الرأي

فيصل مصطفى… لماذا لم تشارك فى ٣٠ يونيو

صلصال من النيل على قبرك فى كندا

 ياسر عرمان

*١.*

الناس فى بلادنا هذه الأيام يستقبلون ٣٠ يونيو كما يستقبلون العيد ويكملون استعداداتهم بكعك الهتاف وحلوي المسيرات ومواكب الشهداء ويعمرون الساحات بصلوات وزغاريد من أجل الوطن.

اسماء تلمع فى باحات الوطن باشدار وشروني وبري وشارع الأربعين وشارع الستين وشارع المؤسسة والمطار والدمازين وعطبرة والقضارف ومدني والفاشر والجنينة وأين ما وجد السودانيين والسودانيات والديسمبريين والديسمبريات وجدت الثورة وتولد من جديد فى ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م وهى تخطو نحن بداية وتأسيس جديد ونقطة فاصلة بين مرحلتين والأرض تشرب من دم الشباب والشباب يخرج من كل لجنة ومقاومة وقرية وحي.

فيصل مصطفى

فيصل مصطفى انسان رفيع وزميل ورفيق وصائد من صائدي فراشات الثورة وقد عمل من أجلها دون كلل او ملل سنوات بل عقود طوال شارك فى كل ما من شأنه دعم الثورة واشعالها توسل لها بمختلف الوسائل والأدوات والحيل، كان صاحب سهم ونصيب لم يتواني عن خوض المعارك منذ شبابه الباكر وحتى النهايات.

قبل يومين وفى كندا البعيدة رحل فيصل مصطفى وقد كانت الحياة بالنسبة له معركة عظيمة خاضها مع أناس اشداء رجال ونساء وهو المنتمي انتماءا قاطعا للأرض وللناس. بعد تخرجه من الكلية الحربية التى درسها فى مصر الدفعة ٢٣ كان عضوا فاعلا فى تنظيم الضباط الأحرار قبل ١٩ يوليو ١٩٧١م وبعدها وعضوا فى الحزب الشيوعي السوداني وامتلك معلومات دقيقة عن ١٩ يوليو وعن العمل المنظم داخل الجيش ولم يكن يتحدث إلا “بالقطارة” “وحبة عند اللزوم” وخاصة إذا تعلق الأمر باخطاء أصدقائه وزملائه الذين رحلوا منذ زمن بعيد فى “الدروة” ومشانق يوليو ١٩٧١م ولطالما وجهت له الأسئلة عن تلك الفترة وكان دائما يفضل ان يصدر الحزب تقييما كاملاً ودقيقا عن تلك الحقبة وقد كان مؤهلا لتناولها بتقييم دقيق وقد بدا لي احيانا وكأنه يتعامل مع تلك الحركة التي كان واحدا من ابطالها وكانها لا تزال فى طور الاعداد والتخطيط وقد أمتلك منظور نقدى حول كل اوضاعنا الراهنة وحاجتنا لمنظور جديد.

*٢*

أهم علامة بارزة فى حياة فيصل مصطفى من علامات وانجم عديدة حملها على كتف حياته أنه شارك فى ١٩ يوليو ١٩٧١م ونجا من الموت باعجوبة وظل مدافعا عن زملائه المشاركين بها لم يتنصل ولم يدر ظهره لهم، كان دائما يقول عن المقدم عثمان حاج حسين ابو شيبة قائد الحرس الجمهوري “ابو شيبة ما منو اتنين” حديثه عن زملائه كان يشدني وقد كان من ضمن الذين تعاملوا مع العمل العسكري فى هيئات عديدة بعد ١٩ يوليو ومن ضمن طاقم القيادة الشرعية مع الفريق أول فتحي احمد علي القائد العام السابق للقوات المسلحة والذي انحاز للنضال من أجل الديمقراطية فى قيادة التجمع الوطني الديمقراطى وفى تجربة فريدة لضابط رفيع تنسم أعلى الرتب فى القوات المسلحة ولعلها التجربة الفريدة والوحيدة لقائد عام. وأشعر بالاسف الشديد للتجاهل الذي تعامل به قادة ثورة ديسمبر وحكومتها مع الفريق فتحي احمد علي الذي لم يوفى حقه وجميله المعلق على أستار العمل الوطني وقد تناولت ذلك مع أصدقاء عديدين ومع بعض قادة القوات المسلحة حول أهمية تكريم الفريق فتحي احمد علي واذا أردت إنسانا تظبط عليه ساعتك فى المواعيد فلا تتردد فى اختيار الفريق اول فتحي احمد علي لقد كان إنسانا واضحا ومتزنا وانضباطه مثل اناقته. وكان ذلك واحد من محاور أمسية خرطومية جميلة مع الصديق الاستاذ عبدالرحمن الأمين قبل انقلاب ٢٥ اكتوبر وواجب تكريم الفريق اول فتحي أحمد علي لا يسقط بالتقادم.

*٣*

التقيت بفيصل مصطفي فى السودان وفى فجاج الأرض قاطبة بنيروبي واسمرا واديس والقاهرة وكان لقاءنا الاخير فى مدينة الكيب تاون عند راس الرجاء الصالح بجنوب افريقيا فى ٢٠١٨م وعملنا معا عن قرب فى قضايا إصلاح القطاع العسكري والأمني منذ عام ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨م مع مجموعة ضمت عدد كبير من المفكريين والمثقفين والاكاديميين السودانيين وعكفت على اعداد عقد سياسي واقتصادي وثقافي جديد كبرنامج لما بعد إسقاط نظام البشير وبمبادرة من الحركة الشعبية لتحرير السودان وقد صدر ذلك فى كتاب باللغة العربية والإنجليزية وضمت كلانا لقاءات والرفيق عبدالعزيز آدم الحلو فى أديس أبابا والكيب تاون حول قضايا الإصلاح العسكري والأمني وتواصلنا عبر الهاتف حول قضايا الثورة وبناء وإصلاح القوات المسلحة السودانية كجيش واحد مهني يعكس التنوع السوداني وبعقيدة عسكرية جديدة ولا يخوض الحروب فى داخل بلادنا.

عزائي الحار لأسرة فيصل مصطفى للأستاذة آمنة الكارب ولكريماته مريم ومهيرة ولشقيقته الاستاذة تيسير مصطفى وهي زوجة الراحل الخاتم عدلان، ولكل اهله وأصدقائه ومعارفه.

حرص فيصل مصطفى على ضرورة تعرفي على الدكتور مجدي الجزولي المهتم بنفس القضايا.

لدي الكثير من الذكريات مع فيصل مصطفى ولكن التحضيرات لثلاثين يونيو ٢٠٢٢م تحاصرني وأرغب فى إكمال هذه المقالة قبلها وقد كنت على إتصال دائم معه طوال ثورة ديسمبر إلى ان تمت مصادرة هواتفي عند اعتقالي الاخير وانقطع الإتصال بيننا وقد تابعت معركته الأخيرة مع مرض السرطان اللعين وارسل لي صور عديدة تعكس التقدم الذى احرزه فى العلاج واحزنني ايما حزن رحيله الصادم ونحن على أبواب ٣٠ يونيو العيد التى تركها أمامه وهو الذى دأب على خوض المعارك ومتابعة ما يجري فى السودان على نحو دقيق وانتماء صميم.

*٤*

فيصل مصطفى سيلتقي فى رحلته نحو العالم الآخر باناس احبهم بالراحلين من أسرته ومن اصدقائه، سيلتقي ببابكر وهاشم وفاروق وابو شيبة واحمد جبارة ورفاقهم.

سيلتقي بعبد الخالق متوقد الذهن والفكر بهي الطلعة والطلة سينقل له ما حدث بعد انصرام شهر يوليو كما سيلتقي بمحمد إبراهيم نقد حاضر البديهة وعميق المعرفة بالمجتمع السوداني والحياة السياسية التى أضاف لها الكثير وقد عمل معه فيصل عن قرب وسيلتقي بعبدالمجيد شكاك وانور زاهر “عمر آدم” من نفس الهيئات التى عمل بها كما سيمر عند الخاتم عدلان عالى الكعب والهمة وعميق الثقافة والانتماء وسيحيي الدكتور جون قرنق دي مابيور فارعا ومهابا ومفكرا.

عزائي الحار لأسرة فيصل مصطفى للأستاذة آمنة الكارب ولكريماته مريم ومهيرة ولشقيقته الاستاذة تيسير مصطفى وهي زوجة الراحل الخاتم عدلان، ولكل اهله وأصدقائه ومعارفه.

*٥*

حاولت مع إحدى صديقاتنا والتى اتجهت فجر ٢٨ يونيو إلى كندا ان ارسل معها مظروفين صغيرين يحتويان على صلصال من طمي النيل واتصلت بالأستاذ طه الخليفة فى تورنتو ليضع واحدا على قبر فيصل مصطفى والآخر على قبر المبدع الصديق الراحل الباقر عثمان من بلاد احباها ايما حب وتمنيت ان لا تضع سلطات المطارات يدها على ذاك التراب ولكني علمت ان سلطات مطار استانبول قد صادرت ذلك الصلصال الذي يعد من الممنوعات لأسباب عديدة.

رحم الله فيصل مصطفى والباقر عثمان وتقبلهما قبولاً حسناً مثلما احبا النيل والسودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى