الرأي

نحتاج إلى دولة تقيم المواطن

نتفق جميعاً أن الحكومة الانتقالية لم تأت بقامة الثورة ولا الشعب الذي صنعها، ولا القادمة ستكون كذلك ولا التي بعدها ربما، وهذا أمر طبيعي بسبب معاناة السودان من عدم وجود كيانات سياسية قوية وفاعلة يمكنها أن تسمو على مصالحها وتتحد من أجل الخروج به الى بر الأمان ، وعلى رأسها الأحزاب التاريخية التي ظلت ولا زالت عاجزة عن الدفاع عن الديمقراطية بشكل قوي ولطالما كانت السبب في تسليمها للعسكر منذ فجر الاستقلال بالرغم من أن عددها في ذلك الوقت كان أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.
ما زالت مشكلة عدم الاتفاق السياسي كما يقال بالدارجي هي(الكج) الذي لازم السودان 65 سنة، ومع ازدياد عدد الأحزاب والكيانات السياسية ازداد الخلاف وتعمق وظل  همها الأول والأخير السلطة فقط لا مكان للمواطن في برامجها، وفي الحقيقة أصبحت كالمحال التجارية تحمل أسماء حذابة ولا تقدم خدمات جيدة وتمارس الغش والاحتيال على الجمهور، وخاصة النظام المخلوع  صاحب النهج الذي يقدس إذلال الناس واستعبادهم، ولا أحتاج الى تقديم الدليل فكلكم ضحاياه.
اليوم ونحن في ظل ثورة ديسمبر المباركة. ننبه الشعب إلى ألا ينشغل كله بأزمات المعيشة وينسى أن البلد في أمسّ الحاجة إلى عمل يدفع الحكومة نحو اتخاذ سياسات تصب في اتجاه تعزيز مكانة المواطن ورفع قيمته، مثل وضع الدستور الدائم  والقوانين التي تنظم العمل السياسي وإنشاء نظام عدالة فاعل وتقوية دور الشرطة والجيش حتى يتمكنان من محاربة  الفوضى والإجرام والتلاعب باقتصاد البلاد وأمنها، وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والخدمية  لتقوم بدورها وغيره، والخطوة الأولى نحو هذا الأمر هي  تشكيل مجلس التشريعي  وحكومة انتقالية حسب رغبة الشعب وليس حسب رغبة هذه الكيانات التي أدت خلافاتها الحالية إلى شلل عام في البلد  .
تمكن  الشعب السوداني من التخلص من أسوأ نظام  مر على تاريخه بثورة ديسمبر، وهي ثالث ثورة شعبية يفجرها  لينبه الحكومات لوجوده بعدما استمرأت تجاهله وتعودت على استغلاله لمدة 65 سنة، ولذلك جاءت تكلفة ثورة ديسمبر غالية جداً لا يمكن مقارنتها إلا بتكلفة مقاومة السودانيين للاحتلال البريطاني، وهذا ما يجعلنا نحرض المواطنين باستمرار على الانتباه والتصرف بوعي والتركيز مع ما يصب في بناء الدولة فشعار الثورة حرية سلام وعدالة لا يتحقق من خلال توفير الخبز والوقود فقط بل من خلال بناء دولة الدستور والقانون والمواطنة التي تحترم المواطن وتقدره، ونحن اليوم بحاجة إلى بناء دولة تحترم المواطن وتقيمه حتى تلتزم الحكومات بواجبها ولا تحيد عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى