حوارات

حوارات الذاكرة و الأسرار (2__1) مع خالد عمر يوسف

 

  • بعض الرفاق في الحركات المسلحة كانوا يتهمونني باختراع فكرة تجمع المهنيين و التجمع الاتحادي!
  • (…..) هو أول من أنشأ صفحة تجمع المهنيين السودانيين
  • اتفاق السلام يمكن وصفه بأنه اتفاق تاريخي
  • الانقسام داخل تجمع المهنيين خلف أثراً كبيراً داخل تحالف الحرية و التغيير

حوار: أمان عبدالرحمن الغالي

تحرير: مصطفى أحمد سعيد

 

تزدحم ساحة السياسة السودانية بالعديد من الشخصيات التي أثرت و ساهمت في تشكيل الواقع السياسي السوداني من خلال العديد من المواقف والأحداث، فخلال فترة حكم النظم البائد تقدمت صفوف المشاركة السياسية قوىً شبابية كان لها أثر فاعل و كبير في إنجاز التغيير و استكمال ثورة ديسمبر المجيدة، الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني الأستاذ خالد عمر يوسف (سلك) كان من ضمن هذه الطليعة التي قادت التغيير السياسي، أجرينا معه حوار الذاكرة و الأسرار لنسلط الضوء على أبرز محطات حياته السياسية و لاستعراض خبايا الحراك الثوري والتوثيق للقصص التي لم تُروى بعد.

 

ماهي المشاكل التي واجهتكم في الحرية والتغيير بعد خروج نداء السودان والصراعات السياسية أثناء المفاوضات ؟

الحرية و التغيير تحالف وُلد أثناء المعركة، القوى السياسية السودانية مرت بتجارب مماثلة، و آخر تحالف شامل كان هو التجمع الوطني الديمقراطي والذي انسلخ منه حزب الأمة ثم وقعت الحركة الشعبية على اتفاقية نيفاشا وتبعها التجمع الوطني الديمقراطي بتوقيعه على اتفاق القاهرة وأعيدت الصلات بين هذه القوى السياسية في اجتماع جوبا 2009م، و بعد الانفصال تم تكوين قوى الإجماع الوطني في 2011م، وحصلت انقسامات فيما بينها أيضاً، أما في هبة سبتمبر2013م كانت القوى السياسية شتاتاً وانقسامات وشهدت تلك المرحلة بداية تكوين تجمع المهنيين السودانيين، وحاولت كل هذه القوى في تلك الفترة الوصول إلى صيغة مطلبية موحدة، و ثاني يوم من تكوينها تم اعتقال جميع الشخصيات القيادية فيها.

أذكر أننا عندما كنا في المعتقل عقب هبة سبتمبر 2013م كنا نتساءل لماذا استطاع هذا النظام القضاء على هذه الثورة و خمدها في فترة قصيرة ؟

و أجمعنا على سبب أساسي واحد وهو أن قوى المعارضة ليست موحّدة بالإضافة لعدم طرحها لبرنامج واضح بعد سقوط النظام ووجود فراغ كبير بينها وما بين القواعد.

خرجنا من المعتقل ونحن نفكر في كيفية معالجة هذه النقاط، و في 2014م نشأ تحالف نداء السودان، والحرية والتغيير ما هي امتداد لنداء السودان، لأن نداء السودان كان يضم قوى الإجماع الوطني، وحزب الأمة بعد انسلاخه من قوى الإجماع الوطني انضم لنداء السودان بشكل فردي والجبهة الثورية بكل كتلها كانت موحدة و انضمت إلى تحالف نداء السودان، أما مجموعة المجتمع المدني فقد مثل المجتمع المدني فيها الدكتور الراحل أمين مكي مدني، و الدكتور بابكر محمد الحسن رئيس تجمع المهنيين آنذاك.

وعلى الرغم من اتفاق جميع الأطراف على إسقاط النظام  إلا أنه قد حدثت أحداث سياسية قسمت تحالف نداء السودان، مثل الاتفاق المسمى بخارطة الطريق في 2016 ووقع عليه حزب الأمة والحركة الشعبية وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناح مناوي، هذا أدى إلى انقسام قوى الإجماع الوطني، فصارت القوى السياسية تحت جسمين – جسم واصل في قوى الإجماع الوطني والجسم الآخر استمر في نداء السودان، و في نوفمبر 2016م عندما جاء العصيان المدني كنا منقسمين وفي يناير 2018م اجتمعنا كلنا في دار حزب الأمة ووقعنا على إعلان الخلاص إلا أننا اعتقلنا مباشرة بعد التوقيع مما أدى إلى تعطيل إعلان الخلاص.

لذلك أعتقد أن نشأة الحرية والتغيير كان بناءً على الاستفادة من أخطاء الماضي وجميعنا آمنا بضرورة التوحّد في برنامج واحد وهو إعلان الحرية والتغيير، والجدير بالذكر أننا بدأنا صياغة الوثيقة الدستورية تحت مسمى الإعلان الدستوري في فبراير

2019م  لتكون بديلاً لدستور 2005 وضمت اللجنة العديد من القانونيين أمثال الأستاذ علي محمود حسنين والأستاذ أسامة سعيد والأستاذ يحيى الحسين والأستاذ نبيل أديب، كما أنشئت لجنة للسياسات البديلة ومثلنا فيها الأستاذ مدني عباس.

و في تلك المرحلة كان تحالف الحرية والتغيير يخوض في معركة شرسة وهي معركة إسقاط النظام كما أنه كان يسعى لترتيب نفسه داخلياً وفي ذات الوقت بعضٌ من قيادته معتقلون بالسجن والبعض الاخر مختفٍ بالداخل وآخرون بالخارج، وهذا جعل الصف الدئاخلي يُعاني من ارتباك وعدم انتظام.

 

كيف كانت علاقتكم بالحركات المسلحة ؟

كانت الحركات المسلحة تستغرب وجود غموض في تكوين تحالف الحرية والتغيير، و أذكر أننا كقوى نداء السودان اجتمعا في باريس 2019م ودارت مواجهة فيما بيننا، فقد كان بعض الرفاق في الحركات المسلحة يعتقدون بأنه ليس هنالك وجود حقيقي لتجمع المهنيين السودانيين وكذلك التجمع الاتحادي واتهموني شخصياً باختراع هذه الكيانات (الوهمية)!

و قد كانت هنالك أزمة ثقة حقيقية من جانب الحركات المسلحة تجاه القوى المدنية ، وأول لقاء رسمي كان بين قادة الحركات المسلحة وقيادة الحرية والتغيير كان في أديس أبابا شهر يوليو 2019م.

و من أوجه الخلاف بيننا وبين إخوتنا في الحركات المسلحة أنه وخلال عمليات التفاوض بين المجلس العسكري والحرية والتغيير كانوا غير ممثلين في جلسات التفاوض وهم يعتقدون أنهم كقوى ثورية لديهم قضايا يجب طرحها، مما جعلهم يتبنون موقف عدم القبول بتكوين هياكل الحكم المدني مالم يتم التوصل إلى اتفاق سلام، وهذا كان موضع خلاف بيننا و كنا نرى عدم إمكانية أن تعيش البلاد حالة من الفراغ الإداري واقترحوا لنا أن يكون هنالك رئيس وزراء فقط بدون حكومة ولم نتفق معهم أيضاً في هذا المقترح ومن بعدها ظهرت بعض المراشقات الاعلامية التي ضاعفت من أزمة الثقة و لكن خلال الأشهر السابقة استطاعت هذه المكونات الدخول في نقاشات مستفيضة إلى أن تم الوصول إلى الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في جوبا ما بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية والذي بموجبه استأنفت الجبهة الثورية عملها داخل تحالف الحرية والتغيير.

ما أريد قوله أن الجبهة الثورية هي كيان مؤسس للحرية والتغيير وهي إضافة نوعية للحرية والتغيير ولولاها لما كانت الحرية والتغيير بهذا التنوع و التعدد، وهنالك بعض القوى ولقلة إدراكها بتركيبة الواقع السوداني السياسي والاجتماعي لم يتعاملوا مع الجبهة الثورية بما تستحقه وحاولوا التقليل من مكانتها وهذا أضرّ بالمرحلة الانتقالية ككل، وأتمنى أن تتم الاستفادة من تجارب الماضي .

 

ما هو موقفك من تجميد حزب الأمة القومي لعضويته بالحرية والتغيير؟

أعتقد أن حزب الأمة قد قام بطرح عدد من القضايا الصحيحة ولكن اختار الطريقة الخاطئة، و مطلب حزب الأمة بعقد مؤتمر عام لقوى الحرية والتغيير كان مطلباً مشتركاً، و كنا قد شكلنا لجنة لعقد هذا المؤتمر في شهر فبراير 2020م، و حزب الأمة ممثل في هذه اللجنة، هذا المؤتمر كان يجب أن ينعقد في يوم 6 أبريل 2020، و لكن ظروف جائحة الكورونا حالت بيننا وبين قيام المؤتمر، أما القضايا المطروحة في العقد الاجتماعي كثير منها نتفق مع حزب الأمه فيها ونختلف معه في قضايا أخرى، وأعتقد أن التجميد إذا كان محكوماً بإطار زمني للضغط على بقية القوى السياسية كان يمكن أن يكون معقولاً أما التجميد بشكله الذي حدث فهو خاطئ خصوصاً وأن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا الموقف قد زالت، وأعتقد أن تجميد النشاط يُضعف تماسك ووحدة التحالف وطالما أننا قاربنا لعقد المؤتمر فأتمنى أن يفك حزب الأمة تجميده ويعاود نشاطه مجدداً من خلال تحالف الحرية والتغيير.

 

تعليقك حول الآراء الكثيرة بخصوص إصلاح الحرية والتغيير ..

كما أسلفت .. الحرية والتغيير قد نشأت في زمن ضيق لذلك لم تتاح لها فرصة بناء تنظيمي متين، و استطاعت تنسيقية الحرية والتغيير في الفترة من يناير وحتى أبريل2019م من صناعة التغيير مع جماهير شعبنا، وبعد إسقاط النظام تكونت لجنة الاتصال السياسي ولجنة التفاوض و أصبحتا تديران العمل بشكل مشترك وكان العمل منحصراً في استمرارية المقاومة والتفاوض  مع المجلس العسكري، وبعد توقيع الوثيقة الدستورية أصبح للحرية والتغيير واجب جديد وهو واجب الحكم وكونت الحرية والتغيير جسماً مركزياً في أكتوبر وبتمثيل واسع عبر توافق كل الأطراف ما عدا الجبهة الثورية وواحدة من الإشكاليات التي يعاني منها هذا الجسم المركزي هي أن هيكله الداخلي لا يتناسب مع قضايا الحكم، و بدأت المشاكل بالظهور عندما اضطر الجسم المركزي لتكوين أكثر من ثلاثين لجنة مؤقتة لمتابعة قضايا الحكم!

فضلاً عن وجود حالة الفصام التي بدأت تظهر ما بين مجلس الوزراء والجسم المركزي، أضف إلى ذلك أن تحالف الحرية والتغيير تحالف واسع جداً والتحدي يكمن في كيفية إقامة جسم واحد يمثل كافة الأطياف وهذا يحتاج لاجتهاد فكري.

لذلك توجد ضرورة لإعادة هيكلة الحرية والتغيير لتضطلع بمهام الحكم وسنعمل على هذا الاتجاه من خلال المؤتمر العام.

 

حدثنا عن مواقف وأسرار لم تُحكى عن أخبار الحراك ؟

من الشخصيات الفعالة كانت أيام الحراك عضو تجمع المهنيين السودانيين محمد الأمين إبراهيم و قد لعب دوراً رئيسياً في تكوين الحرية والتغيير وهو أول من أنشأ صفحة تجمع المهنيين السودانيين، و قد تولى مهمة النشر على صفحة التجمع لفترة طويلة، كما أنه تواصل مع زكي عبد الحي مصمم شعار التجمع وصمما شعارات الدعوة لموكب 25 يناير2019م، وكنت أتشاور معه بشكل مباشر بخصوص إعلان الحرية والتغيير كما أنه قام بمناقشة اسم الإعلان مع كافة الاطراف، و الجدير بالذكر أن نص إعلان الحرية والتغيير عندما اكتملت صياغته قام محمد الأمين بالترتيب مع محمد ناجي الأصم لتصوير الفيديو الذي ظهر فيه الأصم يقرأ إعلان الحرية والتغيير وقد صور الفيديو الشفيع خلف الله الشهير ب(آش) وأيضاً تم اعتقاله ومصادرة الكاميرا.

وبعد موجات الاعتقال التي طالت عدد من قادة الحراك اضطررنا لتأمين الأستاذ أحمد ربيع وأسكناه بشقة كتأمين له من قبل حزب المؤتمر السوداني، ولسوء حظه أنه خرج في يومٍ ما لظرف أسري طارئ وتم اعتقاله.

 

ماذا عن الانقسامات داخل تجمع المهنيين السودانيين ومدى تأثيرها على الحرية والتغيير وما هو وضع تجمع المهنيين حالياً داخل الحرية والتغيير ؟

أعتقد أن الانقسام داخل تجمع المهنيين خلف أثراً كبيراً داخل تحالف الحرية والتغيير، و التماسك النفسي لقوى الثورة لأن تجمع المهنيين لديه رمزية ثورية.

المجموعتان المختلفتان من التجمع ليستا ممثلتين في قوى الحرية والتغيير وطالبنا من اللجنتين أن يكونا من ضمن اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام وذلك لرغبتنا الأكيدة في توحيد كل الأجسام وخلق رؤية سياسية موحدة.

 

كيف ترى اتفاق السلام خصوصاً وأنه سيضيف قوىً جديدة للمشهد السياسي ؟

اتفاق السلام يمكن أن نصفه بأنه اتفاق تاريخي لأنه في تاريخ السودان الحديث لم يحدث أن نجحت الحكومات المنتخبة أو حكومات الثورة في الوصول إلى اتفاق سلام حقيقي، والآن بالرغم من وجود أكثر من جبهة قتالية تم الوصول إلى اتفاق مع عدد كبير من هذه الحركات، كما أن اتفاق السلام نفسه هو نقطة تحول إيجابية في مسار المرحلة الانتقالية وهو بالتأكيد عنصر دفع لهذه المرحلة لأنه سيوسع القاعدة الجماهيرية وسيضيف قوى جديدة، لذلك يجب استغلال هذه الفرصة التاريخية لخلق تغيير فارق، وأعتقد أن هذا الاتفاق من حيث العمق و شمول القضايا هو اتفاق مكتمل الأركان، وعلى القوى السياسية الاستمرار في مناقشة الأطراف المتحفظة حتى نصل إلى شمولية السلام .

رسالة أخيرة ،،

علينا أن نصبر على تعقيدات الانتقال، في ظني أن العدو الرئيسي للمرحلة الانتقالية هو التبسيط، بمعنى التعامل مع القضايا ببساطة لأن جميع القضايا معقدة وتحتمل آراءً مختلفة ولن تحسم هذه القضايا باتباع نهج الإقصاء ونفي الآخر وعلينا أن نستمع لبعض للوصول إلى حلول جذرية .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى