الرأي

الرهان الخاسر في الانتخابات القادمة

فضل السيد مصطفى شركيان

الرهان على هزيمة أنصار النظام السابق في أي نزال انتخابي قادم اعتماداً فقط على تذكير الناخبين بالسجل السيئ لنظام حزبهم المحلول رهان غير مضمون العواقب، فهم كانوا فلولاً عقب سقوط حكم النميري، وكانوا ممن شاركوا نظامه في استبداده، وحالوا مراراً دون سقوطه عندما كان يُواجه بالقلاقل، وكان لهم القدح المعلى في فرض قوانين سبتمبر سيئة الصيت عام 1983م. ومع ذلك حصدوا في أول انتخابات ديمقراطية جرت بنهاية الفترة الانتقالية عام 1986م معظم مقاعد الخريجين وبعض الدوائر الجغرافية. من هنا يجب الاعتبار بالتجارب والتاريخ، وليس الركون إلى ذاكرة الشعب التي قد لا تكفي وحدها. فمع الذاكرة يجب وضع أداء حكومات الفترة الانتقالية، وتصرفات القوى الفاعلة خلالها في الاعتبار.
إن حكومتنا الحالية بشقيها العسكري والمدني، والتي شكلت وفقاً لوثيقة دستورية هشة وظلت تعدل مراراً من أجل تلبية مصالح الأطراف النافذة، يجب عليها أن تستدرك الأمر وتعضد وجودها بإنجازات ملموسة يكون مردودها ظاهراً في كل بيت، ومقنعاً للجماهير لا سيما الشباب والثوار. وإلا فإنها بهذا الأداء الضعيف تمنح دعاية مجانية للمتربصين بالثورة وأنصار النظام المباد.
كنا نظن إنه من المستحيل أن يأتي بديل لحكم البلاد أسوأ من الكيزان، ومع أن الظن ما زال باقياً بالنسبة للذين يحتفظون بذاكرة راصدة لسجل الجرائم والانتهاكات التي جرت في ذلك العهد، إلا أن ضعف الحكومة الانتقالية وبعدها عن الثورية بحجج قد تكون صحيحة ومقنعة لقليلين وغير مقنعة أبداً للأغلبية، قد جعل الناس تعود إلى الوراء لتقارن الواقع المعاش في الوقت الحالي مع ما كانوا عليه في زمن الكيزان. أيعقل أن تتضاعف أسعار بعض السلع الأساسية أكثر من ثلاثين مرة مقابل زيادات في الرواتب لا تغطي حتى تكاليف النقل والترحال؟ هنالك بعض من الناس همهم الأول العِيشة، ولا يهمهم ما كان عليه الإنقاذ من دكتاتورية وفساد. هؤلاء سيصوتون حتماً للكيزان إذا ما دخلوا الانتخابات، وعزفت لهم نغمة الأحوال المعيشية. كما أن هنالك كيزاناً ثابتين على المبدأ سيظلون مع حزبهم ويقفون معه على أية حال مهما ذكروا بسيئات التنظيم. يوجد أيضاً مجموعات مقدرة ممن يسهل شراؤهم بالمال وشتى المغريات. هؤلاء كتلة حرجة ورصيد جاهز لمن يتلاعبون بالانتخابات ولا شك أن الكيزان هم أول من سيقومون بذلك ليضيفوا أصوات هؤلاء إلى صناديقهم التي كانت ستظل فارغة لو كانوا قد وُضِعوا فعلاً في نصابهم. ما قد يرجح كفة ميزان الجماعة الخبرة الطويلة في التزوير، والإمكانيات المادية المهولة للتحرك اللوجستي وتغطية تكاليف الإعلام. بالمقابل ماذا ستقول قوى الثورة وقادة قوى الحرية والتغيير لجماهيرها في السجال الانتخابي وحملات الدعاية واستقطاب الجماهير من أجل هزيمة الإسلاميين؟ ماهي القوى الجاهزة للنزال؟ من هم القادة الذين ما زالوا يجسدون أمل الجماهير؟ وماذا ستكون ردودهم على الأسئلة القديمة المتجددة التي ما برحت تسأل باستمرار؟ أين محاكمة المفسدين؟ ما نتائج تحريات فض الاعتصام؟ لماذا لم يتم محاكمة انقلابيي 89 يونيو حتى الآن؟ لماذا لم يسلم المطلوبون لدى المحكمة الجنائية الدولية، أو تتم محاكمتهم هنا في المحاكم الوطنية؟ لماذا لم يكتمل السلام حتى الآن؟ لماذا عجزوا تماماً عن السيطرة على الأسواق واستسلموا لهذه الفوضى في التجارة والمغالاة في الأسعار؟ ما هذا التدهور البيئي المريع وتكدس النفايات في كل مكان؟ لماذا لم يُشكل المجلس التشريعي والمفوضيات الواردة في الوثيقة الدستورية؟ قد تكون الردود بأننا رفعنا العقوبات عن البلاد ومحونا اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأصلحنا العلاقات مع كل الدول التي كانت تعادينا. لكن لماذا لم ينعكس كل ذلك في تيسير حياة المواطن؟ التحجج بجائحة الكورونا، ومعاكسة الفلول، وتأثير الدولة العميقة لم يعد يقنع أحداً. فالكورونا ضربت بعض الدول بصورة أشد وطأةً ولم تتدن مستوياتها المعيشية إلا قليلاً. كما كان بالإمكان تحجيم الفلول ومحاكمتهم، وتنظيف مرافق الدولة من كوادرهم، وإزاحتهم من مواقع صنع القرار.
لذلك فإذا ما استطاع الإسلاميون في غفلة من الزمن بلوغ لعبة الانتخابات متخفين في تنظيمات مستحدثة، وأسماء جديدة، وقيادات الصفوف الدنيا تحايلاً على اللوائح والتفافاً على أوامر لجنة إزالة التمكين، فقد يحصدون أصواتاً لا تخطر على بال أي أحد من المراقبين، ما دام من نصبوا أنفسهم قادة للثورة غير مبالين، ويبدون كأنهم في تواطؤ متعمد مع أعداء التغيير.
لذلك فالرهان على كره الشعب لعهد الإنقاذ والركون على الدعاية المكرورة عن بشاعة حكمه رغم صحتها، قد يصبح رهاناً خاسراً ما لم يدعَّم بإنجازات حقيقية لقوى الثورة ترضي الشعب، وتثير فيهم الحماس لمواصلة لعب دور الحاضن لحكومة الثورة وحارساً لبرامجها. لا يمكن الركون فقط لذاكرة الشعب عن التاريخ السيىء للجماعة، فالشعب ليس شخصاً واحداً يمكن التنبؤ بتصرفاته. لابد أن يرى الناس شعارات الثورة وقد تحققت كلها أو جلها على أرض الواقع من غير تنظير رغبوي من شاكلة سوف نعبر وننتصر أو ما شابه ذلك من تطمينات ملها الشعب وأصبحوا يتندرون بها. لهزيمة الفلول بضربة قاضية يجب الرهان على العمل، وليس على مجرد وعود وإعادة تكرار سرد التاريخ الأسود لنظامهم الذي بات محفوظاً لدى الجميع. ما لم ير الناس العدالة الانتقالية وقد تحققت وبات السلام المجتمعي واقعاً بين الناس، ولاحت أمام ناظريهم بنيات الدولة الحديثة، فإن الردة إلى عهد الظلم والاستبداد لأمر لا مناص من تكراره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى