الرأي

ما هو المخرج من أزمات البلاد؟ 

جعفر خضر

ليست قدرات المدنيين الشخصية هي السبب في الأزمات، تأخراً في العدالة كانت، أو ضعف محاربة الفساد، أو الأزمة الاقتصادية الخانقة، أو تراجع السيادة الوطنية. لو كان الأمر كذلك لنجح بعضهم وفشل البعض الآخر، لكن السمة العامة للمشهد السياسي أنه لا يسير على ما يرام، وذلك لأن المدنيين في الجهاز التنفيذي مكتوفو الأيدي، وخطأهم الفادح أنهم لم يجهروا بذلك.

إن السبب الرئيس لهذه الأزمات هو هيمنة العسكريين على السلطة نتاج للوثيقة الدستورية المعيبة، التي عبث بها بعض مدنيي قوى الحرية والتغيير، منهم من انضم الآن لهيئة الدفاع عن السفاح البشير، وخطأنا أننا لم نمارس النقد الذاتي لتصحيح الأخطاء، وتقليل احتمال ارتكاب المزيد منها.

رضي أكثر الثوار بالوثيقة الدستورية على علاتها حقنا للدماء، وكان المرجو أن يعمل المدنيون على كسب نقاط إضافية بالوسائل السياسية، والتحرك في المساحات التي سكتت عنها الوثيقة مستظلين بهتاف “مدنياااو” ، لكن العكس هو الذي حدث، إذ تمدد العساكر في مساحات لم تعطها لهم الوثيقة. ابتدعوا نائبا لرئيس مجلس السيادة، قيل دون حتى الاتفاق عليه في اجتماع، وإنما تم بوضع اليد.

تمددوا بإمساكهم بملف السلام الذي كرس لسلطات حميدتي، الموقع الأساسي على اتفاقيات السلام، وباستمرار سيطرتهم على معظم اقتصاد البلاد، بل وتخريبهم الممنهج للاقتصاد الوطني بعبثهم بالوقود في طول البلاد وعرضها، وتعطيلهم لإصلاح الأجهزة العدلية، وولوغهم في ملف العلاقات الخارجية وعمالتهم لدول إقليمية ودولية.

انصرف الجهد لكسب هذه الدولة أو تلك للحصول على السند والبقاء في السلطة، وليس من أجل المصلحة الوطنية.

من نافلة القول أن علاقتنا بدول الجوار، وكل الدول، ينبغي أن تكون علاقات جيدة تقوم على الندية والمصالح المشتركة، لكن هذا لا يعني مطلقا التفريط في أراضينا وسيادتنا الوطنية.

تطمع بعض دول الجوار في أراضي وثروات البلاد. ولقد تناقلت الأخبار مؤخرا أن القنصل الأثيوبي بالقضارف، قال أنهم لا يعترفون بحدود ١٩٠٢ مع السودان.

لقد تورط النظام البائد في التفريط في الأرض، إذ قدم مصلحة بقائه في السلطة على الحفاظ على تراب الوطن، وسمح للحكومة الأثيوبية بالتمدد داخل الأراضي السودانية، نظير عدم فتح جبهة قتال للتجمع الوطني الديمقراطي في أثيوبيا منتصف تسعينات القرن الماضي. ولقد أضعف النظام البائد الوجود العسكري في الحدود، وأهمل القرى الحدودية التي ظلت تعاني من تردي الخدمات والتدهور الاقتصادي وانعدام الأمن، مما أدى إلى نزوح المزيد من المواطنين إلى الداخل، وسهّل ذلك التمدد الأثيوبي في الأراضي السودانية، ولا تزال هذه السياسات سارية المفعول.

وقطعت مصر شوطا كبيرا في تغيير الوضع على الأرض بحلايب. وتطمع دول عربية في ثروات البلاد، وصناعة دولة سودانية تابعة.

إن اللجنة الأمنية للنظام البائد ظلت تعمل على الدوام لإجهاض الثورة بمثابرة شديدة. ولكن عند وصول منحنى الثورة إلى إحدى نهاياته العظمى في السادس من أبريل، وبلوغ الثوار القيادة العامة وانتصاب الاعتصام، ضحت اللجنة الأمنية بعمر البشير، الذي صار عبئا ناء به كاهل النظام.

لكن المجلس العسكري، وريث اللجنة الأمنية، ظل يراوغ ويحول دون تحقيق أهداف الثورة، إلى أن تورط في فض الاعتصام واغتيال الثوار، ثم صار هو المكون العسكري داخل مجلس السيادة. ولم تنجح كل عبارات المدنيين في أنهم يعملون في انسجام مع عساكر السيادي في تحويل ذلك إلى حقيقة.

باستثناء من تآمر من المدنيين على الثورة، فإن خطأ المدنيين الفادح أن ثقتهم في الشعب السوداني أقل مما يجب. إن الأداء الغالب لوزراء الحكومة المدنية يتسم بالضعف، وهذا ليس نتاج ضعف قدرات الوزراء، عليه فلن نتوقع نتائج مغايرة جراء تغييرهم. إن الذي نحتاج إليه هو تغيير طريقة التفكير.

ينبغي أن نتعامل مع المكون العسكري، ليس كشريك حقيقي، وإنما كعدو ما من صداقته بد. وأن نحرص على علاقات خارجية جيدة، لكن يجب ألا نتوقع أن تأتينا حلول أزماتنا من هناك، بل علينا أن نتوقع أن يصدروا لنا مزيداً من المشاكل.

إن مفتاح الحل هو الثقة بالشعب والاعتماد على الذات، فعندما أعلن حمدوك حملة (القومة للسودان) تدافع الآلاف للمساهمة رغم ضيق ذات اليد والفقر المتفشي. وجدد الشعب السوداني ثقته في حمدوك في ٣٠ يونيو الأخيرة، رغم الضعف العام في الأداء الحكومي، وطالبوهَ بعدم خذلانهم (نحن معاك يا حمدوك .. أوعك تخذل ناس جابوك).

لكن تآكل التأييد الشعبي للحكومة وقوى الحرية والتغيير لأنهم أداروا ظهرهم للشعب وضعفت ثقتهم فيه. وبدون الشعب ليس للحكومة وحاضنتها السياسية أدنى قوة، فكيف يعرض الثائر عن سلاحه؟.

ما تحتاجه حكومتنا المدنية الآن هو الثقة بالشعب والشفافية معه والاعتماد عليه في حل الأزمة الاقتصادية وكل الأزمات.

قال: يا أبا يزيد ما أخرجك عن وطنك؟ قال: طلب الحق. قال: الذي تطلبه قد تركته ببسطام. فتنبه أبو يزيد ورجع إلى بسطام ولزم الخدمة حتى فتح له.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى