الرأي

مَوْتُ العَسْكَرْ!

 

 

الاثنين

واهمٌ من يظنُّ أن الأحداث في شرق السُّودان محض نزاع قبلي! بهذا الاقتضاب لخَّصت «مبادرة القضارف للخلاص» حقيقة ما جرى، وما زال يجري، هناك، وإن لم يفتها أن تقرِّر، في ذات الوقت، أن هذه الأحداث تعبير عن أزمة حقيقيَّة ينبغي على الحكومة، وعلى كلِّ القوى الثَّوريَّة، العمل على حلِّها، حيث ينبغي ألا تكون محلَّ متاجرة سياسيَّة، أو تكسُّب رخيص، إذ أن هذا مدخل خاطئ، بل وضار بإنسان الشرق والوطن.

هذه الأحداث، في حقيقتها، نتاج مؤامرة دنيئة دبَّرتها، بليل، فلول النِّظام المباد، ممثَّلة في العصابة المكوَّنة مِمَّا يسمَّى بـ «تجمُّع شرق السُّـودان + التنسيقيَّة العليا لكيانات الشَّرق + المجلس الأعلى لنظارات البجا»، والتي أقدمت، بقيادة النَّاظر تِرِك الذي تمكَّن من الهرب، مؤخَّراً، إلى إريتريا، على تصعيد التَّوتُّر بإغلاق الطريق القومي في أكثر من خمس نقاط، منها ثلاث بولاية البحر الأحمر، شاملة العقبة، باتِّجاه موانئ بورتسودان، وسواكن، على البحر الأحمر، وأوسيف على الطَّريق القاري مع مصر، ونقطتين بولاية كسلا، وثلاث بولاية القضارف، فضلاً عن أسواق المحاصيل، والخياري، وكبري البُطانة، مستغلَّة تطلعات أهل الإقليم المشروعة، مع أن تِرِك وعصابته بعيدون، كلَّ البعد، عن هذه التَّطلَّعات. وطالبت هذه العصابة بحلِّ الحكومة الانتقاليَّة، على خلفيَّة اتفاق جوبا المنقوص، بمنهجه المعيب، القائم على نهج المسارات، والمحاصصات، وتجزئة الحلول، وتبعيض قضيَّة السَّلام، فشحنت نفوس الأبرياء بغلواء التَّحريض البغيض، وزجَّت بهم في أتون صراع مرير، موجَّه ضدَّ الثَّورة، ينذر، إن لم يتمَّ تداركه، بكارثة ساحقة ماحقة، حسبما بيَّنت لجان مقاومة البحر الأحمر في بيانها الذي وصفت فيه اغلاق الطرق بالعمليَّة الاجراميَّة، كما وصفت ممارسات تِرِك وعصابته بالابتزاز المهين، وما يقومون به بالدَّور المحدَّد لزعزعة الاستقرار، وضرب النَّسيج الاجتماعي، وتعطيل عمل لجنة إزالة التَّمكين، خشية فتح التَّحقيق في فساد صندوق إعمار الشَّرق، والأراضي، والمعادن، وعائدات الموانئ، والوظائف الوهميَّة، وشركات الملاحة، والصَّادرات، والتَّخليص الجُّمركي، وأموال الاستثمارات، والبنوك! كما صدعت هذه اللجان بأنها ظلت تتحاشى الصِّدام، طوال عامين، مع هؤلاء الأعيان ممَّن وصفتهم بأنهم «حصان طروادة» لإعادة حكم المؤتمر الوطني المباد، آملة أن تحسم الحكومة الانتقاليَّة تفلُّتاتهم! على أن الكيل طفح، والسَّيل بلغ الزُّبى، مِمَّا اضطرَّها لإمهال الحكومة الانتقاليَّة ساعات لحسم هذه التَّفلتات، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وإلا فإنها ستتولى هذا الحسم نيابة عنها!

 

الثَّلاثاء

لا علم لي بالطَّريقة التي انتهت بها «المشادَّة» التي قيل إنها نشبت، مؤخَّراً، بين البرهان، رئيس مجلس السَّيادة، وخالد عمر، وزير مجلس الوزراء، خلال اجتماع «المجلس الأعلى للسَّلام»، قُبيل قيام اللواء بكراوي بمحاولته الانقلابيَّة الفاشلة، فجر الثُّلاثاء الماضي. فأقصى ما جادت به صحيفة «السُّوداني» التي نقلت عنها «الدِّيموقراطي» الخبر أن سبب «المشادَّة» هو اعتراض خالد على الطريقة التي كان البرهان يدير بها الاجتماع، متعمِّداً «توجيهه بما يتوافق مع رغبته»! أمَّا في ما عدا ذلك فقد اكتفت «السُّوداني» بأن «المشادَّة» انتهت «لحظيَّاً»، بتدخُّل الحاضرين لتهدئة «خواطر» الرَّجلين (!) تاركة لنا أن نستعيد، في خيالنا، السيناريوهات السُّودانيَّة التَّقليديَّة لمشاهد التَّهدئة بمحض الطَّبطبة على الأكتاف! فالحاضرون لأيَّة مشكلة في بلادنا، من أوَّل حوادث المرور، إلى آخر دُشمانات السِّياسة، قلَّما يجهرون بالحق، أو يتَّخذون موقفاً مبدئيَّاً يتجاوز منهج «باركوها .. وصلوا على الحبيب!»، حتَّى إزاء الخلاف الذي يمكن أن ينشب بين مسؤول عسكري يطلب إطلاق يد القوَّات النِّظاميَّة دون أيِّ قيد قانوني، كشرط لقيامها بواجبها في حسم التَّفلُّتات الأمنيَّة، وبين مسؤول مدني يشدِّد على ضرورة أن تتقيَّد هذه القوَّات، في أدائها لواجبها، بمراعاة الحريَّات العامَّة والحقوق الأساسيَّة للمواطنين! لذا، ليس من رابع المستحيلات معرفة من على حقٍّ، ومن على باطل، ولو بالقليل من تشـغيل الجُّمجمـة، والقراءة العابرة بين السُّـطور، واسـتدعاء مواقف الأطراف المعلومة، وبوجه خاص المواقف من محاولة الانقلاب الفاشلة!

 

الأربعاء

ألاحظ، منذ فترة، أن المزيد من المتحاورين حول مصطلحي «العلمانيَّة» و«فصل الدِّين عن الدَّولة» صاروا أميل للاتِّفاق، أكثر من أيِّ وقت مضى، على أن الثَّاني أصلح من الأوَّل في توصيف ومعالجة أزمتنا الرَّاهنة، لجهتي «الحوكمة» و«التَّشريع». ذلك أن «العلمانيَّة»، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، وسواء في نسختها الأوربِّيَّة العامَّة، أم «اللائكيَّة» الفرنسيَّة الخاصَّة، وسواء في الفكر البرجوازي، أم الماركسي، هي، في أصلها، جنين «العقلانيَّة» الطالعة من رماد الحرب الضَّروس التي اندلعت، خلال التَّاريخ القروسطي الأوربِّي، بين «إكليروس» زعم لنفسه نيابة عن السَّماء في الأرض، ومن ثمَّ سلطاناً مقدَّساً لإرادته البشريَّة على السُّلطة الزَّمنيَّة، وبين «مجتمع مدني» صارع لتحرير حكومته، وثقافاته، وعلومه، وسائر مقدراته، من بين فكي الهيمنة «الكنسيَّة»!

أمَّا في السُّودان، فثمَّة أعداد متزايدة، من القوى السِّياسيَّة، والمفكِّرين، وعموم المثقَّفين، أصبحوا لا يرون جدوى من الاشتجار حول مصطلح «العلمانيَّة». الشِّيوعيون، مثلاً، لم يكونوا ميَّالين، أصلاً، عبر تاريخهم في بلادنا، لرؤية أيَّة وجاهة في استخدام هذا المصطلح، مِمَّا حدا بهم لتغليب استخدام مصطلح «العقلانيَّة»، فكريَّاً، و«الدَّولة المدنيَّة»، سياسيَّاً، وهي توأم مصطلح «فصل الدِّين عن الدَّولة». أمَّا الحركة الشَّعبية لتحرير السُّودان – شمال، جناح الحلو، فقد توصَّلت، مؤخَّراً، من خلال حواراتها الرَّسميَّة وغير الرَّسميَّة مع وفود الحكومة الانتقاليَّة، بجوبا وأديس أبابا، حول «علاقة الدِّين بالدَّولة»، إلى الاتِّفاق على استخدام مصطلح «فصل الدِّين عن الدَّولة»، بدلاً من مصطلح «العلمانيَّة» الذي  كانت تتمسَّك، في السَّابق، بألا بديل عنه سوى «تقرير المصير»! كذلك ثمَّة مفكِّرون آخرون صاروا يتبنُّون تأويلاً محدوداً لقضيَّة «العلمانيَّة»، في السِّياق السِّياسي السُّوداني، كالواثق كمير، مثلاً،الذي كان مقرَّباً من الرَّاحل جون قرنق، والذي بات يرى أنها تعني، أساساً، «إلغاء قوانين سبتمبر 1983م»، حيث لن يكتمل نصاب السَّلام العادل، ودولة المواطنة، والمساواة أمام القانون، إلا بإلغاء تلك التَّشريعات. فالقضيَّة، إذن، بحسب وجهة نظره، قضيَّة سياسيَّة أقحمت على «الدِّين» بتخريجات محدَّدة، سواء من جهة الحوكمة، أم من جهة التَّشريع.

على أن الواثق أضاء، ضمن تحليله، مفارقة محيِّرة حول غرابة أن تنجح القُوى السِّيَّاسيَّة والنقابيَّة، كحاضنة لحُكومة أبريل 1985م الانتقاليَّة، في التَّوافق، نظريَّاً، على إلغاء «قوانين سبتمبر»، بينما تفشل تلك الحكومة الانتقاليَّة، عمليَّاً، في إنجاز ذلك الإلغاء! ولم يتنكَّب الواثق المنطق السَّوي، تماماً، عندما عزا تلك المفارقة إلى ضغط اقتراب موعد انتخابات 1986م البرلمانيَّة، والخوف من الابتزاز السِّياسي حالَ اتِّخاذ قرارات صعبة في ذلك التَّوقيت الدَّقيق، مِمَّا دفع حكومة الجزولي دفع الله الانتقاليَّة، آنذاك، لترحيل تلك المُهمَّة إلى الحُكومة المُنتخبة! عند هذا الحد يجوز إطلاق القول المأثور الفصيح: «ما أشبه الليلة بالبارحة»!

لكنني وددت لو آن الواثق كان قد دفع بتحليله ذاك نحو إضاءة أكثر شمولاً لما أخذ الكثيرون على حزب الأمَّة، وعلى رئيسه الصَّادق المهدي، من عدم إلغائه تلك القوانين، حتَّى بعد فوزه بأعلى الأصوات، وكان قد وصمها، علناً، وقبل حتَّى سقوط النميري، بأنها «لا تسوى قيمة الحبر الذي كتبت به»! الإضاءة المطلوبة، هنا، تتعلق بعامل معرفي مجرَّد يتلخَّص في مدى تأثير عدم حصول هذا الحزب على الأغلبيَّة المطلوبة لتمكينه من الانفراد بتكوين الوزارة، وبالتَّقرير، منفرداً، من ثمَّ، في أمر هذه القوانين، حيث لم يعُد أمامه سوى أحد ثلاثة خيارات أحلاها مرٌّ: فإمَّا الائتلاف مع الاتِّحاديِّين، لولا أنهم رفضوا الإلغاء، رافعين شعار «الجُّمهوريَّة الإسلاميَّة»! وإمَّا الإئتلاف مع الإسلامويِّين، لولا أن التَّشبُّث بتلك التَّشريعات كان بالنِّسبة لهم، بطبيعة الحال، مسألة حياة أو موت! وإمَّا التَّنحِّي، وإفساح المجال لـ «حكومة أقليَّة برلمانيَّة» لا يُتوقَّع لها البقاء في الغالب!

المفاضلة بين مصطلحي «العلمانيَّة» و«فصل الدِّين عن الدَّولة» ليست بالبساطة التي يتصوَّرها البعض؛ فهي خاضعة، في الواقع، لحسابات أكثر تعقيداً مِمَّا تبدو في الظَّاهر!

 

الخميس

لسنوات طوال يدير صديقنا د. عابدين زين العابدين، متَّعه الله بالصَّحَّة والعافية، قائمة مراسلات أسفيريَّة بديعة، بعنوان «عابدين لِسْت»، حيث أن علاقاته الطَّيِّبة الواسعة، من بعد الله سبحانه وتعالى، جعلت أفئدة من النَّاس تهوي إلى هذه القائمة، رجالاً ونساءً، أصدقاء ومعارف، من الهند والسِّند، بمختلف المؤهِّلات والتَّخصُّصات، يتبادلون، على مدار السَّاعة، شتَّى الأخبار، والمقالات، والمعلومات، والتَّعليقات على الأحداث، من كلِّ شاكلة تتَّسم بالذَّكاء، وكلِّ لون يعجُّ بالزَّكاوة، فاستغنى أكثرهـم بها عمَّا عداها من وسائط. ومن نماذج انتباهات عابدين نفسه ما كتب، بالاثنين 20 سبتمبر 2021م، عمَّا حملت الأنباء، قبل فترة، حول « .. سقوط طائرة عسكرية في النِّيل الأبيض، فتوفي إلى رحمة الله عدد غير معلن من العسكريِّين! كما حملت الأنباء، بالأمس أيضاً، خبر وفاة عدد غير محدَّد من الطلبة العسكريِّين! وذكر بيان القائد العام للقوَّات المسلحة أنهم استُشهدوا أثناء تدريب، دون ذكر عددهم، ولا نوع التَّدريب الذي أدى لوفاتهم، مِمَّا يجعل الأمر عرضة للتَّخمينات والإشاعات؛ حيث يحيل البعض سبب مقتلهم الغامض إلى قوَّات الدَّعم السَّريع! ويفسِّر البعض الآخر سبب موتهم، وإخفاء أعدادهم، إلى الخوف من شماتة الأعداء! وهكذا تغيب الشَّفافية في الدَّولة الدِّيموقراطيَّة! كما يزيد الطين بِلة سكوت حتَّى العسكريِّين الوطنيين عن تفسير الظاهرة»!

وفي نفس اليوم عقَّب عليه الصَّحفي عز الدِّين صغيرون بقوله: «إن ننسى لا ننسى وفاة وزيرالدِّفاع، بجوبا، في ظروف غامضة، نتيجة تسمُّم في ما أعلن»!

 

الجُّمعة

في انتخابات المغرب التَّشريعيَّة الأخيرة، بالثَّامن من سبتمبر الجَّاري، مُنِّي حزب الأخوان المسلمين الذي يحمل اسم «حزب العدالة والتَّنمية»، بهزيمة نكراء لم تكن متوقَّعة، البتَّة، حيث لم تزد حصيلة المقاعد البرلمانيَّة التي حصل عليها، بعد أن ظلَّ يقود الائتلاف الحكومي لعشر سنوات، عن 13 مقعداً فقط، متراجعاً إلى المرتبة الثَّامنة في ترتيب الأحزاب المغربيَّة، حيث كان قد حصل، في انتخابات الدَّورة قبل السَّابقة، على 107 مقعداً، أهَّلته للحكم خلال خمس سنوات، ثم حصل عام 2016م، في انتخابات الدَّورة السَّابقة، قبل خمس سنوات، على 125 مقعداَ، مِمَّا مكَّنه من تسيُّد المشهد الحزبي لخمس سنوات آخرى، مستكملاً، بتلك الوضعيَّة السِّياسيَّة الباهرة، مدَّة عشر سنوات على دورتين متَّصلتين!

ومع أن الكثيرين لم يستبعدوا، لأسباب كثيرة، أن يفقد الحزب بعض الأصوات في الانتخابات الأخيرة، إلا أنهم لم يتوقُّعوا أن يبلغ الفقدان هذه الهزيمة الساحقة، لدرجة أن يفقد زعيم الحزب، ونائبه، مقعديهما، مما دفع كليهما للاستقالة الفوريَّة!

هكذا شكَّل السُّقوط الأخير، المفاجئ والمدوِّي، تحوُلاً في الأحداث ما فتئت أصداؤه تتمايح، من أقصى شمال أفريقيا إلى أقصاها، مقارنة مع ما كان للاسلام السِّياسي من دور متعاظم، خلال ما عُرف بـ «الرَّبيع العربي» في بلدان هذا الاقليم، منذ الانفجار التُّونسي، والنَّتائج التي تحقَّقت هناك، في ما يشبه المعجزة، بإزاحة بن علي، ومبارك، والقذَّافي، واحدهم في إثر الآخر!

الصدمة التي أصابت الحزب، جرَّاء هذه النَّتيجة المخيِّبة لآماله، كان لها أثرها الفاجع عليه، وعلى أعضائه، والمتعاطفين معه، الأمر الذي أفضى، مباشرة، إلى سلسلة من الانشقاقات وسطه، بل ومساع جديَّة لتأسيس حزب جديد!

أمَّا من حيث أسباب هذا السقوط المريع فيكاد المراقبون يجمعون على أن أبرزها هو فشل الحزب في الوفاء بوعوده الانتخابيَّة، وفي تحقيق أيٍّ من «العدالة» أو «التَّنمية» المكوِّنين لاسمه، حيث كان قد تعهَّد بإخراج المغاربة من براثن الفقر، وتحسين خدمات التَّعليم، والصَّحَّة، لكنه عجز عن تحقيق أيِّ شئ من ذلك. ولعلَّ من أكبر الاخفاقات، بالنِّسبة لحزب يزعم أن العروبة والاسلام يمثِّلان مرجعيَّته الأساسيَّة، عجزه عن الحيلولة دون صدور قانون يجعل الفرنسيَّة لغة التَّعليم العام (!) علاوة على أنه، بمجرد وصوله إلى السُّلطة، أظهر انحيازاً واضحاً إلى جانب الملك، وحاشيته، وأجهزته الأمنيَّة؛ دَعْ كونه تولي مسؤوليَّة الحكومة، عالماً بأنه ليست لديه سلطة فعليَّة ظلَّ الملك محتفظاً بها دستوريَّاً!

 

السَّبت

لا يستطيع كائن مَن كان أن يزايد أو يناقص على دعم السُّودان، تاريخيَّاً، للقضيَّة الفلسطينيَّة. على أن القرق جدُّ شاسع بين الدَّعم كخيار وطنيٍّ سوداني، وبين كون هذا الخيار مختطفاً، عنوة، من قِبَل الذين يُفترض أن يتوجَّه إليهم، فيقرِّرونه، ويدفعونه، دفعاً، بالاتِّجاه الذي يريدون، حتَّى لو أدَّى ذلك للاضرار بمصالح السُّودان!

قبل أكثر من شهرين تقصَّت لجنة إزالة التَّمكين حركة أموال طائلة ظلت تنساب، منذ زمن، باتِّجاه العاصمة الأردنيَّة، من الخرطوم، ثم من هناك نحو خزائن .. حماس! وبالتَّحقيق وجدت مصدر هذه الأموال في ما لا يقلُّ عن 12 استثماراً مشتركاً بين المنظَّمة الفلسطينيَّة التي لم تشجب، حتَّى الآن، محاولة بكراوي الانقلابيَّة، وبين حركة الاسلام السِّياسي في السُّودان، ممثَّلة في بعض صُّقور رأسماليَّتها الطفيليَّة، دون أن يكون للشعب السُّوداني، أو دولته، مثقال ذرَّة من المصلحة فيها! وهكذا، دون أن تتلجلج في استخدام ما يخوِّل لها القانون الدَّولي والقانون الوطني، أقدمت اللجنة، بكلِّ اطمئنان، على مصادرة تلك الاستثمارات، وعلى رأسها شركة الخرطوم للطُّرق والجسِّور، وكانت مملوكة، في الأصل لأسامة بن لادن، وفندق برادايس في موقعه المميَّز بالخرطوم 2، ومجمَّع الرُّوَّاد السَّكني وقوامه 502 شقَّة، وشركة حسَّان والعابد، وبعض الصَّرَّافات، وغيرها من الأصول التي تبلغ قيمتها ملايين الدُّولارات!

نعم. الفرق جدُّ كبير بين الإرهاب والنِّضال التَّحرُّري، بين الإرهابيِّين والمناضلين، لكن، على الرُّغم من أن المنظَّمات الفلسطينيَّة كيانات نضاليَّة حقيقيَّة، وليست إرهابيَّة، كما يزعم الأمريكان وحلفاؤهم، إلا أننا، مع ذلك، لا نرغب في أن نُستباح حتَّى من قِبَل إخوة، أو أصدقاء، أو رفاق، يغلبون، فقط، مصالح بلادهم، ولا يقيمون اعتباراً، بأيَّة حال، لقضايا شعوبنا.

 

الأحد

في كتابه «أخبار الحمقى والمغفَّلين» ساق الإمام ابن الجَّوزي نصيحة تقول: «لا تتفاصح أمام العامَّة»! وروى قصَّة تؤكِّد الحكمة من هذه النَّصيحة، قائلاً: «حكى إسحق بن إبراهيم أنه حضر جنازةً لبعضهم، فجاء رجلُ يسأل: من المتوفِّي (بكسر الفاء المشدَّدة)؟! فقال إسحق: الله (يقصد الذي بيده فعل الموت)؛ فما كان منهم إلا أن ضربوه حتَّى كادت روحه تُزهق»!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى