الرأي

تفكيك التمكين في ولاية نهر النيل .. صُراخ الفلول

لؤي قور
انفتحت شهية الفلول للابتزاز وافتعال الأزمات، وشن الحملات المكثفة على شخصيات عامة تتبوأ مناصب هامة في عهد الانتقال. بعد أن نجحوا في تحويل تعيين والي ولاية كسلا – وهو شأن الحرية والتغيير بنص الوثيقة الدستورية – إلى شأن قبلي!! وتمكنوا من فرض أجندتهم على حكومة الثورة عن طريق التهديد بإشعال حرب أهلية إثنية في المنطقة، وهو ما رضخ له رئيس الوزراء في سعيه لاسترضاء إدارات أهلية لا تزال تجاهر بانتمائها للمؤتمر الوطني المباد!! ونجح الفلول كذلك في حمل رئيس المركز القومي للمناهج على الاستقالة، وإدخال “الإخوان” كطرف في لجنة جديدة لصياغة المناهج الدراسية بأمر رئيس الوزراء، في استجابة متعجلة لحملة معادية للرجل على وسائط التواصل. ونجحوا في إذكاء الصراعات في دارفور، ومنحها الطابع الإثني، استهداء بتجربتهم في شرق السودان. واليوم تنفتح شهية الفلول للمزيد من إضعاف حكومة الثورة والفترة الانتقالية، سعيا لإسقاطها. فمضوا يُطالبون بإقالة واليتي نهر النيل والشمالية، وبحجج ومزاعم تفضح انتمائهم لذلك التنظيم المعادي، بعد أن اقتلعه السودانيون من سُدة الحكم اقتلاعا.
وجدت والية ولاية نهر النيل “د. آمنة الفكي” معارضة كبيرة من الفلول حال تعيينها، نظرا لأهمية الولاية بالنسبة لهم، كونها من الولايات التي تتمتع بالموارد من خلال وجود مصانع الأسمنت، ومربعات تعدين الذهب ضمن حدودها. فهي أكثر الولايات فسادا في العهد البائد نتيجة تكالب الفاسدين من رموز النظام السابق، عليها ضمن اعتداءاتهم المشهودة على المال العام. فكان فقدهم فيها كبيراً بعد اندلاع الثورة، وتعيين والية من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير. وعقب تعيينها مُباشرة أعلنت الوالية في مؤتمر صحفي أن من أولى أولوياتها تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو. ولما كان فساد الإخوان ضاربا بجذوره في الولاية، فقد أخاف ذكر “إزالة التمكين” الفلول، ونظموا حملة كبيرة لإقالتها استعانة بعسكريين محليين، وبزعم رفض المجتمع المحلي لإمرأة تُعين حاكماً للولاية!! على الرغم من أن ما نفاخر به من كنداكات حكمن السودان، وامتد حكمهن حتى سيناء المصرية كان من مناطق شمال السودان، وكان ذلك قبل سنوات من ميلاد المسيح. لكن الفلول أرادوا للردة التي أرستها سنوات حكمهم البئيسة بشأن المرأة أن تستمر كدرع يقيهم شر التفكيك، وإعادة الحقوق إلى أهلها، ومُحاكمة من استولوا على مقدرات البلاد، فأكثروا فيها الفساد. واليوم يوجع مبضع إزالة التمكين الفلول حين تم تفعيله في الولاية، ليضع أغلبهم تحت المساءلة، ويحرمهم مما جنوه من ثروات بفضل السرقة.
ظهر للعيان تنظيم لم يسمع به أحد من قبل باسم “نداء الشمال وتحالف الولايات”، تقدم برسالة لرئيس الوزراء مطالباً فيها بتغيير واليتي ولايتي نهر النيل والشمالية، ومعربين عن “قلق” و”مخاوف” ومهددين بما يمكن أن يقود إليه “احتقان اجتماعي وسياسي”، نتيجة “لانعدام القيادة وضعف الواليتين”. ومُهددين “صراحة” بـ”انفلات أمني ومواجهات إثنية” بين مكونات المجتمعات.
وعلى إثر ذلك بالإضافة لتحركات الفلول على الأرض فقد أصدرت لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير بمحلية شندي بيانا مشتركاً، أوردت فيه أنه وبعد اعتقال لجنة تفكيك التمكين لأحد رموزالنظام البائد بالولاية، قامت مجموعة بتصوير الأمر على أنه استهداف قبلي، وأغلقت الطُرق المؤدية إلى الخرطوم، وشندي، وعطبرة. وحولت الأمر إلى اعتصام يطالب بإقالة والية الولاية لكونها امرأة!! بالإضافة لمطالبتهم بحضور “عسكريين” لمخاطبة الاعتصام. وهي حيل الفلول المُجربة في عدد من المناطق، والتي أفشلها الثوار بوعيهم فتم فض اعتصامات في عدد من الولايات سلمياً، وعن طريق التفاوض حينما تجاوبت الحكومة مع المطالب الحقيقية للثوار.
وأكدت “لجان مقاومة شندي”، و”تحالف الحرية والتغيير” في بيانهم المشترك أن تحرك هذه المجموعات هو محاولة استباقية، للحيلولة دون رفع دعاوى متعلقة بالفساد ضدهم. وحث البيان لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد على رفع وتيرة عملها لاسترداد الأموال المنهوبة، وإصلاح الخدمة المدنية بالمحلية. مشيرين إلى التهاون الواضح من اللجنة الأمنية بالمحلية في حسم التفلتات الأمنية التي قامت بها هذه المجموعات. في وقت بعث فيه “منبر نساء الحرية والتغيير”، برسالة مفتوحة لرئيس الوزراء، أدان فيها استهداف والية نهر النيل، ومحاولات الطعن المستمرة في أهليتها لإدارة شؤون الولاية. بدءا باستغلال قضية “أبناء المناصير”، ومطالبهم المشروعة وإدخال عناصر مخربة فيها عملت على إطلاق شائعة المطالبة بإقالة الوالية كسبب لاعتصام الرابع من يناير الماضي. ودق المنبر ناقوس الخطر نحو ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع بالولاية، نتيجة ما تفعله هذه العناصر، بجانب الانتهازيين والطامعين في السلطة. ومؤكداً أن المطالبة بإقالة الوالية يرتبط ارتباطا وثيقا بإزالة التمكين في الولاية، والذي أبلت فيه الوالية بلاء حسناً. كما أدان المنبر البيانات الصادرة بأسماء مكونات وهمية تشير جميعها إلى عناصر الدولة العميقة والنظام المباد، ورفض لغة الدونية المستخدمة ضد النساء، والألفاظ المُسيئة التي تقلل من شأنهن. وطالب بالقبض على مروجي هذه البيانات، ومحاكمتهم. لإساءتهم البالغة للمرأة السودانية، ومحاولاتهم البائسة لزرع الفتن القبلية. واعتبر المنبر أن منصب الوالي بولايتي نهر النيل والشمالية يعتبر من أهم المكتسبات التي حققتها المرأة في عهد الثورة، ولا تراجع عنه.
وعلى صعيد آخر تضج الأسافير بحملات إشانة سمعة وكراهية تستهدف إحدى عضوات لجنة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، المعينة من قبل وزير العدل. تمهيدا لحملات تنادي بإقالة وزير العدل من منصبه بأمر الفلول، كامتداد لمحاولاتهم المستميتة في الحفاظ على امتيازاتهم، والإفلات من العقاب عبر إثارة النعرات القبلية والعنصرية. لتتوج هذه الحملات بالإطاحة برئيس الوزراء نفسه إن استطاعوا، خاصة بعد تآكل شعبيته بفعل القرارات الخاطئة والرضوخ لابتزاز الفلول غير مرة. والكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء فإما أن يدق مسماراً آخر في نعش الانتقالية برضوخه مرة أخرى لابتزاز الفلول، أو يضطلع بواجبه الوطني والدستوري في حماية الفترة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى