الرأي

مساهمة لتقييم ورشة الفترة الإنتقالية

من 19 إلى 24 يوليو 2022م

إعداد – إيهاب حسن الكاشف/ المحامي

في البدء نثمن لإعلان قوى الحرية والتغيير هذه المبادرة الشجاعة بأن عرضت جسمها لسهام النقد والتقييم كأول تحالف سياسي يخضع تجربته السياسية للمساءلة والمراجعة الذاتية في السودان، وذلك لتقويم تجربة مشاركته في الفترة الإنتقالية وللتعرف على الأخطاء الناجمة من آلية التحالف والممارسة والشراكة لتجاوزها على النحو الذي يؤسس لتطوير التجربة مستقبلاً وللإعتذار عن الأخطاء للشعب السوداني من جانب آخر.

وأيضاً لصحيفة الديمقراطي أن صار حلم التقييم والمراجعات على يديها حقيقة، فقد طال الإنتظار لحين يمتنع التاريخ أن يكرر فيه نفسه ويعيد إنتاج ذات الأخطاء لا لمرة واحدة بل لمرات ومرات تجاوزت دور المأساة إلى مرحلة المسخرة ، في يوم 19 يوليو هو اليوم الذي أرخ لدخول مفهوم التقييم إلى القاموس السياسي لوضع تجارب القوى السياسية المختلفة تحت مجهر النقد الذي يؤسس إلى مراجعات وإلى نقد ذاتي فما شاب التجمع الوطني الديمقراطي في 1985م إبان الديمقراطية الثالثة من ضعف وتشظي وعدم وجود قيادة موحدة، وهشاشة القوى الوطنية بالجيش وإقتصار دورها على الضغط على كبار القادة لإسقاط رأس النظام دون أن يجعلوا من أنفسهم البديل، إضافة إلى دور حركة قرنق في إضعاف النظام الديمقراطي هي ذات الأسباب التي أدت إلى إضعاف تجربة قوى الحرية والتغيير الأخيرة فقط إستعاضة حركة قرنق بالحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا للسلام تقريباً.

عليه تسطر ورشة تقييم الفترة الإنتقالية دخول مفاهيم التقييم الداخلي والخارجي والمراجعة والنقد الذاتي إلى القاموس السياسي السوداني فالمفهوم بمثابة الفيل الأبيض في الحجرة المظلمة وقارب النجاة الأخير للقوى السياسية لدولة ما بعد الإستقلال بالسودان والتي اكتملت دورتها التاريخية فعانى بعضها من السكتة الدماغية والبعض الآخر من الوفاة السريرية بينما ينتظر جزء منها تحرير شهادة الوفاة. فيمثل التقييم والمراجعة لتجاربها التاريخية وبرامجها السياسية وايديولوجياتها وخطابها السياسي … الأداة الوحيدة التي تمكنها من تجاوز أزمتها الوجودية وإجابتها على أسئلة الراهن الداخلي والإقليمي والدولي ومن ثم إستبصار المستقبل. فما أمام هذه القوى من طريق ثالث إلا التقييم الموضوعي أو تبوء مقعدها في متحف التاريخ السياسي.

من جانب آخر فترسيخ هذا المفهوم على المستوى العقل الجمعي السوداني سيؤدي بعد إطراده إلى إنتقاله إلى حقول مجاورة (الإقتصادية والثقافية والإجتماعية …) مما يؤدي إلى اصباغ المجتمع السوداني بروح التجديد والمبادرة والحيوية والنقد ويعقلِن مسار الدولة.

المقصد من هذه المساهمة هو التكامل مع الأوراق والتوصيات التي قدمت في ورشة تقييم الفترة الإنتقالية ومعالجة بعض ما بدأ لكاتب الورقة إنها نقاط مبهمة تحتاج لمزيد من الإجلاء والإيضاح حتى نصل إلى تقييم موضوعي يربط السبب بالنتيجة والعلة بالمعلول والكل بالتأثير المتبادل بينه وبين أجزاءه لتحالف قحت نفسه ولمكوناته ومن ثم لمشاركته في الفترة الإنتقالية وإستشراف آفاق مستقبلية للتحالف حتى بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية وإنتخاب الحكومة الديمقراطية.

بالإضافة إلى الإسهامات القيمة في عملية التقييم من الأوراق والمناقشين والحضور الكريم ترى الورقة ثمة مشكلتان تحولتا إلى إشكالية عند الممارسة أفرزتا القدر الأكبر من الإخفاقات التي شابت أداء قوى الحرية والتغيير في الفترة الإنتقالية تمثلتا في حالتي التشظي والإنقسام التي أصابت التحالف . وكذلك حالة الشراكة مع اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ فبتدأت الورقة بمناقشتهم.

أولاً: مشكلة الإنقسام والتشظي في التحالفات السياسية:-

تعاملت الورشة مع تحالف قوى الحرية والتغيير المشكل من قبل أجسام سياسية ونقابية ومنظمات مجتمعية كأنه معطى و مسلمة بديهية وكان الأمثل أن تقدم ورقة في الورشة حول الفلسفة أو الآلية التي تتبعها القوى السياسية السودانية تاريخياً وتأسس على إثرها تحالفاتها وعن طبيعة هذه القوى المتحالفة والتباين والتناقض الجوهري على مستوى الأيدولوجيا والبرامج … بين هذه القوى وأثره على التحالفات على النحو الذي يسمح لها بالإجابة على الأسئلة المتعلقة ببرنامج الحد الأدنى لهذه التحالفات.

وعلى اسئلة لماذا يتم إختزال التحالفات عملياً في أدنى حد هو راس النظام الدكتاتوري ؟؟ وأيضاً لماذا تفشل هذه التحالفات في بلورة رؤيا مشتركة تفضي إلى برنامج متفق عليه للفترات الإنتقالية ؟؟ ولماذا تقع الأجسام المكونة لهذه التحالفات بالتشظي والإنقسام لمجرد سقوط الدكتاتوريات؟؟.

ترى الورقة أن مكمن المشكلة وتناقضها عقب إزالة رأس النظام المنتفض عليه إنقسام القوى السياسية إلى قوى حديثة وأخرى تقليدية ترى الأخيرة نفسها من خلال قواعدها الإنتخابية وأدوارها التاريخية في الحركة الوطنية والإستقلال الوطني ، بينما ترى القوى الحديثة ذاتها من خلال قواها الحية الصانعة للحراك الثوري في النقابات والمؤسسات المدنية والأحزاب الحديثة ، وإلى تقسيم آخر يصنف الأحزاب إلى يمين ويسار من خلال موقفها من عملية التغيير الإجتماعي ، ومن ثم إلى تغيير جذري على مستوى جميع البنى ، الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية وإلى قوى تدعوا إلى التدرج والتمرحل في عملية التغيير وعدم حرق المراحل هذه الأخيرة متهمة من الجذريين بأنها قوى هبوط ناعم.

تتحول هذه المشكلة إلى إشكالية عقب إسقاط الدكتاتور بتحول التباين إلى تناقض جوهري لرؤية القوى الجذرية بأنها توظف كأداة للضغط للوصول إلى تفاهمات مع النظام السابق من قبل القوى التقليدية لإقتسام السلطة معه ، وبعد سقوطه يتحول التناقض بين القوتين إلى تناقض جوهري لرغبة القوى التقليدية في المحافظة على التركيبة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية السابقة وعدم المساس بها خشية على قواعدها الجماهيرية عكس القوى الأخرىالتي ترغب في إحداث تغييرات بنيوية. بينما تتهم القوى التقليدية القوى الحديثة (الجذرية) بإستغلال هامش الحريات للإضرابات واحداث الانقسامات في جسم التحالفات كوسيلة للضغط عليها.

عليه فالآثار السلبية الناتجة من هذا التناقض تفضي إلى صراعات تقود إلى حالة الإنقسام وإلى إضعاف التحالف وتعدم وجود قيادة موحدة له وذلك بسبب غياب الرؤية الموحدة بين القوتين لما بعد التغيير ولمآلاته، تؤسس للتنسيق على مستوى القضايا الوطنية ذات الإهتمام المشترك بينهما تقود إلى التوافق في حدود هذه المتفقات. وعدم ذلك يعني فشل عملية الإنتقال وفتح الباب على مصرعيه امام الإنقلابات العسكرية.

غالباً ما تسبق الحركة الجماهيرية المناهضة للنظم الدكتاتورية وحراكها الثوري القوى السياسية وتقديراتها بمدى صيرورة هذا الحراك إلى ثورة تغير النظام الدكتاتوري والشمولي. فتلجأ القوى السياسية أن تلحق بالحراك لتكوين تحالف مع النقابات والقوى المدنية الأخرى ومع ما يسمى بإنحياز القوات المسلحة للشارع الثائر (المكون العسكري) عند سقوط النظام، الأمر الذي يؤدي إلى إشتغال التحالف الجديد بالأحداث المتسارعة وإستحقاقات التفاوض على إقتسام السلطة مع العسكر وذلك على حساب البرامج والرؤى والخطط المفصلة لإدارة الفترة الإنتقالية وللآليات التي ترسخ وتوطد الديمقراطية الأمر الذي يؤسس لإزالة آثار وتمكين النظام السابق ويؤطر لديمقراطية مستدامة.

ما تقدم يشكل اجابة مختصرة لسؤال الإنقسام والتشظي الذي أصاب التحالفات السابقة والتحالف الحالي لقحت وتمثله في أدنى حد له (شعار تسقط بس).

لذلك ترى الورقة أن التنسيق والنقاش في القضايا الوطنية محل الإتفاق بين القوى الوطنية المتصارعة وتكوين جسم تنسيقي لمتابعة تنفيذ القضايا المتفق عليها قد يقود إلى تفاهم حول القضايا محل الإهتمام المشترك. بينما يستمر الحوار والنقد الموضوعيين حول المسائل المختلف عليها ، الأمر الذي قد يوسع من دائرة المسائل الوطنية المجمع عليها محدثاً بذلك توافقاً بين القوى السياسية مستقبلاً.

ثانياً: مشكلة الشراكة مع المكون العسكري:-

تعرضت مجمل الأوراق المقدمة في ورشة تقييم أداء إعلان قوى الحرية والتغيير في الفترة الإنتقالية إلى نتائج الشراكة مع المكون العسكري لحكم البلاد في الفترة الإنتقالية. ولم تطرح التساؤل حول ماهية الشراكة نفسها كسبب جوهري كان من الأسباب الرئيسية المعوقة لأداء قحت وحكومتيها في الفترة الإنتقالية ومن ثم إنقضاضه عليها بإنقلاب 25 اكتوبر 2021م.

الإستغراق في نتائج الشراكة والإغفال عن الأسباب عند التقييم للفترة الإنتقالية لن يقود إلى تقييم موضوعي بل إلى إنتاج ذات الشراكة وشكلها المشوه السابق. فما جدوى الشراكة مع لجنة أمنية لنظام عسكري قامت الثورة ضده ويتحمل بعض أعضائه جزء من تركة الإنقاذ وجرائمها؟؟ خاصة بعد أن تحول ميزان القوى لمصلحة قحت بفعل مليونيتي 30 يونيو 2019م ومليونية أربعينية شهداء مجزرة فض إعتصام القيادة العامة.

وكذلك لِما فات على قوى الحرية والتغيير أن هذا الشريك ما هو إلا الجناح العسكري للمؤتمر الوطني؟؟؟ كيف تخيلت قحت في مفارقة منطقية أن هذا الشريك العسكري يمكن أن يحل ويفكك التميكن السياسي والإقتصادي لتؤامه الشق المدني في حزب المؤتمر الوطني ومن ثم سوف يساعد وبحكم الشراكة طبعاً في الآتي على سبيل المثال ..

الكشف عن مرتكبي جريمة مجزرة فض الإعتصام.

تقديم مرتكبي جرائم دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية.

إنجاز ملف العدالة الإنتقالية.

إنجاز عمليات الإصلاح الأمني والعسكري.

السبب في رأي الورقة هو أن قوى الحرية والتغيير لم تكلف نفسها مشقة التفكير في طبيعة التنظيم المؤسس للحركة الإسلامية، حيث بوتقت الحركة الإسلامية عضويتها (مدنيين وعسكريين) في وعاء إسمه التنظيم صار لهم بمثابة شيخ الطريقة بالنسبة لمريديه يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه شكل هويتهم وحدد لهم حتى من يتزوجون فحصروا ولاءهم له وأغلظوا له الأيمان بعد أن فنوا فيه.

عليه وبحكم هذه البلورة السابقة ما هي توقعات قحت من الشراكة مع مكون لديه تحفظ إتجاه الدولة الوطنية ويشمئز من الديقراطية ويتقيا من مفردات الشيوعية والعلمانية والليبرالية …؟؟

– كذلك مثلت الشراكة إشكالية لتناقضها مع الرغبة في إخراج الجيش من العملية السياسية وعودته إلى ثكناته وحل المليشيات المسلحة وأداء مهامه الوطنية وفقاً للدستور عوضاً عن ذلك فإن الشراكة بين قحت والمكون العسكري قننت وأطرت لدخول الجيش للسياسة وذلك عبر الوثيقة الدستورية ونتج عن ذلك تغول المكون العسكري على ملف العلاقات الخارجية والسلام والإقتصاد وشرعنت لمزاولته للسياسة وفي الوقت عينه أرادت قحت منع العسكر من ممارسة السياسة وإحداث الإصلاح المؤسسي والأمني كأنما أرادت من العسكر أن يقوضوا نفوذهم السياسي الذي منحته لهم بأيديهم.

عليه ترى الورقة ان النتيجة الحتمية لهذه الشراكة كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إفشال الفترة الإنتقالية وعدم قيام المفوضيات والمؤسسات الدستورية وبقية هياكل الدولة ، وقادت حتى إلى إنقسام قحت إلى مجلس مركزي وميثاق.

الإستخلاص:-

ترى الورقة إعادة تقييم الشراكة مع المجلس العسكري على النحو السالف ذكره . والإقرار بخطئها يمكن أن يشكل نقطة ايجابية للتوافق السياسي مع القوى المناهضة لقحت ويقربها مع قوى الثورة الحية فيما يتعلق بالشراكة.

أ/ تقييم الأوراق المقدمة في الورشة: من حيث الشكل:-

أغلب الأوراق المقدمة في الورشة طغى عليها الطابع السردي وتم عرضها بطريقة تشبه تقارير الأداء والمهام الوظيفية وتعيذ الورقة ذلك للآتي:-

1. فشل قحت في تقديم رؤية ينبثق عنها برامج وخطط محددة لإدارة الفترة الإنتقالية وخير دليل على ذلك التناقض الصارخ على مستوى الطاقم الوزاري بين وزيري الصحة والمالية في الحكومة الأولى وذلك بسبب غلبة التكوين الفكري والايديولوجي للوزيرين ولعدم وجود خطة للحكومة لإدارة الدولة ففي الوقت الذي كان الوزير الأول ينحو لمجانية العلاج والدواء كانت فلسفة الوزير الأخير تميل لتحميل المريض تكاليف العلاج والدواء والسبب في ذلك غياب البرنامج لحكومة قحت.

2. عدم وجود خطة من قبل قحت على النحو الذي يُمكّن من وضع الورقة من تقييم الأداء عن طريق تحديد الإنجازات والإخفاقات وبعد ذلك المعوقات ووضع الحلول بعد معرفة اسباب الخلل كل ذلك لا يتم إلا بناء على الخطة الموضوعة والدراسات وآليات التنفيذ…

3. عملية التقييم الذاتي التي قامت قحت بإجرائها لا تمكن في العادة إلا من تقييم شخصي يكون مشوباً بالذاتية وعيوب النفس وتأثير البيئة وبذلك يقل فيه الحياد الموضوعي.

التوصية:-

1/ إجراء تقييم خارجي لتجربة قوى الحرية والتغيير عن طريق مراكز بحوث ودراسات متخصصة وشخصيات مؤهلة ومستقلة.

2/ ضرورة إهتمام قوى الحرية والتغيير بتدريب وتأهيل كادرها على المهام الإدارية والوظيفية.

3/ أن يخضع جميع الكادر إلى معيار الجدارة المؤسسة على الكفاءة والنزاهة عن طريق إخضاع هذا الكادر للإمتحانات للتعيين والترقي والتدرج بالسلم الوظيفي والقيادي بعد ذلك.

ب/ تقييم الأوراق المقدمة في الورشة: من حيث الموضوع:-

أولاً: ورقة السلام:-

أثارت ورقة السلام المقدمة من ضمن محاور ورشة تقييم الفترة الإنتقالية إشكالية الهيكلة التي أحدثتها القوى الموقعة لإتفاقية سلام جوبا مع المكون العسكري وتغييرها ميزان القوى لمصلحة الأخير وما انتج لاحاقاً من انقسام داخل تحالف قحت بين مجلس مركزي وميثاق دعم فيه الأخير الخيار الإنقلابي للمكون العسكري في 25 أكتوبر 2021م بالرغم من أن هذه القوى (حركات سلام جوبا) كانت من ضمن قوى نداء السودان وهو أحد الأجسام الرئيسية المكونة لتحالف إعلان قوى الحرية والتغيير. فما هو السبب في تغيير هذا التوازن لمصلحة المكون العسكري عوضاً عن قوى قحت التي كانت متحالفة معها سابقاً؟؟ وهل قدمت قحت هذه القوى على طبق من ذهب للمكون العسكري؟؟ عندما تنصلت عن إتفاقها مع هذه القوى والذي تم بينهما في أديس ابابا وكان مفترض أن يضمن في الوثيقة الدستورية وبرعاية الوسيط الأفريقي (ود لباد) للتقريب بين الطرفين؟

فما مدى منطقية اسباب رفض المجلس المركزي لقحت لهذا الإتفاق؟؟ وهل بالإمكان الإستخلاص بأن هذا الدلال السياسي الذي تم من قبل المكون العسكري لقوى سلام جوبا والتماهي معه ما هو إلا رد فعل من هذه القوى التي تنصلت قحت من إتفاقها معها خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن المكون العسكري وافق على الإتفاق في حين جاءت مفاجأة النكوص من قبل المجلس المركزي لقحت؟؟؟.

تقترح الورقة:-

إعادة قراءة وتقييم العلاقة بين قحت والحركات الموقعة على إتفاقية سلام جوبا على ضوء ما سبق ذكره. ومن جانب آخر التحقق عن مدى تشكل الديمقراطية كنظام للحكم واساس للتداول السلمي للسلطة في عقيدة هذه الحركات المسلحة.

ثانياً: الورقة الإقتصادية:-

أوضحت هذه الورقة حالة التعارض والإختلاف داخل قحت نفسها بسبب عدم الأخذ بتوصيات المؤتمر الإقتصادي. والإجراءات التي قام بها السيد مقدم الورقة بغض النظر إذا ما كان نعتها بإجراءات الترشيد الإقتصادي أو إلغاء الدعم الإقتصادي . فقد طرحت من الأسئلة أكثر من الأجوبة التي قدمتها فاتسمت بالطابع السجالي على النحو الذي يصعب معه إستخلاص توصيات من الورقة ومن النقاش الذي دار حولها للإختلاف الجوهري بين الآراء والذي قد يقود مستقبلاً إلى إنقسام آخر داخل تحالف قحت الذي أجله إنقلاب البرهان.

لكن حقيق على المرء التساؤل عن عدم تعريف الديمقراطية الإجتماعية المراد تطبيقها وكيف تقود الإجراءات التي قام بها السيد مقدم الورقة إلى تحقيقها؟؟ وكيف يمكن التجاور بين مفهوم الديمقراطية الإجتماعية وسياسات التكيف الهيكلي الخاصة بعدم تدخل الدولة في العملية الإقتصادية اللهم إلا في عدم الإحتكار وضمان المنافسة الحرة؟؟ وكيف يمكن أن نفهم ذلك بعد الإعتراض على قيام لجنة الطواريء الإقتصادية؟؟؟ وهل يمكن قيام ديمقراطية إجتماعية بدون تدخل الدولة؟؟؟.

كما لم تجب الورقة عن الكيفية التي تتحقق بها إجراءات إصلاح الإقتصاد الكلي ونسبة 82% من هذا الإقتصاد غير خاضع لإشراف وزارة المالية (إقتصاد موازي، شركات الجيش والأمن والدعم السريع)؟؟ كذلك لم تجب الورقة على مسؤولية إجراءات رفع الدعم أو ترشيده عن عدم إستقرار نظام الحكم في السودان بشقيه المدني والعسكري نتيجة لفداحة الإجراءات ولمسؤوليتها في عدم ترسيخ الديمقراطية في البلاد وتوطينها ؟؟ وكذلك عن الآثار السلبية الإجتماعية والسياسية لهذه الإجراءات الإقتصادية؟؟ ولماذا يأخذ الحراك السياسي الثوري تقريباً ومنذ 1978م طابعاً مطلبياً نتيجة لغلاء المعيشة بدلاً عن المطالبة بالحقوق والحريات العامة والديمقراطية؟؟ .

وأخيراً بالنسبة للقوى السياسية التي تتبنى في برامجها هذه السياسات الإقتصادية للورقة ألا تخشى على جماهيرها من التآكل على الأمد المتوسط والبعيد خاصة وأن السواد الأعظم من هذه الجماهير يقع في القطاع الريفي المهمش تاريخياً والأكثر تضرراً من هذه السياسات ومن التنمية الغير متوازنة والحروب والمجاعات وشح الخدمات. خاصة إذا وضعنا في الحسبان ان الحركات المسلحة استقطبت نسبة لا يستهان بها من هذه الجماهير ؟؟؟.

التوصية:-

عليه تلتمس الورقة إقامة ورشة إقتصادية خاصة بالملف الإقتصادي للوصول لتوافق حول الرؤية الإقتصادية لقوى الحرية والتغيير على النحو الذي يمكنها من إستخلاص برنامج إقتصادي متفق عليه للفترة الإنتقالية وما بعدها.

ثالثاً: ورقة الإصلاح الأمني والعسكري:-

نهدف في هذه الجزئية لتكملة الآراء والتعليقات القيمة التي قدمتها الورقة إضافة إلى المناقشين والحضور الكريم وذلك عبر تقسيم الإصلاح الأمني والعسكري وعلى فترتين:-

(أ) الفترة الإنتقالية الديمقراطية:-

1. عملية الإنتقال الديمقراطي من حيث المبدأ يجب أن ننوه إلى أن مصطلح الإنتقال الديمقراطي يشوبه الغموض والإلتباس وليس كل إنتقال من نظام دكتاتوري سيؤول حتماً إلى نظام ديقراطي فقد يكون البديل ديمقراطية شكلية أو دكتاتورية أشد وطأة من سابقتها.

2. عملية الإصلاح المؤسسي الأمني والعسكري يجب أن تسبقها رؤية واضحة من قحت وخطة محددة المعالم ويجب أن تشمل عملية إصلاح المدنيين أنفسهم مع المؤسسة العسكرية.

3. ديمقراطية القوى والمؤسسات المدنية: نعني بهذه الجزئية توطين الديمقراطية داخل الأحزاب والأجسام الأخرى لقحت وأن تبدأ عملية الإصلاح من إصلاح نظمها الداخلية مما يكفل التداول والتغيير على مستوى القيادة دون إنقسامات وبرامج مفصلة لعملها وسط الجماهير مما يعني عدم ركونها للوصول للسلطة عبر الإنقلابات العسكرية.

4. عملية الإصلاح داخل الجيش يقوم بها وزير الدفاع المدني الذي يعمل على تغيير المناهج القديمة وطرق التدريب والعقيدة العسكرية على أساس إحترام الدستور ، مع تبعية المؤسسة العسكرية للرئاسة المدنية ورفعه للكفاءة والقدرة العسكرية.

(ب) فترة الترسيخ الديمقراطي:-

وهي المرحلة الأهم والأكثر طولاً وهي بمثابة الجزء المخفي من الجبل في باطن الأرض وبالوصول إليها تكتمل عملية البناء الديمقراطي عندما تنغرس الديمقراطية في العقل الجمعي للشعب فتصبح خياره الأوحد لتداول السلطة الأمر الذي يعني إكتمال مشروع قيام الدولة الوطنية وتحقق شروط بناء الأمة السودانية ويتجلى ذلك في شرطين:-

1/ أن تصل القوى السياسية السودانية حكومة ومعارضة إلى قناعة راسخة أن الطريق الأوحد لتداول السلطة السلمي والصراع حولها هو إنتخابات حرة ونزيهة مقررة وفقاً لقوانين معدة سلفا يقبل الجميع بنتائجها.

2/ إنتفاء وجود أي جهاز أو مؤسسة أو شخص يمتلك حق الوصايا أو القوامة أو أن له حق الفيتو على العملية السياسية برمتها.

عليه تقترح الورقة الآتي فيما يتعلق بمنع المدنيين من تسييس المؤسسة العسكرية:-

1. سن قانون يمنع ويجرم العمل الحزبي في داخل المؤسسات العسكرية ويحدد آليات التعامل معها.

2. سن قانون يجرم مشاركة الأحزاب السياسية ومنسوبيها من مزاولة أي وظائف دستورية لدى أي نظام دكتاتوري سواء كان هذا النظام عسكرياً أو مدنياً.

3. ولأغراض عملية الترسيخ الديمقراطي يجب على قحت ابتداع آلية تتابع إجراءات الإصلاح المؤسسي المدني والعسكري بعد نهاية الفقرة الإنتقالية وتولي الحكومات المدنية المنتخبة لمقاليد الحكم.

الأحزاب السياسية وعملية التقييم:-

تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير كمحصلة نهائية هو مجموع الأحزاب والقوى المكونة له ، وعندما تدخل هذه القوى في تحالفات فإنها تستصحب معها كل أزماتها الذاتية المتثملة في القيادة المفتتة والتأييد الجماهيري المتآكل بسبب ضعف أو عدم وجود برامج تلبي رغبات جماهيرها وضعف بناءها التنظيمي ، لغياب الديمقراطية الداخلية بالإضافة إلى أزماتها الموضوعية بحكم النظم العسكرية…

بداهة تسري عدوى كل هذه الأمراض في جسد التحالفات. ذلك سبب من اسباب الأزمة الوطنية الشاملة التي أصابت كل مؤسسات وأجهزة الدولة السودانية على النحو الذي ينذر بفناء الدولة ذاتها ونهاية حقبة ما بعد الإستقلال. عليه فازمة تحالف قحت في الأصل هي أزمة الأجسام والأحزاب المكونة له ومن ثم فإن النتيجة المتحصل عليها من عملية تقييم الورشة ستطال المكون (تحالف قحت) لا مكوناته التي ستظل في منأ عن عملية التقييم الداخلي فكان يجب أن يشمل التقييم أدائها بقدر مساهمتها وأدوارها في التحالف وحكومته. فإذا لم تنتقل عملية التقييم خاصة الخارجي إلى مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير خاصة أحزابها السياسية فإن ذلك يعني قصور الورشة وعدم موضوعية الأهداف المرادة من قيامها والنتائج المتحصل عليها ، فتكون قد كشفت عن مصدر الأزمة وهو الضعف والتشظي والفشل الذي اصاب التحالف لا جوهرها وهو أزمة أحزابها المؤمنة من التقييم والنقد وذلك لتركيز عملية التقييم على التحالف لا لمكوناته. فإذا لم تقم الأحزاب والأجسام المكونة لتحالف قحت بإجراء عملية تقييم شفافة وموضوعية لتجاربها التاريخية وتحالفاتها السابقة والحالية فسوف يطالها الإتهام بالتدليس السياسي بإعتبارها قد نقلت اللوم لتحالف قحت وحملته كل أوزارها وإخفاقاتها المزمنة وخرجت من عدم المسائلة والمراجعة والنقد ذي الشعرة من العجين.

التوصية:-

1/ إجراء عملية تقييم خارجي للفترة الإنتقالية من قبل مراكز بحوث ودراسات متخصصة.

2/ تلتزم الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى الموقعة على تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير بإجراء عملية تقييم (تقييم خارجي) تضع فيها تجاربها تحت دائرة المراجعة والنقد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى