الرأي

هزيمة المشاعر

جاكسون يوكي
وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ (متى 44)
يصعُب أن تجبر إرادتك تعمل دون أن تُفعل عواطفك!، كما أنه يستحيل أن تحب بدون مشاعر! هذا التصريح ليس من أجل جدلية نظرية مصدر الإرادة، أو من أين تصدر الإرادة، من العواطف أم هي أحكام عقلية. لكن إن كان العقل يعمل بعزيمة فلا بد من تنشيط الرغبة التي لا يمكن أن تعمل دون عاطفة. في وسائل تحقيق أهداف التعليم السلوكية، لا بد من تفعيل العاطفة، لتحقيق قرارات الإرادة العقلية. باختصار الإنسان لا يمكن أن يحقق شيئاً، دون تحريك النفس، الفكر والبدن أو الجسد. فالذهن للتفكير من أجل الحصول على حلول للمشاكل والمساعدة في اتخاذ القرارات، قد تكون سلبية أو إيجابية، أيضاً من الصعب أن تعرف ما يفكر فيه المرء دون أن يفصح به. الإرادة لتحقيق ما تفكر فيه بالمضي قدماً فيما تريد تحقيقه بالحركة والفعل والعمل ويُرى بالعين المجردة. العواطف للشعور بالحب التعلق، أو الكراهية والنفور. إلا أن من عيوب الجانب العاطفي اتخاذ القرارات بسرعة برغم عدم منطقيتها، تأثيرات النفس هي انعكاسات لما تدور حوله من أفعال الآخرين، من الصعب أن يخفي المرء مشاعره، لأنها تنعكس في تغييرات جسدية معينة. الخبرة الإنسانية تظهر فعالية القوة العاطفية تجاه منطق العقل، لدرجة أنها قد تؤثر على العقل برغم أن التحليل في العقل يتم بطريقة متساوية عقلانية وعاطفية معاً، إلا أن العواطف تنجح في عملية اتخاذ القرارات بنسبة كبيرة عندما تكون جائعاً، غاضباً ومتألماً، مما يغري كبرياء الإنسان وبالتكييف مع عواطفه. أما العقل فهي قدرة التفكير من خلال خيارات مختلفة، لذلك يحتاج لتدريب على عملية الاختيار في اتخاذ القرارات. وإن كانت العواطف سريعة التفاعل في اتخاذ القرار والعقل بطيء بدون تدريب هذا يعني من الصعب أن تهزم المشاعر بالقدرة العقلية دون تفعيل الإرادة العقلية.
المحبة التي ينادي بها السيد المسيح (أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ) هي محبة "الإحسان المطلق النزيه" في الأصل اليوناني "أغابيه
Aggape" التي تستند إلى التضحية بالذات وتقوم على التعقل والاستقرار والوفاء كما وصفه (أرسي) في كتابه (العقل والقلب المحب)، وبحسب كتاب (مشكلة الحب) لزكريا إبراهيم صاحب سلسلة مشكلات فلسفية، هذه المحبة لا تعرف التمييز، لا بل تقضي على الأنانية، وتنشد خير الآخر، لا يقيدها شرط ولا يحدها حد. برغم أن أساسها التبادل والمشاركة والتصالح بين السماء والأرض وتنتشر إشعاعاتها فتعم كل الخليقة بلا استثناء، ولها خاصية مؤثرة على الأعداء. ويقتبس إبراهيم زكريا من (أنديرس نيجران) عن معنى (الأقابيه) بأنها تلقائية إبداعية وخلاقة في معنى الحب تجاه العدو، أن يهب المرء ذاته ونفسه من أجل الآخر ليعكس الحب الإلهي من أجل الله.
"الأغابيه Aggape" تأثيره الداخلي على المرء معناه الأريحية التي لا يمكن التغلب عليها، والسلام الذي لا يقهر، ويستطرد باركلي في شرح معنى "الأغابيه" العملي في حب الآخر لا يتأثر بمواقف الغير مهما كانت معاملته ومهما سبب من الضرر أو الحزن ومهما أساء بالكلام أو الفعل، ذلك الحب لا يسمح أبداً للمرارة أن تغزو القلب، بل يرد بإحسان لا يقهر وبسلام لا ينتهي ويستمر السعي لخير الآخر. يختصر باركلي قائلاً: إن محبة الأعداء ليست كمحبة الأعزاء، فتلك نابعة من القلب
والإرادة، أما محبة الأعزاء أمر ينبع من عواطف القلب. ومحبة الأعداء هي السعي بالإرادة والنية للانتصار على مشاعر البغض التي هي غريزة طبيعية، لذا "الأغابيه Aggape” لا تنجح إلا من خلال التصميم الإرادي متجاوزة للمشاعر لأجل مسالمة المضايقين والمسيئين (الأغابيه) وحدها هي التي تعرف المحبة الإنسانية وتنجح في التغلب على مشاعر المرارة والغضب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى