الرأي

السيسي وبرطم وتحدي الملل!

منعم سليمان

الفراغ حيز من الفضاء فارغ من المادة، ضغطه أقل من الضغطِ الجوي ويمكن أن يمتلئ بالجُسيمات الافتراضية.

هذا هو التفسير الفيزيائي للفراغ، وحال استعرناه لتفسيرِ الفضاء السياسي الحالي في بلادنا، لوجدناه ينطبق تماماً على حالِ (ق.ح.ت)، التي ولأسبابٍ يطول شرحها، بعضها يتعلق بتركيبتها وطبيعة تكوينها، وأكثرها بفعل “فاعل”، قد أحدثت فراغاً سياسياً هائلاً، كان أقل من تطلعات الشارع، فأغرت هذه الحالة بعضِ الجُسيمات الافتراضية على ملء هذا الفراغ!

وها هي الجسيمات تخترق فضاءنا السياسي عبر ما يُسمى بـ”قوى البرنامج الوطني” وهي بضعة أحزاب كرتونية صنعها جهاز أمن النظام البائد، لإخفاء وجه النظام الديكتاتوري من خلال انتحال شخصية النظام التعددي، وقد أعلنت هذه الجسيمات عن نفسها أمس، في محفل حضرهِ لفيف مِن الصحافيين والخسيسين والوضيعين وبعض التابعين غير أولي الإربة؛ في استدعاءٍ صارخٍ وفاضح لعورةِ (الوثبة) القبيحة!

لم يعرِف التاريخ السياسي في بلادنا في كلِ حقبهِ؛ سياسيين ينِزون صفاقة ووقاحة ويفوحون تبلداً؛ مثل فلول العهد البائد، الذين – فرط تبلدهم- صاروا لا يرون بُغض وكراهية الناس لهم، ولا يحسون بالمياه الكثيرة التي جرت تحت جسر الثورة، وما أحدثته من تغييرٍ في الفِكر السياسي القديم، وما أفرزته من تكوين عسكري جديد، بل وعجزوا عن رؤية الفاعلين الجدد في الساحتين السياسية والعسكرية بعد الاتفاقيات التي شهدتها الساحة السياسية مؤخراً، والتي تمخضت عن سلام كامل وعفو شامل – وكل من شهِد بدراً غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلا التيجاني السيسي!

ولمن لا يعرف (تيجاني) الذي كان يترأس اجتماع تدشين منصة الفلول أمس، أحكي له قصة عن الكاتبة والأديبة المصرية المخضرمة “صافيناز كاظم”، وهي بالمناسبة زوجة الشاعر الألمعي الكبير أحمد فؤاد نجم، وهو هرم كبير من اهرامات مصر وتاريخها لا يحتاج إلى تعريف، وقد كان مُحبّاً للسودان والسودانيين، وتشرفت بصداقته كثيراً ونهلت من مجالسته ومؤانسته وامتلأت بقفشاته الفكهة الذكية، والحديث عن “عم نجم” رحمه الله، يطول، وأنا لا أزهد في الحديث عن سيرة الأبطال.

وأعود لقصة زوجته الفاضلة والتي عندما سُئِلت في أحد البرامج عن رأيها في الفنانة الكوميدية “سهير البابلي”، قالت بجرأتها المعروفة: هي فنانة عظيمة وانسانة حماره، كذلك أقول عن التيجاني السيسي: هو شخص محترم إنسانياً ومنحط سياسياً!

ولا شك أنني قصدت الحديث عنه، دون رفيقه الآخر أبو القاسم بُرطم، الذي كان يجلس على شماله بالمنصةِ، لأننا مهما اختلفنا مع التيجاني السيسي، فإن ذلك لا يمنعنا من ذكر قيمه ومحاسنه السالفة، ولكن ماذا أقول عن “بُرطم”، فهو شخص بلا أي قيمة فكرية أو سياسية؛ وقد أنفق كل عمرِهِ من أجل أن تكون له قيمة بين الناس، ولم يفلح، وقد برز اسمه في العهد البائد عندما جيئ به إلى “برلمانهم” الشكلي غير الموقر؛ بغرض تسطيح المشهد السياسي وابتذاله، في إطار استخدامه وأمثاله الكثر كقطع اسفنج لامتصاص الغضب الشعبي، وقد نجح في ذلك بامتياز، فصار عنواناً للتسطيح ورمزاً للضحالة!.

عود على بدء، تنتهي النظرية الفيزيائية بالتأكيد على أن الجسيمات الافتراضية تتلاشي عندما يمتلئ الفراغ، وعلى تحالف (ق.ح.ت) أن يتحدى الصعاب ويملأ الفراغ الذي صار ساحة يتحدى فيها الفلول الملل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى