الرأي

مصالحة الخصم

جاكسون يوكي
كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ. (متى 5: 25)
تهدف المصالحة إلى تحسين العلاقات بين الأعداء، من أجل إعادة الود في المواقف والأفكار، من خلال التفاوض والجدال الحميد، الذي يسعى إلى المحافظة على التواصل وتجديد الثقة. قد تكون المصالحة من أجل وقف العدائيات دون معالجة الأسباب التي تؤدي إلى مستقبل أفضل، أي أن يعلم الطرفان أنهما متصالحان، دون تحديد نوع التعامل بعد المصالحة. في حين أن المصالحة الحقيقية يجب أن توجه نحو مستقبل يتسم بعلاقات سلمية وعادلة، بتحسين المشاعر والشكوك السيئة، للحيلولة دون رجوع الصراعات والظلم، أو تهيئة الظروف التي تضمن عدم حدوث الانتهاكات وأنها “لن تتكرر أبدًا”. في مفهوم القانون يسمى “العدالة التصالحية” التي تسعى من أجل تحسين وحل مشكلة العلاقة بين الجاني والضحية والمجتمع، قد يتطلب تعويضاً، أو توفيق الأوضاع. أكثر أنواع المصالحة هي في القضايا الأخلاقية التي تنشأ في الخلافات اليومية بين الأصدقاء والعلاقات الأسرية. في هذه الحالة تظهر بعض العقد وعدم الوضوح في تحقيق المصالحة، هل هي مصالحة وغفران في ذات الوقت أم مصالحة دون غفران، ويجب ردع أو معاقبة الجاني الذي لا يعرف التوبة والندم على ما يرتكبه من فظائع في حق الآخرين. إذاً المصالحة تتعارض مع إجبار الطرف الآخر بالقبول على الوضع الجديد إن كان قد ظلم أو انتهك حقه أو اجبر على الانتقال من أرضه كوضع الفلسطينيين، على أن يتأقلموا كلاجئين دون عودتهم إلى أرضهم. في السودان مثل حالة أهل حلفا القديمة في أقصى الشمال الذين هجروا إلى شرق السودان.
لذا يجب التفريق بين “Conciliation” أو التوفيق هو عمل لإحلال السلام والوئام، أي وقف السلوكيات العدوانية أو المهينة، تقليل التوترات، وهي قد تكون بمثابة هدنة ليس إلا وقد يتجدد الصراع والخلاف مرات. أما” Reconciliation “هو إعادة العلاقات الودية، وتحسين المشاعر، وإزالة الشكوك، والمرارات وتحقيق المصالحة، التغلب على الاستياء، الخوف، الكراهية أو الغضب تجاه الطرف المخطئ، وتبني مشاعر إيجابية، كالاحترام المتبادل، والتعاطف، والحب زيادة القدرة، التعاون والعمل مع الطرف الآخر، إنهاء الاعتقاد بأن الطرف الآخر شرير بطبيعته، وذو مبادئ أخلاقية ضعيفة. فالمصالحة المرجوة في تحسين العلاقات هي إعادة العلاقات الودية “Reconciliation “، كما صرح المصلح جون كالفن “المصالحة هي لإبعاد الكراهية والاستياء، ولإشارة إلى طريقة الاعتزاز بحسن النية، لأن من ضمن أسبابها العناد في تمسك كل طرف لحقوقه دون مراعاة للآخر، أي أن كل شخص لديه استعداد كبير للتشاور من أجل مصلحته على حساب الآخرين، ويتصرفون كالعُمْيان”. لذا وجب تنمية الوسطية والعدالة، والتخفيف من درجات الصرامة، ووضع القيود على الرغبات. يقدم السيد المسيح نصيحة عملية: “كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ…” هي وصية لمعالجة المشكلات من بدايتها قبل أن تتراكم وتسبب مشكلات أكثر في المستقبل، وذلك بتصوير خصمين في طريقهما معاً إلى المحاكمة، وهذه عادة كانت سائدة قديماً أن يمسك أحدهم من ظلمه أو أخذ حقه وهرب، عند إلقاء القبض عليه يسيران إلى المحكمة للتقاضي. إنما يوجد حل آخر هو إجراء تسوية بين الخصمين بعضهم البعض أو بحضور بعض الشهود، لذا يمكن تلافي النتائج التي تؤدي إلى تولد الكراهية والمرارة، التي يمكنها أن تتوالد وتنتقل إلى أفراد العائلة والأسرة لتتعاقب عبر الأجيال، إلا أن الاعتراف بالخطأ والتحاور يجنب الطرفان شروراً كثيرة، فقط المطلوب شيئاً من التواضع من أجل صنع سلام في وقته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى