الرأي

هل يمكنك الحياة بدون الله؟!

القس موسى كودي كالو
لقد خلق الله الإنسان من طينٍ، ونفخ فيه فصار الإنسان نفساً حيةً، هذا الإبداع الإلهي، جعل في كيان الإنسان، ميلاً طبيعياً للبحث عن قوةٍ خارجيةٍ أقوى منه، يعتقد فيه مصدراً لخيره، وحمايته من مجهولٍ أقوى! وبسبب هذا العطش الروحي، وقابلية قبول الإنسان لقوة أقوى منه، عَمِلَ الإنسان على عبادة قوة الطبيعة، والملوك، وأرواح الأسلاف وغيرها من الأباطيل! أما الله فعمل على تحقيق خطته الإلهية بإعلان نفسه للإنسان بتدرجٍ، وبطرقٍ متنوعة حسب القول: “اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ،2كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ.3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ” (عب1:1-3). هذا، إن دَلَ على شيءٍ، إنما يدل على وجود جوعٍ حقيقي للإنسان لله يستحيل الاستغناء عنه. ولقد استطاع الكثير من الناس وبنعمة إعلانية خاصة أن يدركوا أصلهم وفصلهم من أين أتوا، وإلى أين يذهبون فقال أحدهم مخاطباً الله: “”يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعاً. أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ 9اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ. أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ 10أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ 11كَسَوْتَنِي جِلْداً وَلَحْماً فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. 12مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي” (أيوب 10: 8-12).
ومع كل ذلك، يظهر في كل مرة بعض الذين ينكرون وجود الله، ومن يدعون عدم احتياجهم له، فصاروا أغبياء، وفسدت أخلاقياتهم الجميلة التي خلقهم بها الله! يقول الكتاب: “قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: “لَيْسَ إِلَهٌ”. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً” (مز14: 1). هذا الجهل الضلالي، دفع بهم إلى ارتكاب أفزع الفساد والرجاسات المعادية لله. إن الجهل بوجود الله جعل العديد من الناس، ولا سيما الأغنياء منهم يعتمدون على إله المال والقوة، فصاروا أغبياء، أمام الله الغني. قال السيد المسيح عن أحدهم: “إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، 17فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ 18 وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي، 19 وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! 20فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ 21 هَكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيّاً لِلَّهِ” (لو12: 16-21).
إن تأليه المال وعبادته جعل الإنسان معتمداً على نفسه، مماجعله ينسى وصية الله : “اذْكُرِ الرَّبَّ إِلهَكَ أَنَّهُ هُوَ الذِي يُعْطِيكَ قُوَّةً لاِصْطِنَاعِ الثَّرْوَةِ” (تث8: 18). نعم، الله هو الذي يعطينا القوة المجانية لاكتساب كل شيء مفيد، ويأمر لنا بالبركة لتسديد احتياجاتنا حتى نستطيع أن نقول كما بالحقيقة “لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا”(مزمور 24: 1). هذه العطايا المجانية، لم يقصد بها الله استغناء الإنسان عن إلهه، أو الحياة بدونه لأنه: “لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ ” (مت4:4). ما أجمل ما قِيلَ عن تعظيم الله: “لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْساً عَلَى الْجَمِيعِ. 12وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ.13وَالآنَ يَا إِلَهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ.14وَلَكِنْ مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هَكَذَا، لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ! ” (1أخ29: 11-14). فهل بعد كل هذا نستطيع أن ندعي إمكانية الحياة بدون الله؟! كيف يكون هذا وهو”الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي 25وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ.”(أع17: 24-25). هو موجودٌ سرمدياً، ولا يمكن الاختفاء منه: “يَا رَبُّ قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي.2 أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ.3 مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ.4 لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا.5 مِنْ خَلْفٍ وَمِنْ قُدَّامٍ حَاصَرْتَنِي وَجَعَلْتَ عَلَيَّ يَدَكَ.6 عَجِيبَةٌ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ فَوْقِي. ارْتَفَعَتْ لاَ أَسْتَطِيعُهَا.7 أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟!”(مز139: 1-7).
وبالرغم من وجود ناكري وجود الله قولاً وفعلاً، إلا ان الله في نعمته وصلاحه في أمور هذه الحياة الحاضرة، لا يميز بين الصالح والطالح، ولا بين المؤمن وغير المؤمن في عطاياه الزمنية، ولكنه: ” يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ” (مت5: 45). والأعجب من ذلك إنه له كل المجد، يُحيينا، ويُحركُ الكل بروحه دون النظرلأفعالهم: “وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ 27لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. 28 لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ.” (أع17: 26-28). ومع ذلك لن تستمر الأمور هكذا إلى الأبد، بل رعب الله آتٍ عند نزع الأرواح: “تَحْجُبُ وَجْهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ “(مز104: 29). الحق يقال، إنه لا فرق بيت الملحد، وبين من يدعي معرفة الله، ويسلك في الاتجاه المعاكس لتعاليمه، وينقاد بتعاليم الشياطين من الكذب والنفاق وإيذاء الآخرين. إن كليهما سيان يعيشان بدون الله فعلاً وقولاً!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى