الرأي

دعه يتعلم دعه يتقدم

د. طارق احمد خالد

منذ الطفولة كنت مغرما بالكتب العلمية المبسطة الصادرة في ذلك الزمان. كم استمتعت بكتب الفيزياء للجميع والفيزياء المسلية والرياضيات المسلية. كم كنت أنتظر بفارغ الصبر صدور عدد جديد من مجلة “الباحث الصغير”. بعدها تحول ذلك الشغف إلى حلم بالسير في طريق تبسيط العلوم والمفاهيم. ثم تقادم الزمن وحدث التباعد بين الحلم والواقع والانشغال بعجلة العمل اليومي.

غير أن تبسيط المفاهيم صار جزءاً من همي اليومي سواء كان ذلك من خلال التدريس الجامعي أو التعامل مع أشخاص ذوي خلفيات مهنية مختلفة خلال ممارستي لإدارة المشاريع وتحليل الأعمال. كانت الأسئلة والمناقشات توقظ شيئا فشيئا ذلك الحلم المتواري في زوايا النسيان أو التناسي. في العام الماضي بدأت في سلسلة مقالات قصيرة ومبسطة عن تحليل البيانات. ساقني لذلك ما لمسته من مقالات موغلة في التخصصية لا يتفاعل معها إلا أولو العزم من المتخصصين وتجعل سواهم في حالة حيرة خاصة وأن تطبيقات علم البيانات قد اخترقت أغلب المجالات وجعلت مختلف المهنيين ورجال الأعمال في حالة تساؤل دائم عن ماهية التطبيقات وفوائدها في تطوير مجالاتهم.

بدأت في نشر المقالات القصيرة تحت عنوان “كبسولات” لتأكيد صغر الحجم والبساطة. أذهلني تجاوب الناس من خلال التعليقات والرسائل الخاصة. مثلا أرسل لي أحد المديرين في بنك مركزي آسيوي معبراً عن سعادته بعد نجاحه في فك طلاسم علم البيانات “أخيراً” على حد قوله والقدرة على النقاش الواثق مع المتخصصين. أيضا تلقيت رسالة من أستاذة جامعية في ويلز ذكرت أنها من خلال الكبسولات وجدت التوليفة المناسبة لتدريس تحليل البيانات لطلاب ماجستير إدارة الأعمال. بعدها أرسل لي أحد الأشخاص مقترحاً تجميع الكبسولات في كتيب يصبح مرجعاً مبسطا لغير المتخصصين. كانت هذه الرسالة بمثابة جرس التنبيه الذي أعاد ذلك الحلم القديم فبدأت في تجميع القصاصات وتهذيبها حتى تصبح مناسبة ومتناسقة مع بعضها البعض.

صحيح أنني كنت ولا زلت معجبا بكتب تبسيط المفاهيم مثل سلسلة “For Dummies” إلا أن حجمها المتضخم نسبيا قد يصيب البعض بالكسل فتضعف رغبتهم في قراءة كتاب تتجاوز صفحاته المئة، فنحن نعيش في زمن فيديوهات التك توك القصيرة وكتابات وسائل التواصل الاجتماعي ذات الإيقاع السريع. إذن علينا فعل ما بوسعنا لإيصال العلم في قالب يواكب إيقاع الزمن المعاصر. عندها عزمت على إصدار سلسلة سميتها (Keep It Simple) تهدف لتبسيط المفاهيم على ألا يتجاوز عدد الصفحات الخمسين صفحة بأي حال من الأحوال كما حرصت على أن يحمل الكتاب اسم “كبسولات” لتثبيت مفهوم التبسيط فكانت البداية بكتاب (Data Analytics Capsules). الكتاب يخاطب فئتين من القراء:

الفئة الأولى تضم غير المتخصصين الذين يودون التعرف على المجال بصورة تشمل مفاهيمه الأساسية وآليات تطبيقه على المستويين التقني والإداري.

الفئة الثانية تشمل المتخصصين في علم البيانات نفسه. قد يبدو الأمر غريبا أن تطرح كتابا غاية في التبسيط ثم تستهدف به المتخصصين. غير أن المتخصصين يواجهون صعوبات كبيرة عند النقاش مع المديرين ورجال الأعمال لإقناعهم بفوائد تطبيقات علم البينات دون الغوص في التفاصيل التقنية التي تحجب الأخرين عن النقاش المجدي والفهم المتبادل. من ثم تظهر أهمية الكتاب في كونه يجعل أهل التخصص يتحدثون بلسان مبين سهل للآخرين.

يقع الكتيب في حدود الثلاثين صفحة مع عدد من الأشكال التوضيحية سهلة الفهم مما يجعله مدخلا يسيرا للجميع. كما يشتمل على نسخة إلكترونية وأخرى ورقية. ستشمل السلسلة إن شاء الله في إصداراتها القادمة مفاهيم ومجالات مختلفة مثل إدارة المعرفة والذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة وإدارة العمليات. كما أتمنى أن يسعفني الوقت في تقديم ذات المادة على هيئة فيديوهات قصيرة وجاذبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى