ثقافة ومنوعات

الشاعر الإنسان المبدع صلاح حاج سعيد

ذكريات باقية

كتب – عثمان فارس  

في ذلك اليوم المهيب، يوم الوفاء للراحل المقيم الأستاذ مصطفى سيد أحمد بالحصاحيصا، ذلك المهرجان التاريخي الذي شارك فيه كل مبدعي السودان القديم، وحضره جمهور من كل بقاع الوطن، من حلفا إلى نومولي، ومن قرورة إلى الجنينة.

أعداد الضيوف ضاقت بها كل بيوت المدينة، رغم براحها وكرم وأريحية أهلها، ومن لم تسعهم المنازل، قضوا ليلة الوفاء في نجيل دار الرياضة.

منذ الصباح الباكر، وتوافد الوفود والشباب، كان الحضور والرعب الأمني كثيفاً جداً.

ومن المفارقات العصية على النسيان، أن طلاب/ات جامعة الجزيرة قدروا الموقف، وأن المدينة الصغيرة المرحابة لا تسع كل (ضيوف مصطفى)، لذا فضلوا الرجوع إلى مدني بعد منتصف الليل.

استغل جهاز الأمن الذي كان في أعلى درجات الغبن، وبكامل استعداداته للانتقام من هؤلاء الشباب المحبين للفن والحياة، عشاق وأصدقاء مصطفى سيد أحمد.

قاموا باستئجار حافلات: ”مدني … مدني يا شباب“، ركب الشباب وهم في منتهى الحبور والبهجة، ولكن الحافلات اتجهت غرباً، وتم إنزالهم في العراء بين (قوز بخيت وأبو جويلي)، وكان الراحل صلاح حاج سعيد أحد المشاركين في الفعالية بحضور كثيف.

منذ اللحظات الأولى للفكرة ومتابعة الإعداد، ما كان يمثل أحد شعراء ومبدعي المهرجان فحسب، بل هو من أهل الدار والمناسبة.

كانت الليلة باذخة بكل جميل وإنساني، وعلا صوت الشعراء الشاحذ للهمم، الداعي للحرية والإخاء الإنساني، والمحرض على مقاومة الديكتاتورية والدولة المستبدة.

في هذا الجو المشحون بالعاطفة الوطنية والإنسانية، قام جهاز الأمن باعتقال الشاعر الراحل محمد طه القدال ”طيب الله ثراه”، تمّ ذلك رغم تواجد نائب والي ولاية الجزيرة في الصفوف الأمامية.

توقف الاحتفال، وصعد الراحل صلاح حاج سعيد المنصة وقال بكلمات مهذبة رصينة:

”لقد جئنا إلى هذه المدينة تخليداً وعرفاناً ووفاءً لصديقنا العزيز مصطفى، ونتمنى لمن دخل هذه البلدة آمناً، أن يخرج منها آمناً”.

لك الرحمة، فقد رحلت عنا، وبعد أكثر من ”25” سنة من أمنيتك تلك، لا زال من يدخل حتى بيته لا يتوقع أن يخرج آمناً.

كانت الرسالة موجهة بشكل مباشر ومقتضب لسعادة نائب الوالي، والآمر الناهي لجهاز أمنه.

بعد تلك الرسالة بدقائق، تم الإفراج عن قدال، واستمر الاحتفال.

ألا رحم الله صلاح بقدر ما قدم لأمته وجيله من صنوف الحب والإبداع والجمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى