الرأي

مشروعي باب رزقي

في إحدى المجموعات النسائية على موقع الفيسبوك، انتشر وسام (هاشتاق) بعنوان “مشروعي باب رزقي”، وكان الغرض منه هو أن تتشارك النساء تجاربهن العملية فيما يخص العمل والتجارة. استوقفني منشور لطالبة تدرس في السنة الأولى في كلية الاقتصاد، حيث حكت بفخر عن عملها الحالي في بيع أحد المنتجات التجميلية لربات المنازل وقيامها بتوصيل منتجها إليهن بعد قضاء ساعات عديدة في المواصلات ذهابًا وإيابا لتبيع سلعةً يتراوح سعرها بين 150 و250 جنيهاً. هذه الطالبة لم تكن الوحيدة؛ شاركت العديد من النساء تجاربهن في إنشاء مشروعات صغيرة مثل بيع الحلي والحقائب المصنوعة يدويا ووجبات الطعام المنزلية و”الداندرمة” والأثاثات واللوحات الفنية وغيرها الكثير.
كان هذا “الهاشتاق” مصدر إلهام للكثير من النساء الأخريات اللاتي تتملكهن الرغبة في الاستقلال المادي أو زيادة دخل الأسرة. ورغم أن هناك العديد من التجارب النسائية الناجحة في مجال التجارة والمشاريع، لكنها أقلية.
إذا سألـتُـك عزيزي القارئ أن تذكر لي أسماء عدد من رجال الأعمال في السودان، ربما تخطر ببالك أسماء مثل: صلاح إدريس، جمال الوالي، أسامة داؤود، آل حجار، آل النفيدي، آل البرير وغيرهم الكثير. وإذا طلبت منك أن تذكر عددًا من نساء الاعمال، من ستذكر؟ هل ستخطر لك العديد من الأسماء بنفس السهولة التي خطر لك بها ذكر رجال الأعمال؟
من الواضح أن مجال التجارة والمشاريع “الكبيرة والصغيرة” يتصدره الرجال، ولكن ما المانع في منح النساء الفرص الكافية والدعم اللازم لقيام مشاريعهن الخاصة؟
“مارغريت كومي” هي إحدى النساء من دولة كينيا، تركت عملها في المختبر وأصبحت واحدة من أكبر مُصدِّري الفلفل الأحمر إلى أوروبا. “ماري يوغيو” هي امرأة من دولة “بابوا نيو غيني”، كانت تعمل مزارعة في حقول القهوة وقررت أن تدخل مجال التجارة، فأصبحت اليوم تصدر أطناناً من القهوة إلى امريكا؛ “اسفرا شانا” امرأة هندية بدأت باستخلاص الفضة عبر معدات بسيطة في الفناء الخلفي لمنزلها حتى أصبح لديها مصنعها الخاص. هذه أمثلة لنساء حول العالم قمن بخوض عالم “البيزنس” ونجحن فيه؛ وبدولة ذات موارد مهولة مثل السودان، بإمكاننا أن نكرر تجاربهن آلاف أو حتى ملايين المرات إذا توفر الدعم اللازم، وأهم أنواعه هو الدعم المعنوي، فلقد تعودنا (كمجتمع) تكسير المجاديف واستصعاب الأمور، ثم يليه الدعم المادي من الأهل أو من الدولة، فمن المفترض أن توفر الدولة دعمًا كافيًا لقيام مثل هذه المشاريع الصغيرة.
للأسف الشديد.. تترسخ لدينا في السودان مفاهيم اجتماعية على شاكلة: “ده شغل نسوان” و “ده شغل رجال”… وكأنّ لكلا الجنسين أعمالاً محددة يجب الالتزام بها. ومع أن الرجال قد تكون لديهم أفضلية جسدية في القليل من الأعمال التي تتطلب قوة جسمانية كبيرة، إلا أن الواقع يقول أن النساء يمتلكن القدرة الكافية للقيام بجميع الأعمال التي يقوم بها الرجال في العصر الحالي. وحتى قبل تطور التكنولوجيا وتحور سوق العمل، أثبتت نساء العالم أن بإمكانهن تحريك عجلة الاقتصاد، ولنا فيما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية عبرة كبرى. فعند اشتداد الحرب، قامت الدولة بتجنيد عدد كبير من الرجال للجيش وذهب الآلاف منهم للحرب، من ما خلق فجوة في سوق العمل واحتاجت الدولة لتوظيف النساء في مواقع كانت حصرًا على الرجال، فأطلقت حملة دعائية كبيرة لتغيير الصورة النمطية للمرأة الأمريكية (في ذلك الوقت)… والتي كانت تتمحور حول دورها في المطبخ والاهتمام بالمنزل. ساهمت هذه الحملة في انخراط العديد من النساء في سوق العمل. وفي فترة وجيزة… صارت النساء عاملات مصانع يطرقن اللحام ويشغِّـلن الآلات ويسيِّرن دواليب الصناعة والتجارة خلال فترة الحرب.
تقول الدراسات أن التمكين الاقتصادي للمرأة يزيد إنتاجية الدولة، وأن زيادة فرص العمل لهن وتقليل الفوارق الاقتصادية بين الجنسين من شأنه أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 15%. ولا تقتصر فائدة توظيف النساء على الدولة فحسب، بل تنعكس بصورة مباشرة على الأسرة بزيادة الدخل وتوفير الأموال الكافية للصرف على جوانب كالصحة وتعليم الأطفال وغيرها.
فإلى متى تظل هذه الإمكانيات مهدرة؟
المرأة شغالة من الآذان بتسوي الشاي ..
بتبيع بيجاي.. بتعوس بيجاي
مرات بتسوقْ .. مرات ملخومة مع الطايوقْ
بتخُـش السوقْ
بتجيب العيش.. بتجيب الرز.. بتجيب الزيتْ ..
أستاذة.. موظفة.. أو ست بيتْ ..
بتخطط دايما لي بكرة ..
المرأة تلقاها عمود البيتْ..
جنب الراجل.. بتساند في كل الأسرةْ!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى