الرأي

هل يؤثر النقد على العملية الفنية!؟

ميسون عبدالحميد
للفنون أدوار متعددة ومختلفة وواحد من تلك الادوار أنها تكشف علاقات مختلفة في الواقع المعيش، وهذا بالضرورة لا يعني أن الفن هو تكشف للواقع او انعكاس له، وبكل تأكيد هذا جدل له اتجاهاته المختلفة داخل المدارس الفنية والفلسفية ايضاً، ومما لاشك فيه ان حركة الفنون ظلت على الدوام تصاحبها حركة نقدية موازية سواء كانت مؤيدة أو رافضة لها. ما احاول الوصول اليه في هذا المقال ليس هو اهمية النقد ولا اعتقد اننا في حاجة الى أن نستهل هذه المقالة بالتدليل أو التأكيد على اهمية ومشروعية النقد المواكب او الموازي للعروض، فأمام هذه الآفاق الرحبة والدراسات الحديثة والجهود النظرية والفكرية التي كشفت في هذا الجانب يصبح الحديث عن هذه الاهمية وتلك المشروعية رجوعا الى أوليات تجاوزتها الممارسة النقدية منذ فترة ليست بالقصيرة هذا من جانب، ومن الجانب الآخر ان تاريخ الكتابة النقدية في السودان تاريخ تجاوز القرن حيث وردت اول اشارة نقدية مع بدايات المسرح السوداني المؤرخ له حسب المدونات المسرحية (1902) والتي ارتطبت بالخطبة الشهيرة التي قدمها مأمور القطينة عقب عرض مسرحية تكتوك مباشرة، وهي من اوائل المسرحيات ذات الطابع التعليمي او الارشادي، كما شهدت الساحة الثقافية في فترة الثلاثينيات ظهور أهم مجلتين، تدونان وتوثقان للثقافة السودانية وهي مجلة النهضة والفجر، وظهور مجلات أخرى مثل مجلة الثقافة السودانية ومجلة الاذاعة والتلفويون والمسرح ومجلة بخت الرضا. فردت تلك المجلات مساحة كبيرة، وظهر على صفحاتها عدد كبير جداً من الدراسات النقدية الرصينة المواكبة للعروض المسرحية آنذاك، مثل كتابات بدرالدين هاشم وخالد المبارك التي جُمعت بعد ذلك في كتاب اصبح اهم مرجع في تاريخ الكتابة النقدية المسرحية في السودان، هو كتاب (حرف ونقطة). اضافة لكتابات خالد المبارك هناك سلسلة من المقالات الطويلة من ١الى ١٠ حول عروض بعينها، مثل دراسة جعفر ميرغني الموسومة المك نمر والحركة الوطنية ودراسة وحوار مقتوح حول مسرحية احلام الزمان لهاشم صديق وغيرها، ظل تأثير هذه الكتابات كبير في توثيق وتحليل الظاهرة المسرحية وفي رفد الحركة المسرحية والمشهد النقدي بشكل عام بكتاب وكتابات، وهذه الكتابات هي من دفعت لقيام اهم ظاهرة مسرحية في تاريخ المسرح في السودان وهي المواسم المسرحية التي اسسها الفكي عبدالرحمن، فكانت مجلة المنضرة المنبر الاساسي لنشر تلك الدراسات النقدية.
كما ظهر في تلك الفترة نقاد كبار وكتاب لهم اسهاماتهم في الكتابة النقدية، كأحمد طه امفريب وشمس الدين يونس واليسع حسن احمد وكتابات الناقد السر السيد وعصام ابوالقاسم وراشد مصطفى بخيت ومحمود فكاك وابوطالب محمد وميسون عبدالحميد وغيرهم. بجانب المنابر ساهمت الملفات الثقافية في الصحف السيارة بنشر العديد من الدراسات النقدية المواكبة اضافة للمنابر الخاصة بالمهرجان التي تقوم بنشرات يومية واصدارات تتبع للمهرجان، كما أفرد مهرجان البقعة خيمة للدراسات النقدية المواكبة لمدة تجاوزت العشرين عاماُ، ومجلة البقعة وكذلك ايام الخرطوم المسرحية عبر مجلة المنضرة التي تتبع للمسرح القومي لكن من المؤسف حقا ان تغيب كل هذه المنابر جملة وتفصيلاً، ودون مبررات كافية ومن المؤسف حقا ان اختفاءها وظهورها هو رهن المزاج السياسي الذي يدير المؤسسات الثقافية والاعلامية. في حال غياب المجلات لا يوجد اي منبر ثابت للدراسات المواكبة عدا الملاحق الثقافية في الصحف السيارة التي بدورها انحسرت هي الاخرى مع الانتباه الى ان هذه الملاحق الثقافية لا تحتمل الدراسات المتخصصة والطويلة لطابعها اليومي ومهددة هي ايضا بأمزجة السياسي اذ كثيراً ما تنزع الدراسات بججة المعتقدات والدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى