تقارير

موازنة 2021 كَفُّ الدفاع “مبسوطة” 

الخرطوم ــ شذى الرحمة 

انتقادات عديدة؛ وجَّهها خبراء اقتصاديون لنِسب التخصيص، والتي تمَّ فيها الإبقاء على نسبة تجاوزت الـ70% من الموازنة للدفاع والأمن. بينما تمَّ تخفيض النِسب المخصصة للتعليم، والصحة، والخدمات عموماً ــ بعد العجز الكبير الذي فاق الــ300 مليون جنيه في الموازنة الجديدة ــ وافترض الخبراء؛ انعكاس اتفاقية السلام على الموازنة، وذلك بخصم نِسبٍ مقدَّرة من الدفاع والأمن، للإسهام بها في بنود تنمية المناطق التي عانت ويلات الحرب ــ خلال السنوات الماضية ــ واستهجنوا أن تبتعد الموازنة بتلك النِسب من القضايا الأساسية؛ المتمثلة في معاش الناس، والخدمات. ووصفوا الموازنة ــ وفق هذه النسب ــ بالمختلة.

من جهته؛ انتقد رئيس تجمع الاقتصاديين والماليين السودانيين، حسين أبو جنَّة، أن يحوز الدفاع والأمن أكثر من 70% من حجم الموازنة، ووصفها بالصورة المقلوبة، في ظل السِلم الذي تشهده البلاد ــ في هذه الفترة ــ بعد توقيع اتفاقية السلام. واعتبر؛ مبررات ما يحدث في الجبهة الشرقية، غير كافية لإبقاء النِسبة كما هي عليه، فهي أحداث لا يحتاج حسمها لإبقاء موازنة عام كامل. وأشار إلى التشوهات السالبة في ميزانية 2020؛ والتي أفضت لمزيدٍ من التدهور والانهيار في الاقتصاد السوداني، وتدهور سعر الصرف، واختلال الميزان التجاري، وتدني الانفاق الحكومي على قطاع الخدمات الأساسية، وارتفاع تكاليف الحياة ــ بالنسبة لمعاش الناس. وقال: “من المفترض في موازنة 2021 أن تُجيِّر الموقف، وتُزيل هذه التشوهات. لكن؛ ظهرت الموازنة بعجز فاق الــ300 مليون جنيه، مما يعني استمرارية العِلل والأمراض المصاحبة لمنظومة الاقتصاد القومي في السودان”.

 ويقول أبو جنة: “كان من المنتظر؛ أن تنعكس اتفاقية السلام ــ برداً وسلاماً ــ على السِمات العامة للموازنة. لكن؛ جرت الرياح بما لا تشتهي السفن. مشيراً إلى أن من أبرز المآخذ على 2021؛ ظهور العجز بهذا الرقم، مما يعطي انطباعاً بارتفاع مؤشر التضخم، في ظل زيادة الانفاق على القطاع غير المنتج  (الدفاع). مؤكداً أن الموقف؛ يتطلَّب خطوات تنظيم، وإعادة النظر كليَّةً في منهجية إعداد هذه الموازنة، وتقديمها بشكل أفضل، وذلك عبر (صفرية الموازنة)، مع تخصيص موارد أكبر لقطاعات الصحة، والتعليم، والخدمات الأساسية، ومعاش الناس. وهو ما ينتظره إنسان السودان؛ الذي يعيش 90% منه خارج حدود رفاه العاصمة أو ما يُسمَّى بالهامش”.

وأشار ــ من جهة أخرى ــ إلى وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، وأن عليها مدَّ جسور العناية لخلاياها بالولايات، لأن ترك الحبل على الغارب ــ في الولايات ــ خلَّف فراغات عريضة، ملأتها جبهات سياسية، فأصبحت خصماً على ولاية وزارة المالية على المال العام. وتساءل أبوجنة؛ عن موقع القروض، والمنح، والمعاملات المالية المنتظرة ــ بعد خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ــ والتي من المفترض تنزل “برداً وسلاماً” على موازنة 2021. وانتقد تخفيض النسبة المخصصة للتعليم؛ والصحة، والخدمات، التي كان من المفترض أن “تعدل” الصورة، في ظل تدهور سعر الصرف. وقال: “إذا كان المخصص لها 300 مليون، يعني فعلياً 100 مليون فقط!! وقطع؛ بأنها ستتآكل قيمتها مع تدني سعر الصرف”. وزاد: “تبقى الحيرة والارتباك قائميْن بشأن موازنة 2021”.

فيما وصف عضو اللجنة الاقتصادية؛ عصام علي، عجز الموازنة بالكبير جداً. مما يحتمِّ على الدولة؛ البحث عن رؤى، وأفكار، لسدِّ العجز. وطالب الدولة؛ بتخفيض الانفاق الحكومي ــ بشكل كبير ــ إضافة لعمل إصلاحات ضرائبية وجمركية. كما شدَّد على تجريم التجنيب؛ كواحدة من الآليات لتخفيض حالة العجز.

وأشار عصام؛ إلى أن الوضع الاقتصادي ــ الذي وصفه بالصعب ــ يُحتِّم على الدولة، دعم التعليم، والصحة، وليس تخفيض ميزانيتهما. لأن حالة التضخم؛ والواقع الاقتصادي، والمعيشي ــ الذي أصبح أكثر من قاهر ــ يُحتِّم تدخل الدولة، لتخفيف العبء المعيشي على المواطن، بشكل أكبر. 

كما قال: “على الدولة ــ طالما وقَّعت اتفاقية سلام مع حركات الكفاح المسلح، إلى جانب التوصل إلى وقف العدائيات وإطلاق النار مع الحركات غير الموقعة على اتفاقية السلام ــ الانتقال إلى إعداد ميزانية سلام، فنسبة الـ70%، التي كانت تُخصص للدفاع والأمن ــ رغم قبولها إلى حد ما ــ إلا أنها مبررة والبلاد تحارب في عدد من الجبهات، إلا أنها أصبحت غير مبررة البتَّة. فالنسبة ــ كانت كبيرة في الميزانيات السابقة للحكومة البائدة ــ لأن العقلية التي كانت تُدير البلاد؛ كانت عقلية أمنية، وتحل إشكاليات البلاد حلاً أمنياً. لكن؛ المسألة اختلفت، فنحن في ظل دولة مدنية”. مؤكداً؛ أن أولى أولويات الدولة، وتحدِّياتها، وضع ميزانية سلام، في أجواء توقيع الاتفاقية، ووقف العدائيات. وتساءل؛ عن المنطق في الحفاظ على أكثر من 70% من موارد الدولة للدفاع والأمن؟! وأشار إلى أن توجيه جزء كبير منها؛ قد يعمل على إطفاء الحرائق في المناطق المهمشة.

فيما توقع الخبير الاقتصادي؛ د.الفاتح حسين، أن يحدث تعديل كبير في الموازنة، لاستيعاب الدعم الأمريكي، والخليجي، المرتبط بعملية التطبيع. وكذلك؛ دعم الوكالة الدولية للتنمية، التابعة للبنك الدولي. ولهذا؛ سيتم إجراء تعديل كبير في نسب الموازنة، وخاصة الأموال التي ستدفعها الحكومة للمواطنين، كبديل للدعم السلعي، بتمويل من أمريكا، وغيرها. وقطع؛ بأن تخفيض موازنة التعليم، والصحة، يؤكد أن أولويات الحكومة معكوسة، وأنها لا تهتم كثيراً بتحسين معيشة المواطن. وقال: “غالباً؛ يتم إدخال تعديل على الأموال المخصصة للصحة، والتعليم”.

وأكد أن الموازنة القادمة؛ بها مخصصات للأمن والدفاع في الموازنة، تقل عن نصف المبالغ الحقيقية التي خُصصت لهذا القطاع المهم في الموازنة 2020م، والسبب هو تراجع سعر صرف الجنيه السوداني ــ لأقل من الثُلث ــ بين بداية العام الحالي ونهايته. وزاد: “الجزء الأكبر من الموازنة ــ سابقاً ــ كان يذهب للدعم السلعي، وليس لقطاع الأمن والدفاع ــ كما كان يُشاع سابقاً ــ مشيراً إلى أن أعباء اتفاقية جوبا للسلام ــ وحدها ــ تُقارب، أو تزيد عن مليار دولار. وبالتالي هي القطاع الأكثر تكلفة في موازنة 2021م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى