما قلت – البلاد بنجاح حتى السبعينيات، لكنهم فشلوا في الحفاظ على حكومات قومية ووطنية ومدنية؟

نعم.. للأسف كانت الديمقراطيات في السودان تهرع إلى عقد انتخابات البرلمان، وتتجاهل انتخابات المحليات، حيث المشاكل اليومية للمواطنين وحولتها إلى إدارات للجباية بدلاً  أن تكون وسيلة تحويل الإيرادات إلى خدمات تعليمية وصحية وطرق، حيث تمارس الديمقراطية المباشرة فلا مجال للأحلام، بل للعمل وتحمل المسؤولية، كان ذلك أحد النقاط الأساسية التي طرحها مقترح الانتقال السلمي للسلطة- جاءت مبادرة الأساتذة بجامعة الخرطوم في يناير 2019 لكنها لم تجد آذاناً صاغية لا من القوى السياسية ولا من السلطة الانتقالية، أضف إلى ذلك أن الحكم المحلي يحل عقدة النزاع المؤدي للحرب، لأن النزاع حول عدالة توزيع الموارد فإذا قامت سلطات محلية ديمقراطية لها تحكم في نسبها المخصصة في الأقاليم والقرى والنجوع، فلن يحتاج أحد للحكومة المركزية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى