حوارات

حوار مع مديرة صندوق النقد الدولي حول لحظة (بريتون وودز) جديدة (2-3) التكنولوجيا الرقمية هي الرابح الأكبر من الأزمة

ترجمة: رباح الصادق
** في الجزء الأول من هذا الحوار الذي دار في 27 يناير الماضي بين مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا قورقيفا وبين بروفيسور جوزيف جويس أستاذ كرسي إم. مارقريت بول للعلاقات الدولية بقسم الاقتصاد، كلية ويلسلي، بمعهد مادلين أولبرايت بالولايات المتحدة، تحدثت قورقيفا عن مزايا الصندوق وتطرقت لضرورة النظر للمستقبل بدلاً عن الانحباس في الماضي وتثوير عمل الصندوق في عدد من الملفات متطرقة لحفظ البيئة وإزالة الفوارق الاقتصادية (عدم المساواة)، ونواصل اليوم نشر الجزء الثاني من الحوار.
* بروفيسور جويس: مع هذا الحديث، فإنكِ وصندوق النقد الدولي تتحدثون ليس فقط عن الأزمة والقيام بالمطلوب فعله الآن مما أوجزته للتو، لكنني أعلم أنكِ تحدثتِ كذلك عن العالم بعد الأزمة وكيف سوف يتغير. وقلتِ إن الأزمة أحدثت تحولات هيكلية عميقة في الاقتصادات الوطنية. وقلتِ إن الحكومات يجب أن تكون مستعدة للمساعدة في تحويل هذه الاقتصادات. أتساءل عمّا إذا كان بإمكانكِ إخبارنا ما هي القطاعات الاقتصادية التي قد تزدهر، وتلك التي قد لا تزدهر، وما هي التي قد تنكمش، وما هو نوع السياسات التي ترين أن تسنّها الحكومات بدعم من الصندوق؟
السيدة قورقيفا: شكراً لك على هذا السؤال. عموماً فإن الواضح جداً بعد سنة من هذه الأزمة الناجمة عن الوباء، هو أن التكنولوجيا الرقمية هي الرابح الأكبر من الأزمة. حيث لا مشكلة لدي ولا لك في أداء وظائفنا ونحن جزء من هذا القطاع المتميز من الاقتصاد الذي يمكنه العمل عن بُعد، بل والقيام بذلك بكفاءة أكبر.
إنني أتحدث في الواقع عن التجارة الرقمية، والخدمات الرقمية بشكل عام، والعملات الرقمية، فكلها تنطلق بسرعة كبيرة. كنت أقول إن المستقبل رقمي. حسناً، إن المستقبل قد حضر، ونحن فيه. الرابح الأكبر هو التشغيل الآلي (الأتمتة)، والتصنيع القائم على تشغيلنا الآلي.
بعض الأجزاء من قطاعات إنتاج وخدمات الغذاء رابحة لأسباب متنوعة.
عندما تكون لديك فجوة في الاحتياجات المحلية ولكنك لم تعمل لجسرها بصورة وافية، فإن هذه الأزمة تتسارع وتتفاقم.
من هم، وأين هم الخاسرون؟ الصناعات المعتمدة على الاحتكاك المباشر، لقد رأينا ما حدث للمطاعم وللخدمات بجميع أنواعها، والسفر، وهناك من يقول إن السياحة التقليدية ماتت. إنني لن أبلغ هذا الحد. وأعتقد أنها سوف تتعافى في النهاية لدرجة معينة، لكننا على يقين من أننا لن نعود إلى ما كنَّا عليه في عالم ما قبل الجائحة.
العمال ذو المهارات المنخفضة، النساء، الشباب، هذه هي الشرائح الأكثر تأثراً في المجتمعات، وفي بلد تلو الآخر.
وعلى العموم إن لم أتحدث عن قطاع ولكن عن قضية ما، فإن القضية التي بالفعل قد ضربتنا وسوف تضربنا أكثر، وتعمق عدم المساواة هي التعافي غير المتجانس على شكل K، (K-shape والذي يحدث إذا ما تعافت أجزاء مختلفة من الاقتصاد بعد الكساد الاقتصادي بمعدلات وصور مختلفة تجعلها تفترق جداً، مما يجعل الرسم البياني لها يتخذ شكل الحرف الروماني K، المترجمة) وهو ما نراه في البلدان وعبر البلدان. إنني قلقة بشكل خاص بشأن شكل K عبر البلدان بعد عقود من التقدم نحو التقارب بين البلدان ذات الدخل المرتفع والبلدان ذات الدخل المنخفض. فقد عكسنا الاتجاه. إننا نشهد الآن تباعداً لو ترك بدون معالجة فإنه لن يضر بصورة هائلة فقط البلدان المتضررة، بل سوف يضر أمن واستقرار العالم ككل.
هناك أولوية بالغة الأهمية لإدراك هذا التباعد: البعض يعمل بصورة جيدة للغاية؛ والبعض يعمل بصورة سيئة للغاية؛ إن القيام بإصلاح كبير وبسرعة في سياساتنا الضريبية؛ للاتجاه نحو نظام ضرائب أكبر إعادة توزيع، بحيث يساعد أولو الأحوال الجيدة جداً البقية؛ وإعادة تشكيل سياسات الإنفاق العام لكي نفكر أكثر في بناء الصلابة، ليس فقط في مواجهة الجائحة، بل الصلابة في مواجهة الصدمات.
ويعني ذلك الاستثمار في أشخاص أشد قدرة على الصمود، متعلمون، يتمتعون بصحة جيدة وبحماية اجتماعية سليمة عندما يحتاجونها؛ وفي نباتات أكثر قدرة على الصمود، فلدينا الآن أزمة مناخية كانت تدق بابنا من قبل ولم تنصرف، ويتعين علينا التعامل معها؛ وأن نواصل في بناء صلابة نظامنا المالي.
كما تعلم يا جو فقد نفذنا بعضاً من ذلك، في الحقيقة لقد أنجزنا الكثير منه. بعد الأزمة المالية العالمية قمنا ببناء نظام مصرفي أكثر صلابة، لكنه لا يكفي. لا توجد لدينا مؤسسات مصرفية لم تقع في الفخ. لقد اتخذنا هذه النظرة الكلية بشأن الصلابة من أجل عالم سوف يكون أكثر عرضة للصدمات، لأنه عالم سريع التغير.
بروفيسور جويس: أود متابعة أفكارك حول ذلك بسؤال محدد للغاية من ويليسلي. عندما نفكر في مهارات العمل، وفي جميع التغييرات الطارئة على القوى العاملة، هل لديك أية نصيحة حول ما يترتب على ذلك من آثار على التعليم، أو على كلية آداب ليبرالية مثل ويليسلي؟
السيدة قورقيفا: الأمر الواضح هو نظام تعليمي أكثر حكمة وقدرة على التكيف بدءاً بتنمية الطفولة المبكرة حتى نهاية حياتنا، وهذا التعلم مدى الحياة هو الآن بوضوح بالغ الأهمية. يعني ذلك أنه يجب أن يكون هناك المزيد من الاستثمار في تعليم التعلم؛ أعلم أن كليات الآداب الليبرالية تميل لأن تكون جيدة جداً في ذلك. فهم يخلقون البيئة لمشاركة أكثر خصوبة.
أعتقد أنه يتعين علينا جميعاً أن نكون أكثر وعياً بمدى قدرة المهارات على التكيف مع تخلقات سوق العمل، وبعبارة أخرى، جلب المزيد من رواد الأعمال، أولئك الذين يوظفون الأشخاص في تطوير مستمر وتحسين لكيفية حدوث التعلم. أعتقد أننا سوف نرى حاجة أكبر للتدريب المهني المساعد. بعبارة أخرى، لديك الكليات، ولكن لديك أيضاً طرق يحتاج عبرها الأشخاص الذين قد لا يلتحقون بالتعليم العالي إلى مهارات متخصصة.
الشيء الوحيد الذي أستمر في ذكره للجميع، ولم يحدث تماماً بعد، هو أن أرباب العمل يتحملون مسؤولية أكبر بكثير، ليس في تدريب الأشخاص أنفسهم، ولكن في التأكد من وجود بيئة خصبة لتعزيز المهارات يساهمون هم أيضاً فيها.
بروفيسور جويس: شكراً جزيلاً لك كريستالينا. حان وقت الانتقال لأسئلة الجمهور. ولدينا زميلان من أولبرايت. واسمحوا لي أن أذكّر الجميع أنه يمكنهم أثناء طرحهما لسؤاليهما إرسال الأسئلة كذلك عبر خاصية رسائل “الدردشة”.
نقاش الحضور
سؤال: أشكرك على الحضور لمخاطبتنا. ما هي المقاييس التي تم وضعها لتقييم ما إذا كانت استجابة صندوق النقد الدولي للجائحة فعالة أم لا؟
السيدة قورقيفا: أشكرك على طرح هذا السؤال.
أولاً، ما ننظر إليه هو هل تحليلنا دقيق؟ وهل المشورة السياسية التي بنيناها على أساس هذا التحليل دقيقة؟
ثانياً نظرنا إلى: هل عدلنا الطريقة التي نؤدي بها وظيفتنا الأكثر أهمية، وهي وظيفة المراقبة؟ وأحد الأمور التي فعلناها في بداية الأزمة هو وقف المراقبة الثنائية (تتمثل المراقبة الثنائية للصندوق في إجراء مشاورات عادية بينه وبين الدول الأعضاء بما في ذلك تقديم المشورة في مجال السياسات، المترجمة). لماذا؟ لأن الجميع كانوا في حالة صدمة، توقف السفر، وكانت المؤسسات تتكيف على العمل عبر الإنترنت، وكانت هناك أولوية قصوى لمجرد حماية الاقتصادات من الانهيار. لم يكن الناس يتطلعون لفرق صندوق النقد الدولي في وظيفة المراقبة التقليدية تطرح أسئلتنا التقليدية. لقد استبدلنا هذا بما نسميه “متعقب إجراءات السياسات العامة”، وفيه مساحون دوليون لمسح الدول، 194 دولة، بشأن التدابير التي تتخذها استجابة للأزمة.
وقد شكل ذلك خطاً لنقل التجربة من بلد إلى آخر مهم للغاية؛ يشمل متعقب إجراءات السياسة هذا 194 دولة، وما نبحث عنه هو: هل السياسات مناسبة للأزمة في خصوصية كل بلد؟ وهذا هو حيث ركزنا الاهتمام.
ثالثاً، المساعدة المالية، وهنا فإننا نطرح سؤالين:
1) هل نقدم المساعدة حيث الحاجة إليها أكثر؟
و2) هل تذهب لمن هم في أمس الحاجة إليها؟
بمعنى آخر، هل يتم دفع رواتب الأطباء والممرضات؟ هل العيادات تعمل؟ هل الجزء الأكثر تضرراً من الاقتصاد والأشخاص الأكثر ضعفاً يستفيدون من التمويل الإضافي الآتي من الصندوق؟ وللإجابة على هذا السؤال توصلنا مع معظم البلدان إلى اتفاق على إجراء مراجعة حسابات بعد انتهاء الجائحة. سيقومون بمراجعة كيفية استخدامهم لهذه الأموال، وبالتالي فإنها شفافة.
إننا الآن لا نزال في الجزء الأول فقط من الأزمة. سوف يكون عام 2021 عام التعافي وعلينا الاستمرار في تعديل مدى ملاءمة مشورتنا بشأن السياسة ومدى ملاءمة تمويلنا بينما ننتقل للنصف الثاني.
إنني أقول للموظفين معي، مشبهة الوضع بمباراة كرة، كان عام 2020 هو النصف الأول من المباراة وقدمنا أداءً جيداً. يمكننا القول لو نظرنا للوراء، فإن أداء فريق صندوق النقد الدولي كان جيداً. لكن المباراة لا تكون أبداً في نصف واحد. ونحن الآن ننتقل للنصف الثاني. أقول لكم إنه سوف يكون أكثر تعقيداً وصعوبة. كيفية أداءنا للنصف الثاني هو ما أسعى لأن يقوم فيه فريق صندوق النقد الدولي بعمل جيد حقاً.
سؤال: شكراً. بصفتك مهتمة بالاقتصاد البيئي، ورائع سماع ذلك منك. سؤالي هو: هل من الممكن معالجة تغير المناخ بصورة ذات مغزى بدون إحداث تغيير كبير في الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد العالمي حالياً؟
السيدة قورقيفا: لا، نحن بحاجة لتحول جوهري للغاية إذا أردنا كسب معركة هذه الأزمة. إنه أهم انتقال يتعين علينا إجراؤه؛ قم بذلك في كل مكان، وعلى قدم وساق، قلل الانبعاثات بشكل كبير، متكيفاً مع المناخ المتغير لأنه يتغير بالفعل.
وذلك يعني أنه يتعين علينا الحصول على إطار عمل سياسي مناسب لدعم هذا الانتقال. وأن تكون لدينا مؤسسات قادرة على توفير الأساس لتنفيذ هذه السياسات. ونحتاج لتغيير السلوك، وتغيير حوافز المنتجين والمستهلكين، وأن نقوم بذلك بسرعة معقولة. أعتقد أن الحلول القائمة على السوق ممكنة. لكننا نعلم أن الأسواق ليست مثالية، لذا، كيف نبني تركيباً بين حوافز الحلول القائمة على السوق وكذلك إطاراً تنظيمياً لا يقوض هذا الجزء الأول، ولكنه يعالج العيوب ونقاط الضعف الموجودة في السوق.
علينا أن نفكر في الآثار المترتبة على عدم المساواة، سواء بسبب الصدمات المناخية أو الانتقال إلى اقتصاد المناخ الجديد. إنها أجندة ضخمة، ضخمة، وعام 2021 في رأيي المتواضع هو عام أساسي لهذا التحول. لماذا؟
أولاً، لقد جعلنا الوباء جميعاً في الواقع أكثر تواضعاً. أسمع ذلك من كثير من الناس الذين يعيدون تقييم ما يهم حقاً في الحياة، حسناً، صحتنا مهمة. خمن، لو سمح لتغير المناخ بالاستمرار على ما هو عليه، فسيكون هناك المزيد من الأمراض. فمع ارتفاع درجات الحرارة سنشهد المزيد من الأوبئة. وبعض المشاكل المتعلقة بمستوى عالٍ من انبعاثات الكربون تترافق مع تلوث الهواء ولها تأثير صحي هائل. إذا كنا نهتم بالصحة فعلينا أن نهتم بالعمل البيئي.
ثانياً، إنه وقت مناسب، ولا أستطيع التفكير في وقت أفضل منه. علينا أن نخرج من الجائحة، وأن نخلق فرص عمل ونضخ المزيد من النمو، ولكننا يمكننا القيام بذلك من خلال التحول نحو المرونة المناخية والاستثمارات منخفضة الكربون وخلق الوظائف التي تختفي الآن بتقلص القطاعات المعتمدة على الاحتكاك المباشر بشكل كبير. إعادة التشجير، واستعادة نمو الإنسان، ووقف تدهور الأراضي، والبناء من خلال الابتكار، كل هذه أنشطة توفر فرص عمل وهي جيدة للتحول المذكور. الحجة الثانية التي أود طرحها أنه يجب أن نخرج من الجائحة ونتعافى من هذه الأزمة، ويمكننا القيام بذلك عبر الحد من مخاطر أزمة المناخ.
ثالثًاً، في الوقت الحالي يبدو العالم، وكأنه في لحظة حظ، لدينا إدارة جديدة في الولايات المتحدة؛ بالأمس تولى الرئيس بايدن زمام الأمور. ما هو أول شيء فعله؟ حسناً، لم يكن الأول بل كان الأمر الثالث الذي فعله وهو توقيعه الثالث على العودة لاتفاق باريس. ولدينا دولتان، المملكة المتحدة وإيطاليا، تقودان مجموعة العشرين ومجموعة السبعة، وكلاهما مؤيد جداً للمناخ. ولدينا في نهاية العام في نوفمبر مؤتمر COP26 (مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2021، وهو المؤتمر السادس والعشرون لتغير المناخ، المترجمة) من الذي يستضيف COP26؟ نفس هاتين الدولتين المؤيدتين للعمل المناخي. أتوقع أن بريس جونسون وحكومة المملكة المتحدة وشعب المملكة المتحدة يرغبون حقاً في جعل المؤتمر يحقق نجاحاً. لماذا؟ لأنهم غادروا للتو الاتحاد الأوروبي، ويريدون أن يقفوا شامخين وأن يؤبه بهم، وهذه فرصتهم لإحداث فرق. أنتم تعرفون كيف تصطف النجوم أحياناً، لقد اصطف نجمان سياسيان. وبالعودة لسؤالك فكل المطلوب منا هو أن نمسك بعجلة القيادة ونسوق السيارة، وأن نسلك طريقاً جديداً.
نواصل نشر الحوار بعدد الغد بإذن الله،
نص كلمة مدير الصندوق بعنوان (لحظة بريتون وودز جديدة) باللغة العربية في موقع صندوق النقد الدولي:
https://www.imf.org/ar/News/Articles/2020/10/15/sp101520-a-new-bretton-woods-moment
نص الحوار في موقع صندوق النقد الدولي:
https://www.imf.org/en/News/Articles/2021/01/21/tc012121-md-conversation-with-joseph-joyce

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى