الرأي

هل نُلدغ من ذات الجحر للمرة الثانية؟

محمد أحمد الفيلابي

في المرة الأولى خرج علينا من الجحور من زحفوا في الشوارع شاهرين هتافهم (مافي كورونا ما تغشونا). وتفرغ بعضهم لإحصاء حالات الوفيات خارج المستشفيات، والقدح في حق من أصدر التوجيه بأن لا تستقبل المشافي سوى الحالات الطارئة، وفرض إجراءات صارمة للحد من انتشار الوباء. ذلك الأمر الذي نجحت فيه الوزارة حد (إغاظة) من لم يعجبهم الجالس على كرسيها وسياساته، فعملوا على إنزاله من على الكرسي عبر (الحفر) تحت الأرجل لتغوص بمن عليها. ويا للأسف… فقد استجاب للضغوط من لم نظن فيه الاستجابة يوماً لما يعلم الجميع أنه مخطط محكم للتخلص من دكتور أكرم. بيد أن المؤسف أكثر أن (الجماعة) منذها زادوا من ضغوطاتهم في مواقع أخرى حيث لمسوا الضعف و(الهوان)، وخرج من جحره أصحاب البلاعيم والأقلام المأجورة مرة أخرى ليمطرونا كذباً وتدليساً مبنياً على بعض الحقائق الماثلة.
التنظيم يا سادتي قائم ــشئنا أم أبيناــ وسدنته في الحقل الطبي كما في مختلف الحقول بلا حصر، إذ ها هم بعد أن نجحوا في إزاحة حجر العثرة أمام طوحاتهم غير المشروعة، نسوا أو تناسوا أمر كورونا في تأكيد على المثل (أضان الـطرشاء) إلا عند فقد الأهل والأقارب، وزملاء التنظيم، ووقتها لا يكون تباكياً كما كان سابقاً، بل تحجيم للفقد حتى لا يحس المواطن بالكارثة، ما يؤكد أن صراخهم حينها كان مجرد مطية لبلوغ هدف الإبعاد. وإلا ما هذا الصمت الآن رغم فداحة خسائرنا من العلماء والأطباء والعاملين في الحقل الطبي، والأهل والأصدقاء والمشاهير من أعلام البلد.
نحن السودانيون نعتقد أننا شعب معلِّم، ونروج لهذا المفهوم على أنه حقيقة، لكن فيما نحن معلِّمون؟ وماذا علَّمنا الأجيال المناط بهم إدارة المستقبل؟ الأجيال الذين سلبناهم حق أن يعيشوا كما رُصفائهم في البلدان النامية، قتلنا منهم من قتلنا، وأغرقنا من أغرقنا. لا فرق إن كان غرقاً في النيل! أو في المخدرات التي ندرك من يوفرها!! أو إغراقاً في الأسى والإحباط، أو استغراقاً في أسئلةٍ بلا إجابات!!.
من مظاهر أننا شعب معلِّم، ونادر الوجود أن أصبح لدينا مؤشر جديد لقياس الوعي والالتزام، يضاف لتلك المؤشرات التي تنبهنا لدخول موسم جديد أو مناسبة سنوية، عبر غزو السلع للسوق المفتوحة. فنصب الخيام ومعرض (حلاوة مولد) يذكرنا بمولد النبي (ص) تلك الخيام التي تبقى لشهور. ومع إعلان بدء العام الدراسي تنتصب في الساحات وتقاطع الشوارع خيام بيع الأدوات المدرسية، والزي المدرسي. وتظهر قبيل رمضان صنوف (العَدّة) اللازمة، وفي كل مكان حتى تقاطعات الشوارع. وقد تخيفك طريقة عرض السكاكين والسواطير وغيرها إيذاناً بقدوم عيد الأضحى وهكذا. نلاحظ أن نوعاً محدداً من السواطير والأسلحة البيضاء في (غمدها العسكري) زي اللون الأخضر الداكن معروضة في التقاطعات هذه الأيام.. ما مصدرها، وإلام تؤشر؟
من يدير هذه الأسواق؟ من يوفَّر مثل هذه السلع؟ هل هم أصحاب شعار (مصائب قوم عند قوم فوائد)؟ إذ أن حتى من لا يملك قدرة الشراء يتعرض لاستفزاز عرض السلع.
لماذا نلبس الكمامة تحت الأنف، وتحت الفم أحياناً، مثلما نلبس النظارة أعلى الهامة، وعلى الكتف نضع العُمامة؟ أليس في الأمر تأكيد على أننا شعباً معلِّم؟.
فوجئت عند دخولي لذلك المستشفى الكبير بأحد الممرضين وهو يلبس الكمامة على عضده… أي والله مكان لبس السكين والحجاب عند أهل الريف!! وعندما علقت ملاطفاً له أسمعني من (الطنطة والنقنقة) ما يشي بحالة من الـ(…..) وصل لها رصفاؤه في هذا القطاع المُهمَل، دون سواهم من الكادر الصحي، والذين لا علاقة لهم بالطب لكنهم يشاركونهم بيئة عملهم. وعند مصادفتي له عند بوابة الخروج مرة أخرى وجدته يضع الكمامة مكانها الطبيعي، لكن في عينيه غضبٌ بيِّن، فتابعت نظرته الغاضبة لتستقر هناك حيث تلك السيارة العسكرية حاملة (الدوشكا)، والجنود على أسرَّتهم في (سبهللية) مؤذية للعين و(الخاطر الوطني)، وملابسهم (مشرورة) في كل مكان حولهم، وعيونهم تحوم فوق وجوه وأجساد العابرات من العاملات من الكادر الطبي، والمرضى والمرافقات.
ما علاقة هؤلاء بالمستشفيات؟. ألا يُعد مسح الأجساد بالعيون وتلّمُظ الشفاه (تحرشاً) يعاقب عليه القانون؟. لماذا نُجلس الجندي داخل سور المستشفى، وفي مختلف المؤسسات، ونترك حدودنا مفتوحةً لـ(تحدف) علينا كل أصناف البلاوي! وتخرج عبرها خيراتنا (عِينك عِينك) إلى أسواق دول الجوار.
يقوم المسؤولون الكبار لدينا بالتعدي على سلطات بعضهم البعض، ويتفرج معنا من قدمناهم ليتحدثوا باسمنا واسم الثورة على كل هذا الذي يحدث، وتجد أن أصغر طفل يعي ما يحدث… ألسنا شعباً معلِّماً.. يسقط الأنظمة الفاشية ليأتي بمن يدعون الأمر كما كان، وأسوأ في بعض مظاهره؟
يرى البعض في خدمات الفحص المنزلي للكورونا (سبُّوبة) لزيادة الهلع، ودفع الناس لإجراء الفحص، خاصة وأن العملية الواحدة تكلِّف قرابة العشرين ألفاً، فيما هي من الخدمات المطلوبة جداً في هذه المرحلة، مع انتشار الخوف من التقاط العدوى في حال الذهاب لإجراء الفحص بالمستشفيات، فإما التقاط، أو نشر للعدوى.
أحسنت دوائر التعليم وهي توصي بقفل المدارس، وتعمل على تبديل وسيلة التعليم. ولكن ماذا عن صفوف الخبز، والمواصلات العامة، ومناسبات العزاء والأفراح، والموجة الثانية من كورونا بـ(فيروسها المتحور–كما يقول بعض العلماء) تضرب عميقاً؟ وما هو الدور المناط بلجان المقاومة والتغيير؟ أم أنهم سيبقون كثيراً في محطة الدفاع عن تنظيمهم في ظل محاولات التحجيم وزيادة الهجوم عليهم من عناصر الظلام، خوفاً من تفعيل الدور كما هو مطلوب ولازم؟. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى