الرأي

وزارة المالية.. ما ذنبها..؟!

كنا نهدئ الغاضبين من القوى الثورية على بعض المحاصصات في التشكيل الحكومي الأول؛ ونقول لهم بلهجة (الصابرين المحتسبين) إن بعض المعادلات تستوجب المرونة.. ولا بد من عبور فترة الانتقال بسلام وتفويت الفرصة على أعداء الثورة والفلول.. وكذلك كانت قطاعات من قوى التغيير ترى أنه لا بأس من تمثيل الكيانات السياسية والمدنية التي شاركت في الثورة بشرط أن تكون الكفاءة هي (المعيار الأول) في اختيار شاغلي الوزارات والمناصب الهامة والسيادية..ولكن (بصراحة النبي) لم نستطع استساغة أن يعلو تيار المحاصصة الآن إلى درجة أن يشغل (جبريل إبراهيم) حقيبة وزارة المالية في التشكيلة الجديدة..! كان الله في عون الثورة وعون الوزارة مع هذا الرجل..!
ولنا أكثر من سبب في هذا التحفّظ؛ فليس من العدل ولا الأمانة إدخال المعايير الذاتية والحب والكره في الشؤون العامة (حاشا لله).. ولكن مآخذنا على الرجل موضوعية وترتكز على  اعتبارين؛ الأول هو موقفه من الثورة.. فهو موقف مشوب بكثير من الضبابية و(الكتاحة)..حتى بغض النظر عن انتمائه السابق إلى (شط الإنقاذ) إن كان للإنقاذ شاطئ..! فهي صحراء بلقع جرداء ليس فيها غير السموم ومغارات الغيلان وتناوح الريح وعزيف الجن والمردة وصياح الضباع والسعالي.. ونحن هنا لا نستند على ماضي جماعته مع الإنقاذ (التي كذبت على الله وعلى الناس) ولكننا نتحدث عن تحركاته وأقواله منذ عودته إلى الخرطوم وعندما أخطأ في التفريق بين الجلادين والضحايا ولم يذهب لعزاء المكلومين الحقيقيين من محارق الإنقاذ..! ثم إنه يردد مع رفيقه مناوي بتكرار مستفز ضرورة مصالحة جماعة الإنقاذ التي ثار عليها الشعب؛ وإذا كان هذان الرجلان يفرقان بين حركتهم وبين الإنقاذ والجبهة الإسلامية القومية والمؤتمر الوطني والشعبي والإخونجية والنظام الخالف.. فنحن لا نرى هذا الفرق..إنما هي (أسماء حركية) لجسم واحد وكلهم في مركب واحدة وعلى رقابهم جميعاً تقع مسؤولية الانقلاب المشؤوم وكل ما حاق بعده من تدمير وتمزيق للوطن ومن أنهر دماء وقتل وقهر وتعذيب وتغريب ثم نهب وتنكيل وتشريد.. إلى آخر القائمة المعروفة..!
أما الأمر الثاني فيتعلق بطبيعة وزارة المالية في هذه المرحلة بالغة الحساسية من حياة الوطن؛ حيث تنعقد تحت مظلتها معايش الناس ومداخل التنمية والتموين والتشوين وتوجيه الموارد والصادر والوارد وولاية المال والتخطيط والعلاقة مع المؤسسات الاقتصادية والمالية والنقدية الدولية والمانحة..الخ وهذا يتطلب شخصيات ذات مقبولية في المجتمع الإقليمي والدولي.. وشؤون الإدارة المالية غير الخبرة العسكرية..وطبعاً لا ضير على أي إنسان أوجب عليه قهر الحكومات النضال المسلح.. ولكن القضية تتمثل في الاختيار الأنسب في المواقع المعيّنة ..فلا يمكن مثلاً اختيار (الجنرال كولن باول) وزيراً لحقوق الإنسان والتنمية البشرية.. فقط لأن طبيعة خبراته وخلفيته وتركيبه النفسية تناقض مطلوبات الوظيفة… والله أعلم..!
المشاركة في الشأن العام حق عام.. ولكنها لا تكون فقط في المقاعد الوزارية.. فهذا هو أوان تقديم المصلحة العامة وتعلية معايير الكفاءة..خاصة في الوزارات التي تتطلب الاستعداد المهني والتراكم المعرفي والمهارة الفنية..وما يجعلنا نرى أن جبريل غير ملائم للمالية أنه أعلن عن تمسكه بهذه الوزارة (بالذات) لسبب لا نعلمه.. ويروى عن النبي الكريم أنه قال لمن طلب الولاية لنفسه: (إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله وأحداً حرص عليه)..ومثل هذه التحذيرات مرّت على جماعة الإنقاذ لكنها كالعادة كانت (تدرش) كل ما يعترض طريقها إلى العنطزة والمال.. والله الهادي إلى سواء السبيل..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى