الرأي

تأملات هادئة: بين عودة الميرغني وزيارة اللواء كامل..!

نحن ننظر بتروٍ كبير لما يحدث من مصر تجاه السودان.. وحديث العقل يقول إن ما جاء من الشمال طوال السنوات القليلة الماضية بعد ثورة ديسمبر المجيدة فيه كثير من الملاحظات السالبة التي تكررت الآن بشهادة الانطباع الذي خرج به السودانيون من زيارة مدير المخابرات اللواء عباس كامل للبلاد في هذا التوقيت وفي هذا الظرف السياسي الراهن..!
لا نريد أن نرجم بالغيب حول محتوى رسالة القاهرة التي جاء الرجل ليبلغها البرهان ممثل العسكريين الانقلابيين.. (بالرغم من لقائه بقوى الحرية والتغيير هذه المرّة) ولكن غلبت رؤية معظم السودانيين على ترجيح انزعاج القاهرة من عودة الحكم المدني وإلغاء الانقلاب وإنهاء هيمنة البرهان على الدولة.. وتنتشر هذه القناعة بين جموع المواطنين خاصة لدى الإجماع الشعبي الكبير الملتف حول ثورة ديسمبر وحول المطلب الشعبي الصارم بعودة الحكم المدني.. بل قطع الطريق على الشموليات العسكرية بكل ألوانها.. وإغلاق باب الانقلابات )بالضبّة والمفتاح(..!!

مدير المخابرات المصرية

قد لا يستطيع السودانيون تجاهل الصلة بين زيارة مدير المخابرات المصري وبين عودة السيد محمد عثمان الميرغني للبلاد وعلاقتها بالراهن السوداني وكيفية تفسير القاهرة له أو موقفها منه.. خاصة أن الميرغني جاء في توقيت معيّن وبطائرة مصرية خاصة.. وقد رافقت زيارته وأعقبتها مواقف وتصريحات منه ومن الذين رافقوه ومن الذين استقبلوه (والذين استقبلهم فيما بعد).. (بل حتى ما أظهره الميرغني من تقريب وإقصاء لأبنائه تبعاً لمواقفهم السياسية من الثورة والثورة المضادة)..! وفي كل هذا الذي جرى الكثير الذي يحمل أي مراقب مهما كانت درجة (غشوميته) على استنتاج موقف مصر الذي يناصر البرهان وسلطته الانقلابية بينما يتحفظ على قوى الثورة وعلى مطالبة السودانيين التي لا رجعة عنها بالحكم المدني وعودة الجيش إلى ثكناته..! وهذا حق مشروع للسودانيين في إدارة شأن بلادهم ولا شأن للآخرين به.. وهو يؤمنون بصوابه ويتمسكون به.. ولا يريدون أن يفرضوه على احد خارج حدود بلادهم…!!
أهل السودان يعرفون أحوالهم وأحوال رموزهم السياسية والاجتماعية.. ولذلك كان تفسيرهم لعودة الميرغني بأنها لا تخلو من الإيحاءات المصرية.. ولأداء مهمة معيّنة.. وقد كان بادياً أن الميرغني لم يكن مبتهجاً بهذه العودة بعد عقود من الاغتراب الطويل..! ولم يكن خافياً على أحد أن مستقبلي الميرغني من خارج أبناء طائفته وحزبه كانوا من القوى المضادة للثورة والحكم المدني.. خاصة وان الذين جاءوا معه وهرعوا إليه من أنصاره هم من الجناح الذي قبل بمشاركة الإنقاذ سلطتها الغاشمة حتى في أحلك أيام معاداتها للشعب وارتكابها الجرائم الكبرى؛ الدموية منها و(النهبوتية).!!.

مولانا الميرغني

بل لا جدال في أن كثيرين من جماعة الانقلاب وفلول الإنقاذ (بصراحة النبي) رأوا في عودة الميرغني حقيقة أو توهماً- دعماً للثورة المضادة.. وهذا ليسم من باب التزيّد أو الوهم بل هو الحقيقة التي تؤكدها قرائن الأحوال لكل من يعرف السودان ويتابع الاصطفاف السياسي الحالي فيه !! هل في ما قلناه أي تجنٍ أو انسياق لأحكام مُسبقة أو مجابهة بعداء (حاشا وكلا) بل هو الواقع المرئي عياناً بياناً في أعقاب حضور الميرغني للبلاد..!
لماذا لا يكون تعامل القاهرة مع الخرطوم في الشأن السياسي عبر الدبلوماسيين والوزراء المدنيين بدلاً من مديري المخابرات..! وهذه أيضاً من الإشارات السالبة التي وَقرت في قلوب وعقول السودانيين..فمنذ عقود طويلة ظل ملف السودان في مصر رهناً بقطاع المخابرات المصرية…والآن لماذا لم يكن مبعوث مصر للسودان في الشأن السياسي الراهن هو زير خارجيتها بدلاً من مدير مخابراتها..؟!
نحن لا نتعسّف المواقف ضد مصر..بل ندعو إلى الحوار و(الجوار الطيب) وحل الملفات العالقة عبر التفاوض وحفظ حقوق كل جانب… ولكن يبدو أن القاهرة جانبت الصواب في معرفة ما يدور في السودان وما يطالب به السودانيون.. إذ لا يمكن أن يكون من المصلحة مطلقاً الوقوف ضد آمال ورغبات السودانيين وما يريدونه لوطنهم ونظام حكمه..! هذا لا يجوز.. وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى