الرأي

بين القبيلة والدولة والحكومة الجديدة

(١)
• العودة إلى القبائل للحماية هو أخطر نكوص للمجتمع السوداني، وربما بما تمثله هذه العودة من خطر؛ يمكن اعتبارها أكبر أخطار المرحلة الانتقالية، فهي تجعل القبيلة في مقابل الدولة، وتلغي سيرورة التطور التي أدت إلى تكوين مجتمعات داخل أنساق جديدة غير القبيلة؛ الحزب، والقانون، والأقسام الإدارية نفسها للدولة، بحيث يمثل العودة إلى القبيلة تراجعاً مخيفاً ويبدو كجرس إنذار عالٍ لتصدُّع الدولة نفسها؛ كنظام لا يثق فيه من يلجأون إلى القبيلة.
• لا تبدو هذه العودة بعيدة طبعاً عن الاستخدام السياسي، أي أنها ليست خطوات ذعر تلقائية تقوم بها جماعات أو أفراد، ولكنها خطوات يقوم بها تنظيم يلعب ببيضة الهشاشة الحية للمكونات الاجتماعية وحجر الانتقال، لذا تبدو الخطورة في أن نشوب مواجهات من أي شكل بين مكونات اجتماعية تتحدى قرارات الدولة وأجهزة الدولة؛ ستكون نتيجتها حرب أهلية طاحنة، أو يضحي فرض البعض لرؤيتهم وقراراتهم مثالاً جيداً لاستخدام القبيلة في الصراعات السياسية والهروب من إنفاذ القانون عبر وسائله المعروفة.
• الجلوس إلى المكونات الاجتماعية وإقناعهم بضرورة وجود الملفات القضائية بعيداً عن الاستخدام المضر للتحشيد القبلي، لأنه يعجل باحتكاكات تكون نتائجها كارثية، فما دخل فقراء بسطاء يرتدون أسمالاً ممزقة؛ تتهددهم الفاقة والأمراض والأوبئة وفقر الدم؛ بالحسابات البنكية لأحد قادة الإنقاذ، ولماذا يصبح فجأة واحداً منهم؛ لا قيادياً في تنظيم سياسي له عضوية من قبائل مختلفة، لماذا يتقدمون هم للدفاع عنه وتعريض حيواتهم للخطر من أجل انتمائه القبلي لا السياسي.
• على التحالف السياسي والسلطة الانتقالية النظر إلى مثل هذه التوجهات الجديدة كمؤشرات لشيء خطير قادم، والتعامل معها بما تستحق من حكمة ودربة وعصف ذهني لإنقاذ البلاد من تمزقٍ يُراد له الحدوث بشتى السبل من جهات كثيرة.
(٢)
• إذا لم يشعر المواطن بأن هدف الحكومة الجديدة هو رفع الأعباء الثقيلة التي وضعها الانتقال على كتفه؛ فإنه لن يأبه بالأسماء التي فيها ولا الأحزاب والحركات التي تمثلها وسيخرج للإطاحة بها، هذا ما على القوى السياسية والحكومة التنفيذية فهمه؛ والعمل على فك شفرة الانهيار المتسارع في شتى المناحي ومعالجته.
(٣)
• زاد الشجون ليست أغنية؛ إنها نزيف الحجر وشهوة الوجود ليدٍ حانيةٍ تربّت على القلب، إنها الحتميات تترتب على مهل الموسيقى الموجعة، وقد جعلت منها عبقرية الباشكاتب سُلماً تعتليه أرواحنا كلما أوجعنا الوقت والحياة وحاصرتنا الإجراءات في مكمن ضعف.
• ولو لم ينتج الغناء السوداني غيرها لكفتنا، ولو لم نسمع شيئاً غيرها لأشبعت موسيقاها توقنا، ورتبت كلماتها أيامنا العجلى؛ فكأن كلمات فضل الله محمد الرقيقة الدقيقة ــ التي كأنها الينبوع ــ تتجدد تلقائياً كل حفلة، وكل مرة تُغنى فيها.
• هنالك أغنيات تعادل إنتاج مشاريع تنموية ضخمة، وزاد الشجون واحدة منها؛ ولعل كلمات النص الغنائي الرقيقة والمحملة بالعاطفة العظيمة والشجن الغريب؛ ومصادفتها لعبقرية محمد الأمين الموسيقية وحساسيته الفنية العالية وتطريبه الرفيع جعلت منها إحدى علاماتنا البارزة في مسيرة الغناء السوداني العظيمة.
ماهو باين في العيون
وين حنهرب منو وين
الهوى البعث الليالي
العامرة بي زاد الشجون
يفتح قلوبنا ديار محبة
ديار حياة للعائدين
ما بنقاوم وكيف حنقدر
ووين حنهرب منه وين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى