الرأي

مهام الفترة الانتقالية ودور المجتمع المدني في عملية السلام

عبد الله ديدان
يتسم المجتمع المدني بسمات جوهرية تشكل محور إمكاناته ومدي تعدد فرصه في المساهمة، بما يمكنه من لعب أدوار جوهرية وكبيرة في مشروع التغيير المنشود في السودان، المرتكز على معالجة النزاعات التي تطاول أمدها، وبناء سلام دائم وشامل يمهد الطريق إلى انتقال ديمقراطي مستقر، محمي بالإرادة الشعبية معزز بإدارة التنوع، بما يقود إلى تأسيس المشروع الوطني الكبير. من السمات الأساسية للمجتمع المدني، المرونة، وهي القدرة على العمل في قضايا متعددة ومركبة، بعيدا عن حساسيات الأيديولوجية والأطر النظرية المكرسة للصراع حول التغيير الاجتماعي المرتبط بأدوات السلطة والتنافس عليها، كما أنه يتسم بالحرية والاستقلالية، الحرية من التأطير الاجتماعي، الثقافي، السياسي وقيود السلطة، لأنه يربط بكل ذلك من موقف مستقل، ويتعاطى مع هذه المحيطات وفقا لمطلوبات تحقيق القيم التي تعمل علي حماية حقوق الإنسان، الحريات العامة، العدالة، السلام والديمقراطية، ومن هنا يتخذ موقفا مستقلا في كينونته، وفي ذات اللحظة منحازا إلى هذه القضايا ولصالح المجتمع ومؤسساته، إضافة إلى ذلك يمتلك المجتمع المدني قدرة عالية التمثيل بطبيعة عمله ومهامه العامة، فهو يشكل معمل تجميع لكل الفئات والمؤسسات سواء كانت رسمية أم سياسية وحتى الأفراد، لصناعة الأفكار وتبادلها والوصول إلى صيغ توافقية حولها، تنبني على تعدد وتنوع الرؤى بحيث تصل إلى أفق للعمل المشترك، وتنتج مشاريع عمل للتعاطي مع القضايا والتحديات والانتقال بها إلى مراكز التنفيذ بكل مستوياتها، وفي هذه الناحية يتيح المجتمع المدني مساحات واسعة لمؤسسات المجتمع المختلفة سواء كانت كيانات سايسة أو غيره وكذلك الدولة بكل مؤسساتها، أن تعمل تحت مظلته دون قيود وأن تمثل نفسها ورؤاها بحرية وحيوية أكثر، دون شروط مسبقة تحد من قدرتها على الفعالية في المشاركة وتشارك الأفكار.
هذه السمات تجعل من المجتمع المدني ممرا آمنا بقوة دفع متبادلة، للربط بين المجتمعات في شراكات حول القضايا الأساسية والكبيرة، التي تشكل روح المشروع الوطني خصوصا في مجتمعنا المبني على التنوع والتعدد، مثل مسائل النزاعات المسلحة بكل أشكالها السياسية والاجتماعية، صناعة وحماية السلام، حقوق الإنسان، العدالة بكل أنواعها ومفاهيمها، الانتقال الديمقراطي وديمومته، ومن جانب آخر خلق اتصال وحلقات تواصل مع مؤسسات قيادة المجتمع في السلطة الانتقالية بكل مستوياتها، القوى السياسية الحزبية مدنية ومسلحة، إضافة إلى الكيانات الأخرى ذات التأثير في حياة المجتمع، بمعنى أنه تتوفر للمجتمع المدني أدوات متنوعة لبناء دائرة واسعة للمشاركة الأكثر شمولية على كافة المستويات.
يرتبط دور المجتمع المدني بعد ثورة ديسمبر العظيمة، بمهام الفترة الانتقالية والتي يمكن إجمالها في محاور أساسية وهي:
* الإصلاح المؤسسي لمؤسسات الدولة على مستوي التشريعات والقوانين والنظم الإدارية، والمستوى الهيكلي وجهاز الحكم المحلي، وذلك من التخريب الذي نالها علي يد النظام المزال .
* إيقاف الحرب ومخاطبة مسبباتها الجذرية وفق رؤية جديدة تقرأ التاريخ السياسي والاجتماعي والعنف الذي صاحبه، الشروع في حفظ وصناعة وبناء سلام شامل لديه القدرة على الاستمرار وكذلك معالجة آثار وتداعيات هذه النزاعات والتي أعادت تشكيل الواقع الاجتماعي والسياسي السوداني بصورة حادة.
* تعبيد الطريق لعملية الانتقال الديمقراطي المنشود وذلك بإنجاز المطلوبات اللازمة والاتفاق عليها بين مؤسسات المجتمع السياسية والسلطوية والشعبية.
تتوزع هذه المهام بين كل من:
* السلطة الانتقالية بكل مستوياتها، مجلس الوزراء، المجلس السيادي، مستوي الحكم الولائي والمحلي و المجلس التشريعي المرتقب تكوينه.
* القوى السياسية الحزبية المدنية والمسلحة، المجتمع المدني، الكيانات المهنية والنقابية.
* تكوينات المجتمع الأخرى من إدارة اهلية، لجان مقاومة، لجان التغيير والخدمات والكيانات المجتمعية الأخرى.
ودون الدخول في تفصيل الواجبات المعنية بما العمل، يتضح دور منظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة بصورة جلية، في المهام المتعلقة بصياغة الرؤى والأفكار تجاه قضايا الإصلاح المؤسسي، الحرب والسلام، مطلوبات الانتقال الديمقراطي الأخرى، وهنا نتناول جانبا واحدا فقط من المهام وهو عمليات إيقاف النزاعات المسلحة وآثارها وبناء السلام، فالنزاعات المسلحة في السودان وبنتطاول أمدها وفشل الاتفاقايت والتسويات السابقة، من لدن اتفاقية أديس أبابا في العام 1972 انتهاءا باتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا في العام 2005، لم تنجح جميعها في تحقيق التسوية الشاملة للنزاعات العنيفة في السودان، والوصول إلى السلام المستدام، هذه المحصلة خلقت واقعا جديدا في طبيعة النزاعات السياسية المسلحة في السودان، لأن من إفرازاتها حالة الانقسام الاجتماعي والمجتمعي بين المكونات السودانية وخصوصا في أقاليم النزاعات، فأفرزت حروبا عرقية وإثنية وقبلية، لتتسع دائرة الصراع وحالة الانقسام في بنية المجتمعات وطبيعة إدارة التنافس بينها، مما جعل النزعات المسلحة في تلك الأقاليم تأخذ صفة أنها مركبة، سياسية – اجتماعية كمحصلة أخيرة.
ويكمن دور المجتمع المدني بصورة أولية، في تفكيك مطلوبات عملية إيقاف الحرب وصناعة السلام، إلى قضايا مفصلية، يمكن تفصيلها في الآتي:
* مخاطبة قضايا الحرب ومسبباتها ومحفزاتها والفاعلين فيها والبيئة المحيطة بها بكل جوانبها ومكوناتها، إضافة إلى أوجهها السياسية والاجتماعية.
* المساهمة في بناء وتشكيل الأطر النظرية والعملية لأدوات الحوار المساند والداعم في عمليات التسوية السليمة.
* العمل في قضايا بناء السلام مثل: العدالة الانتقالية، السلام الاجتماعي، التعايش السلمي بين المجتمعات، إدارة التنوع.
* إدارة الحوار والشراكات الفكرية والنظرية بين المكونات السياسية والمسلحة والمجتمعات المحلية حول كيفية مجابهة تحدي انتقال قوى الكفاح المسلح من العمل المسلح إلى العمل السياسي المدني بصورة سلسة في ظل حالة الانتقال السياسي العامة بعد إزالة نظام البشير من السلطة السياسية والتعقيدات الراهنة في الواقع المشكل للسطة الانتقالية ومتغيرات البنية الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل تحديا آخر ذو أهمية كبيرة في التأثير.
هذه المهام تتطلب وضع استراتيجيات من المجتمع المدني قادرة على الاستجابة لكل هذه المتغيرات، ومبنية على تقييم المهام وأدوات العمل السابقة قبل إزالة نظام البشير، وصولا إلى رؤية الانتقال بعد ثورة ديسمير العظيمة، ومحاولة الإجابة على أسئلة: أدوات العمل، طبيعة الشراكات المطلوبة في هذه المرحلة بين القوى الفاعلة والقائدة لعملية التغيير والمناط بها عبور فترة الانتقال إلى التحول الديمقراطي بكل مطلوباته، مساحات وآفاق هذه الشراكات، إضافة ماهي الاحتياجات المطلوبة من المجتمع المدني من جانب المجتمع القاعدي والنخب القائدة وكيفية خلق قنوات الاتصال والتواصل ولغتها العملية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى