الرأي

لماذا استمرار الثورة؟ والإجابة عن سؤال البديل للاتفاق الإطاري (١)..

نضال عبد الوهاب

طلب مني الأستاذ عبد الرحمن الأمين، أكثر من مرة، إضافة لعدد من الأصدقاء داخل الحرية والتغيير وخارجها، ممن يقفون مع الاتفاق الإطاري وعملية التسوية مع الانقلابيين أو يدعمونها، رأيي ورؤيتنا حول رفضنا للمُسببات التي ساقها من عقدوا الاتفاق، أو من دافعوا عن هذا الاتجاه. وذلك لمعرفتهم برأينا المُعلن والواضح في رفضنا مبدأ التسوية مع الانقلابيين، ومع عدد من بنود الاتفاق نفسه. وكذلك ظلّ يُطاردنا سؤال: ما هو البديل لهذا الاتفاق، بشكل أكثر دقة ومُباشرة، ليفضي لحلول لأوضاع البلد وإنهاء الوضع الانقلابي الحالي، والإتيان بالمسار الديمُقراطي مُجدداً؟

سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وتقديم رؤيتنا حولها..

في البدء، من الضروري الإجابة عن التساؤل المهم، وهو: لماذا قامت الثورة في السُودان من الأصل؟

فمن المعلوم أن الثورة قامت ضد نظام ظلّ يحكم السُودان لعقود وسنوات طويلة امتدت لثلاثين عاماً، بدّل فيها الإسلاميون السُودان تماماً، وحولوه لشبه دولة، مع انهيار كامل في كُل شيء، وحرب داخلية في مُعظم أجزائه. وقدموا مشروعاً سياسياً قسّم السُودانيين على أساس ديني وعرقي ساهم في فصل جنوب السُودان، وفتح الباب لمزيد من تمزيق الوطن على ذات الأُسس.

ساهم الإسلاميون “منسوبو فكر ومدارس الإسلام السياسي” ونظامهم، في تحويل السُودانيين لشعب فقير بالكامل، مُقابل فئة قليلة جداً من منسوبيهم وداعميهم استحوذت على ثروات البلاد، ونهبت مُقدراته. كما حولوا السُودان في عهدهم إلى دولة إرهابية، وأصبح المواطن الذي يحمل جواز السفر السُوداني عُرضة للشُبهات والمُساءلة في مطارات الدنيا، ومحظور من الدخول إلى العديد دول العالم، هذا بغير العقوبات التي جرَّتها سياساتهم، وانعكست سلباً على تنمية وتقدم البلد.

كما قاموا بصناعة الكتائب والمليشيات، وعلى رأسها مليشيا الجنجويد، على أساس “عُنصري وقبلي”، والتي عُرفت رسمياً باسم قوات الدعم السريع، استخدموها في إطالة أمد نظامهم، وفي إرهاب الدولة، وفي قتل وإبادة السُودانيين، وحماية النظام ورأسه. ثم لاحقاً جعلوها تابعة للجيش نفسه رغم كُل سوءاتها، وأصبحت أداة للمشاركة مع الجيش نفسه كمُرتزقة لمصلحة دول أخرى.

رفعت الثورة شعارات مُحددة، وقدمت مطالب واضحة للتغيير في السُودان. على رأس هذه المطالب: تصفية دولة “الكيزان” لصالح دولة “كُل السُودانيين”، وإنهاء أي تمييز مرده مشروع “الدولة الدينية والعرقية” في السُودان لصالح “دولة المواطنة بلا تمييز” والدولة الفيدرالية الديمُقراطية غير القائمة على أي أُسس دينية أو عرقية وأيدولوجية، وإشاعة الحريات التي كانت غير موجودة بسبب سياسة نظام الإسلاميين الذي استخدم العسكر والمؤسسة العسكرية للحكم الاستبدادي من خلالها وبكامل القبضة الأمنية، وتم تأسيس وبناء دولة خاصة بالكيزان وحلفائهم تقوم على البطش والقهر والإقصاء والظُلم ونشر الفساد، وكان من الطبيعي اندلاع الحرب بسبب كُل هذا، وتمدد الخراب والدمار والإبادات بسببها.

من أجل كُل هذا وضده قامت الثورة بشعارات الحرية والسلام والعدالة، وفتحت الطريق لتأسيس دولة جديدة غير مؤسسة على الدين أو الأيديولوجيا أو العرق. ولتغيير كُل هذا الخراب وإعادة البناء تجب الاستجابة لمطالب الثورة المشروعة التي ضحى لأجل قيامها بالنضال التراكمي آلاف الضحايا والشُهداء، منذ ٣٠ يونيو ٨٩، وحتى ما بعد انقلاب ٢٥ أُكتوبر، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، وتقديم هذه الرؤية.

الثورة السودانية- ديسمبر المجيدة 2018

إذاً، لم تأت الثورة لعقد “صفقة” مع النظام القديم، أو إعادة ذات سياساته وجوهر ما ظلّ يُقدمه، وإن اختلفت بعض “التفاصيل” أو المواقع والأشخاص. ولم تأت الثورة كذلك لتلبية مصالح بعض دول الإقليم، وتقديم “مصالحها” وأجندتها على “مصالح” وأجندة شعبنا في الاستقرار والسلام والديمُقراطية الحقيقية والتنمية والتقدم.

لم تأت الثورة لتجعلنا مُجرد “تابع” لدول أُخرى، ولم تأت لتُبقي على ذات السياسات “الكيزانية” وذات “المنظومة”. فإذا كان شعبنا يُريد تغييراً “سطحياً” ومُجرد “قشرة هشة” لأبقى على نظام البشير وقبل بالتفاوض معه، حتى وإن ذهب البشير وبعض “معاونيه” وبعض “رموز” الإسلاميين.

كيف يُمكن القبول بتواجد مليشيات صُنعت لقتل السُودانيين والمُحافظة على نظام الكيزان، ثم وبعد أن قويت تم استخدامها وقيادتها لصالح تنفيذ أجندة دول أُخرى داخل السُودان، وحماية مصالحها في نهب ثرواتنا. وهنا الحديث مُباشرة عن مليشيا الدعم السريع، وعن آل دقلو.

رأينا في الاتفاق الإطاري كيف أنه، وبدلاً من التحدث صراحةً ونصاً على حل المليشيات، وعلى رأسها مليشيا الدعم السريع، تم التحدث عن دمجها في الجيش، وكرر هذا في أكثر من مرة. مرة بالاعتراف بها كقوات تابعة للجيش، وثانية بالصمت عن كُل مآخذها وماضيها القاتم والإجرامي، وثالثة بشرعنتها ودمجها في الجيش القومي النظامي “الجديد”، لتكون بذلك أكبر مُهدد لمُستقبل الديمُقراطية في السُودان، بل وللسُودان نفسه، خاصة في ظل “المطامع” الواضحة، و”طموح” قيادتها متمثلة في آل دقلو للسيطرة على مقاليد الحُكم في السُودان.

تحدث الاتفاق عن عدم دخول القوات المُسلحة، ثم الشرطة، ثم جهاز المُخابرات، في أي استثمارات، وأن تتبع شركاتهم الاقتصادية لوزارة المالية، وهي الثلاث معاً القوات النظامية التي نص عليها الاتفاق. بينما صمت تماماً عن أي ذكر لاستثمارات وشركات الدعم السريع، وهو رابعهم في ذات تصنيفات الاتفاق الإطاري للقوات، هذا بالطبع ليس “صُدفة” أو حتى “سقط سهواً”.

سنواصل بإذنه تعالى في الجزء الثاني عن أطراف الاتفاق الإطاري نفسه، والتنظيمات والقوى السياسية الموقعة على الإعلان السياسي، ويحق لها المشاركة في التشاور على الحكومة القادمة، وعلى رأسها رئيس الوزراء، والمشاركة كذلك في مستويات الحُكم وأجهزته: السيادي، والتنفيذي، والتشريعي، والولائي، بنص الاتفاق، وعن تواجد ذات القتلة والانقلابيين.. ثم سنكتب عن أهم قضايا وبنود الاتفاق المُرتبطة بمطالب الثورة وأهدافها، وعلى رأسها: العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري والعدلي، وتصفية نظام تمكين الـ ٣٠ من يونيو ٨٩، وملف سلام جوبا.

وسنختم “رؤيتنا” برسائل إلى الوسطاء في المجتمع الدولي مُتمثلاً في الآلية الثلاثية والرُباعية، وبالإجابة عن سؤال البديل بشكل أكثر تحديداً، في الجزء الثالث والأخير من رؤيتنا في رفض مبدأ التسوية والاتفاق الإطاري.

الثورة مُستمرة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى