الرأي

أزمة  الكهرباء والتفكير داخل الصندوق

قمة الشقاء والتعاسة واليأس والإحباط تعيشه الخرطوم هذه الأيام بسبب قطوعات الكهرباء التي وصلت إلى  12ساعة في اليوم وأحياناً أكثر، وقد تسبب الأمر في شلل تام على مستوى الدولة والمواطنين، فلا شيء ينقضي بلا كهرباء، حتى المياه لا تصل إلى المنازل في ظل انقطاع الكهرباء، والدنيا صيف ورمضان تبقى له يومان فقط، ولا أصدق أن الأمر ليس له حل، فالوزير السابق عادل إبراهيم تمكن من المحافظة على الإمداد بشكل جيد حتى غادر، وحتى في الشهور التي كان يسد الوكيل محله، الآن لم يتغير شيء غير أن جاء الوزير الحالي الذي أشقى الناس أيما شقاء بسبب فشله في تحقيق استقرار الإمداد الكهربائي، ولا أصدق أن الأمر ليس له حل، ولكن المشكلة أن الوزير يفكر داخل الصندوق.
حقيقية قطوعات هذه الأيام لم نعشها أبداً من قبل، حتى في ظل النظام المخلوع، الذي كان يجيد توفير الكهرباء بشكل أفضل رغم كثرة القطوعات، ولدية مقدرة عجيبة في معالجة الأمور بطريقة رزق اليوم باليوم، و(اللتيك) الذي هو إستراتيجيته المفضلة لمعالجة الأزمات التي توفر له مساحات عريضة للنهب والمحافظة على إبقاء الشعب يعيش في مستوى ثابت من الشقاء الذي يلهيه عن الانتباه له، ولذلك لم يترك بنية تحتية يمكن أن تبني عليها الحكومة الحالية أو تصلح دون أن تبدأ من نقطة الصفر، ولكن المطلوب منها إيجاد حل جديد وسريع ومبتكر، وهو ممكن إذا كان وزير الطاقة من النوع الذي يفكر خارج الصندوق أو يستمع إلى أفكار الناصحين  .
قبل يومين استقال وكيل وزارة الطاقة خيري عبد الرحمن احتجاجاً على ما قال إنه تأزم وضع قطاع الكهرباء ولجوء إدارتها إلى جدولة القطوعات بسبب نقص ألف ميقاواط، وأن هذه الخطوة تؤدي إلى تعاظم الأزمة الناتجة عن القطوعات المبرمجة حيث تؤدي لأن يخسر قطاع الكهرباء من دخله قيمة انقطاع ٥٠٪ من الكهرباء من فترة التخفيف، وعليه فهي تفقدها دخلاً كبيراً، هذا غير أن القطوعات تضاعف من تكلفة التشغيل لأنها تزيد الحاجة إلى إسبيرات جديدة كالمفاتيح والمحولات، وقال إن الحكومة تملك فرصة حل الأزمة، وهذا يؤكد أن المشكلة في الوزير ولا أعتقد إن أتى بحلول مبتكرة ستمنعه .
المؤسف أنه رغم هذه القطوعات التي أرهقت المواطنين وأشقتهم، لم يخرج وزير الطاقة ليوضح الأسباب ويعتذر ويكشف عن خطته للحل، وهل هو قريب أم بعيد؟ وما حقيقية الشائعات الكثيرة التي تتحدث عن مستقبل مرعب للكهرباء وعن أسوأ السيناريوهات في رمضان؟ ثم يطمئنهم مثل كل عام، ويبشرهم بأن رمضان سيشهد استقراراً؟ وإن كان غير ممكن فليتحدث بصراحة وشفافية، ولكن أن يلتزم الصمت فهذا سلوك غير مقبول من وزير أتت به ثورة ترفض سلوك النظام المخلوع الذي يتميز بعدم الشفافية وتجاه المواطن الذي يعيش الأزمة.
رغم أن مشكلة الكهرباء ليست جديدة، إلا أنها لم تصل إلى المرحلة الحالية، وبما أنها العام الماضي كانت مستقرة إلى حد كبير، فهذا يؤكد أن الحلول متوفرة والمشكلة إنما في الوزير الحالي الذي أكد أنه لا يفكر بشكل إبداعي وابتكاري، بل أظنه لا يفكر، ولا يستمع إلى من يفكر، وعليه فهو دولة عميقة ويشبه وزراء النظام المخلوع، إن لم يكن منهم، ولا غرابة فالمحاصصات لا تأتي إلا بهكذا مسئولين تفكيرهم لا يخرج من الصندوق أبداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى