الرأي

الإدارة الأهلية (الوجه الآخر)..!

بما أن (زمن الغتغتة والدسديس) إنتهى كما قال حميدتي، وأيضاً من أجل الخروج من دائرة (المُجاملات) ومُداراة الحقائق لمُجرَّد (إرضاء) أفراد على حساب وطن وأُمة، وجب أن نُلفت إنتباه الساسة والحُكماء وعامة الشعب السوداني إلى أن النظارات والإدارات الأهلية في السودان هي مرحلة من مراحل (تخلُّف إدارة الدولة)، وأنها في حال كان السودان قد نال حقهُ ممن حكموه وأشرفوا على نمائه ووثبتهِ بحسب ما كان يتمنَّى الحادبون على مصلحته ومصلحة شعبه، لكنا قد (تجاوزنا) شأننا شأن الدول المحترمة التي نالت إستقلالها بعدنا ما نسميه الآن الإدارة الأهلية والنظارات القبلية، فعلم الإدارة اللامركزية في البلاد التي طورَّت من منظومتها الحاكمة في شتى القطاعات، لا يعترف في هيكلهِ بأيي شكل من أشكال الحُكم الأهلي (الموازي) للدولة إلا عبر التمثيل الإنتخابي الذي يقرهُ الدستور ويُحدِّد فيه حقوق وواجبات النائب الذي لا يُشترط في جميع الأحوال إنتماءه الجغرافي أو العرقي أو القبلي للمنطقة المعنية، كما أنه في نهاية الأمر يُعتبر (ممثل سياسي) أكثر من كونهُ ذراع تنفيذي، وعلينا أن نعلم ونُقر أن هذا النفوذ المُصطنع للإدارة الأهلية والنظارات القبلية الذي ينشط في وقائعنا السياسية هذه الأيام ليس سوى وجه واضح وحاد المعالم لمستوى (تخلُّف) وهزالة النظام السياسي والإداري للدولة السودانية.
وأصدق دليل على ما ذُكر سابقاً أن رجالات الإدارة الأهلية (الحقيقيون والمزيفون) ، لم ينشطوا إلا في سنوات ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة، لأن إرهاصات تكوين الدولة المدنية تُعتبر بمثابة جنين يتكوَّن في رحم التجربة السياسية المليئة بالتناقضات وضعف الخبرات وكذلك العميق من المؤامرات التي يُحيكها فلول النظام البائد لوضع العراقيل أمام التحوُّل الديمقراطي، وقد إستخدموا في ذلك شتى الأدوات القميئة بدايةً بزعزعة الأمن الإقتصادي والإجتماعي وإفتعال الأزمات في الضروريات الحياتية للمواطنيين ، ونهايةً بإستغلال رجالات الإدارة الأهلية والنُظار، والذين بدون حياء ولا مُجاملة علينا أن نعترف بأنهم الأقل علماً وكفاءةً وخبرةً ونزاهةً ووعياً بما يدور في بواطن الصراع السياسي، وقد كانوا ومنذ أمدٍ بعيد مًجرَّد (موالين) و(خاضعين) لمن يحكم ويستلم زمام الأمور، طبعاً كل ذلك لا يخرج بأية حالٍ من الأحوال عن خوض بعضهم أو الكثيرمنهم في مُستنقع الفساد والإرتشاء لتجيير آرائهم السياسية لصالح الحكومات والنافذين.
وللحقيقية فإن بعض رجالات الإدارة الأهلية ونُظار القبائل، قد قدَموا ولاءهم للحكومات مقابل قيامها بمشاريع تنموية وخدمية في مناطقهم، ولكن ذلك أيضاً لا يُخرجهم من دائرة الوقوع في مستنقع (الإرتشاء) فالتنمية في دولة القانون والحريات والعدالة لا (تُمنح) نظير ولاء ولكنها (حقٌ) واجب الأداء تقدمهُ الدولة المركزية أو اللامركزية لشتى أقاليم وبقاع السودان بلا منٍ ولا أذى، ولا مطالبة من نظامٍ حاكم بتأييد هذا أو ذاك من قياداتها وزعامتها الذين ومن باب شر البلية ما يُضحك لم تنتخبهم أو تختارهم مجتمعاتهم ، وفي أغلب الأحيان حازوا على ما هُم عليه من ألقاب بمجرَّد التوارث التاريخي لأسلافٍ مضوا إلى حال سبيلهم.
الإدارة الأهلية هي إسلوب من أساليب (الوكالة الإدارية والقانونية) التي لجأ إليها الإنجليز إبان الإستعمار لإحكام قبضتهم على البوادي والمناطق النائية بأقل تكلفة، ولكن بعد ما يقارب الـ سبعين عاماً من الإستقلال، وبعد كل هذا الفشل الذريع الذي أصاب بلادنا في شتى المجالات، وجب علينا وعلى حكومة الثورة القادمة أن تتعامل (بعزمٍ وحزم) مع مخاطر (الترهٌّل الإداري والسياسي والقانوني والأمني) الذي تنتجهُ (سطوة) الإدارة الأهلية التي أحياها فلول الإنقاذ البائدة لإستعمالها كسلاح يطعن في خاصرة التحوُّل الديمقراطي وتشييد دولة القانون والعدالة والتنمية المُستدامة، ندعو أن يعود نظام الحُكم المحلي اللامركزي، كما ندعو إلى إعادة تأهيل قطاع الضُباط الإداريين لبسط نفوذ الدولة إدارياً وقانونياً وبالتالي إغلاق الباب على كُلِ من تسوِّل له نفسهُ (إستغلال) الهشاشة الأمنية والإدارية والسياسية التي تُعانيها البلاد حالياً، ومن ثم جر البلاد والعباد إلى مراحل من التخلُّف ظننا بأنا قد تجاوزناها منذ عقود، كل أوجُه التعبير عن المطالب التنموية المناطقية لا يستقيم أمر تبنيها إلى عبر إنتخاب برلماني، وكل أوجُه التعبير السياسي والفكري والآيدلوجي لا يستقيم أمر تبنيها والتصدي لها في سجال مع الحكومة إلا عبر (حزب سياسي) أو مقعد مُستقل في برلمان مُنتخب، وكل أوجُه الخطاب العرقي والقبلي مرفوضة إلا في نطاق المُساهمة في إثراء المركز الثقافي العام للدولة السودانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى