الرأي

نظرات متنافرة

جاكسون يوكي

وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!

العيون بمثابة نوافذ يدخل من خلالها الضوء إلى الجسم ليرى الواقع، تكشف ردود أفعال ما يراه. نسب أحد تلاميذ أبقراط هذا الوصف في الفراسة لمعلمه: “أولئك الذين لديهم رأس كبير، وعيون سوداء كبيرة وأنف واسع، هم صادقون” إذن العين هي إحدى الطرق لقراءة الشخصية، ويقال أيضا إن الانتباه إلى العيون في التقاليد الفيزيولوجية، لعلم الفراسة في التصورات الثقافية الأدبية القديمة يكشف مركزية التفكير الفيزيولوجي. العيون تهيمن على الوجه وترسم الملامح الكامنة في دواخل الإنسان من مشاعر حقيقية. قال شيشرون: ” العينان هي مؤشر الانفعالات .. لا أحد يستطيع تحقيق نفس الغاية بعينين مغمضتين”. إذن هناك وعيٌ فسيولوجي قوي في العالم القديم يقول إن الشخصية الداخلية للإنسان تنعكس في عينيه.

العين البسيطة بحسب قول السيد المسيح تخصّ الإنسان الذي له دوافع نقيّة، والذي له رغبة صادقة في الأشياء، هذا تكون حياته كلّها فائضة بالصدق والصراحة أمّا العين الشرّيرة فتخصّ الإنسان الذي يحاول أن يعيش في مظهرين يبطن غير ما يظهر ومثل هذا الإنسان يفتقر إلى التوجيه الواضح ولا يتعلم العبر من الأخطاء والإخفاق لأنّ حياته مليئة بالظلام. ومثل هذا الشخص يستخدم كل قدراته وإمكانياته المميزة بطريقة تقوده إلى الفشل. وبالنظر إلى الواقع المتنافر توجد نظرتان متنافرتان في خطين متوازيين لا يلتقيان يتوسطهم فراغ.

ثمة ثغرة واسعة وتزداد هُوَّة كل يوم بين الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي، طالبي التغيير ما يدعى عموما الليبرالية في المطالبة بحكم علماني أوالمحافظة في المطالبة بحكم ديني، لا يطالبك كل منهم أن تنبذ الآخر وحسب إنما تزدريه لأنه ضعيف شرير وعار، كل واحد يعتبر الآخر ينمو بسرعة ضده وعلى حسابه. الغريبة أن كلا المجموعتين في تاريخ خبرة ما يمثلهما فشل ذريع. أيضا كلاهما محافظان في حياتهما العملية وكلاهما متدينان ومعظمهم من نفس الجيل ولكنهم لا يتقبلون بعضهم البعض. هذه الظاهرة شائعة عالميا أي الاستقطاب حول الدين، وضده في نفس الوقت، حتى أوروبا التي قيل إنها ودعت عصر الإيمان وأصبحت لا دينية لا بل رائدة في هذا المنحى، انقلبت الموازين، فلا التقدم التكنولوجي ولا زيادة الدخل نجحت في الحد من تنامي التدين كما قال أحدهم “قد لا تواجه أوروبا مستقبلا لا دينيا”. ولكن ما يميز المجتمع السوداني هو التداخل الاجتماعي بين المجموعتين مما شكل إذا جاز التعبير أيديولوجية اجتماعية متميزة. إلا أن ظاهرة التواصل في منصات وسائل التواصل الاجتماعي وتأثير أساليب معالم مجتمع الألفية الثالثة له أبعاد في الجراءة السلبية، من إيجابياتها تحطيم العقبات والعراقيل الزمنية والطبقية. الأهم هو وجود منصة منبر واحد يساعد على التعبير وإبداء الرأي، المهم كيف يمكن الاستفادة من العوامل المشتركة في هذا المنبر لتقريب وجهات النظر بين الفريقين، أي المجتمع الدنيوي طبعا المحافظ بتقاليد التدين الاجتماعي، والمجتمع المتدين المطالب بالحكم الديني والمحافظ أيضا بتقاليد المجتمع السوداني الخاص.  إذن الأمر يتوقف على منظور أو رؤية كل واحد تجاه الآخر أو كيف يبدو المشهد تجاه الآخر.

قد لا تحل مشكلة عدم تقبل الآخر بمجرد الدعوة إلى الحوار، ولكن إذا قبل كل من الطرفين بوجود الآخر بأنه حقيقة أمام نظره، وله تأثير لا يمكن أن يخطئه العين، أو تجاهله وتجاوزه، ولا أحد يستطيع أن يقصي الآخر سينتج هذا موقفا متواضعا، ثانيا عليهما أن يطرحا أسئلة في غاية الأمانة والجدية على أنفسهم، ودوافعهم لمعرفة مخاوفهم وتنقية الشوائب المنفرة في دواخلهم، ويعترف كل واحد لنفسه بما يزعجه ومحاولة حلها بين أنفسهم أولا ومن ثم يستطيع كل واحد احترام الآخر، في مواجهة موضوعية بقواعد المجتمع السوداني المشترك عندها يبدأ الحوار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى