الرأي

مطلوبات التحول الديمقراطي في السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة (1)

د. أحمد سمي جدو محمد النور
إن الديمقراطية في اللغة تعني حكم الشعب أو حكم الأغلبية، إلا أن هناك عدة تعريفات لها،فقد عرفها الرئيس الأمريكي أبراهام لينكون بأنها حكم الشعب من قبل الشعب ومن أجل الشعب. في حين يرى آخرون بأنها تعني أن تكون السلطة العليا بيد الشعب، عبر ممثليه من الأشخاص الذين تم انتخابهم بالفعل في الدوائر الجغرافية أو دوائر القطاعات المحددة بواسطة مفوضية الانتخابات، لتمثل الشعب في البرلمان، أو الجمعية التأسيسية، أو الجمعية التشريعية، لطرح مشاكل وقضايا الناخبين والدفاع عنها، وإبرازها بصورة قوية أمام السلطة التنفيذية. وهي من وجه آخر عبارة عن ممارسة سياسية تمنع تمركز السلطة في يد شخص واحد، فيتحول بمرور الزمن إلى مستبد أو ديكتاتور تسنده أقلية منتفعة.
من الصعب جداً إيجاد نموذج واحد للديمقراطية، فقد تعددت أشكالها حول العالم، فهناك الديمقراطية الرئاسية، والديمقراطية التعددية أو غير المباشرة، والديمقراطية الاستبدادية. وسوف نعطي ما أمكن شروحات بسيطة وغير معقدة لكل واحدة من هذه النماذج، لأن المجال هنا مجال تنوير وتثقيف أكثر منه مجال استعراض للنظم الديمقراطية المعمول بها في العالم من حولنا. فالديمقراطية الرئاسية هي التي يتم فيها انتخاب الرئيس بحيث لا يمكن عزله إلا من خلال إجراءات استثنائية محددة. بل ويحق للرئيس المنتخب بهذه الطريقة الاعتراض على أي إجراء قانوني، إلا إذا قام البرلمان أو الجمعية التشريعية بإلغاء حق الاعتراض عن طريق التصويت. أما الديمقراطية التعددية أو غير المباشرة فهي من أكثر النظم الديمقراطية انتشاراً في جميع أنحاء العالم، لأنها تقوم في الواقع على انتخاب عدد معين من الأفراد لتمثيل الشعب في البرلمان،والمشاركة في صنع القرارات ووضع السياسات والمصادقة على مشروعات القوانين المختلفة.
وهناك الديمقراطية البرلمانية، والتي فيها يتم انتخاب الهيئة التشريعية أو البرلمان الذي يجب أن تسند إليه السلطة التشريعية والرقابة على السلطة التنفيذية لأنهما وجهان لعملة واحدة، إذ من الصعب فصلهما عن بعض، وذلك لأن البرلمان منوط به اختيار رئيس الوزاء، باعتباره وزيراً تنفيذياً. وفي هذه الحالة يحق للبرلمان عزله عن طريق حجب الثقة عنه إذا لزم الأمر. أما الديمقراطية الاستبدادية فهي التي يتم فيها اختيار نخبة سياسية لتمثل مصالح الشعب، من الذين لا يسمح لهم بأن يكونوا ضمن المرشحينالخاضعين للمنافسة في الانتخابات عبر الدوائر الانتخابية المحددة من قبل مفوضية الانتخابات في الدولة المعنية. ونواصل.
إن الديمقراطية– في الواقع هي نظام حكم تؤول فيه السلطة الفعلية للشعب، ليمارسها عبر ممثليه الذين يختارهم عند إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة دونما إكراه،بهدف مخاطبة قضاياالناخبين في أبعادها المختلفة في البرلمان،باعتباره الرقيب على السلطة التنفيذية، وهم الوزراء المنوط بهم تنفيذ كل التشريعات والسياسات والخطط والبرامج والقوانين المجازة من قبل البرلمان، وتدخل في اختصاصات الوزراء التنفيذيين. فالوزير مساءل أمام البرلمان بحسب أدائه، ومراقب ومرصود من قبل البرلمان الذي باستطاعته محاسبته على أي خطأ أو تقصير. والهدف من ذلك هومحاصرة السلطة التنفيذية، بما فيها رئيس الوزراء حتى لا يتحول إلى ديكتاتور يستبد بالسلطة دون البرلمان، ويحتفظ بكل الصلاحيات في يده، فيقرب هذا ويبعد ذاك، لينفرد باتخاذ القرارات المصيرية التي ربما أضرت بالوطن والمواطنين.
وفي اعتقادي أن الديمقراطية التي نتطلع إلى ممارستها وتطبيقها كنظام حكم في السودان، هي التي عبرها يمكن للدولة أن تحقق مبدأ المشاركة لكل المواطنين، في السلطة والثروة بشفافية وعدالة متناهية. معيارها الولاء للوطن والانتماء إلى ترابه وجغرافيته، والحرص على سيادته، والمحافظة على أمنهوسلامة حدوده من العدوان الخارجي، مع كفالة كل الحقوق السياسية للمواطنين، مثل حرية التعبير، وحرية التنظيم، وحرية التظاهر، وحرية التملك، وحرية النقد الموجه لبعض السياسات الصادرة عن الدولة، وفيها ضرر بمصالح الوطن. لأن الفرد لا تصدر عنه أفعالهإلا باعتباره فرداً في ذاته، أو عضواً في أسرة، أو مواطناً في دولة.
ولنجاح النظام الديمقراطي الذي نرجو أن يتحقق على أرض الواقعفي سودان ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة، هو أن لا بد من اعتماد اللامركزية كأساس لإحداث التحول الديمقراطي المنشود. لأنها تسمح بنقل السلطة من المركز إلى المستويات الدنيا في السلم الإداريإلى المحليات والولايات. وذلك بمنحها بعض الصلاحيات التشريعية والمالية والإدارية، التي يمكن أن تسهم في إحداث التنمية المستدامة، التي من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين في الدولة الواحدة. توطئة للقضاء على الصراع القائم بين المركز والهامش، والذي اتخذ في بعض الأحيان أبعاداً عرقية وجهوية ومناطقية ممقوتة، تطورت مع الزمن إلى حركات تمرد ضد الدولة، كانت في أول أمرها عبارة عن حركات مطلبية، ثم تطورت إلى حركات تحرر من قبضة وهيمنة المركز الذي سيطر على كل الخدمات وجعلها حكراً لسكان الخرطوم دون سواهم، متجاهلاً الأقاليم والولايات التي ظلت ترزح تحت وطأة الفقر والجهل والمرض من جراء انعدام أساسيات الحياة ومطلوباتها ونواصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى